وأنت تشاهد فيلم " درويش " في السينما، ستجد لازمة بين الأبطال "كلمة السر حرية"، وأظنها كانت لازمة حقيقية بين صناع الفيلم، اتفق المؤلف والمخرج والمنتج والأبطال على حرية التجربة، حرية المغامرة، حرية الخروج عن المألوف.
كان من السهل جداً استثمار النجم عمرو يوسف لشعبيته، ونجاحه في الأدوار الشعبية مثل أفلامه "ولاد رزق وشقو"، واللعب بمنطق الى تكسب به العب به، لكن يقرر الجميع في خطوة جريئة التمرد، والتفكير خارج الصندوق، لعمل فيلم مختلف تماماً عن كل الرائج بسوق السينما.
للنجاح خلطة يعرفها الصناع، ولكن تكرار الخلطة لا يخلق فنانين، يخلق موظفين، لذلك تسمع بنفسك استياء الجمهور - بعد ما دفع التذكرة وزود إيرادات الفيلم - من أن الفيلم عادي وأنه قد شاهده قبل ذلك بأسماء مختلفة.
ولكن في فيلم درويش أنت أمام فكرة مختلفة، فاصل من الدهشة، لص يتحول بالصدفة لبطل شعبي ويخوض مغامرات كثيرة لمحاولة استرداد حياته التي ضاعت وسط حياته الجديدة، ليجد نفسة شخصية جديدة جمعت بين الاثنين، وسط مفارقات كوميدية لذيذة.
قُدمت القصة بشكل خفيف وشيق، ضحكات الجمهور بالسينما تقتحم الأجواء معظم المشاهد، خاصة بالجزء الأول من الفيلم، وقد أحسن المؤلف وسام صبري توظيف الكوميديا ورسم الشخصيات بطريقة سهلت على الممثلين التجويد في التمثيل، فخرج أداءهم سلس، عمرو يوسف قدم دوره ببراعة لافتة، أشعرك انك متورط معه، وقدم كوميديا هادئة دون صخب وقد اكتسب الكثير من الكاريزما الملحوظة في هذا الفيلم، دينا الشربينى وتارا عماد قدما أفضل ما لديهما بأداء يتميز بالعاطفة والقوة، أما أدوار خالد كمال ومصطفي غريب ومحمد شاهين وأحمد عبد الوهاب فكان أداءهم متناغماً كأنهم في مباراة تنس خاصة في المشاهد الجماعية لدرجة أنك لن تتخيل أحد يقوم بتلك الأدوار غيرهم، كل ذلك كان تحت قيادة ما يسترو يوظف كل شيء ليخرج بصورة بهرة وذلك في شئ معتاد من مخرج شاطر مثل وليد الحلفاوي.
الفيلم إنتاج مشترك بين محمد حفظي وممدوح السبع، محمد حفظي أحب بعض أفلامه والبعض الآخر لا أفضله، أما ممدوح السبع فهو أصبح عند الصناع والجمهور براند مصري خالص للوعي السينمائي والفني، صحيح أن اسمه تواجد كمنتج على أعمال قليلة مثل مسلسلات كل أسبوع يوم جمعة، وغرفة ٢٠٧، وأفلام مثل سمير وشهير بهير والعالمي، لكنها أعمال تركت بصمة اشتبكت مع الجمهور وقدمت الترفيه مع الرسالة بنفس الوقت وهو إثبات لنظرية أن الإبداع ليس بكثرة الضخ ولكن بتأثير ما تقدمه.
وقفة أخيراً مع الأزياء، أسأل دينا نديم الستايلست "يا سيدتي ماهذه العظمة!"، أدرك الآن لماذا تُمنح الأوسكار للأزياء، فهي لدينا نديم ولمن في موهبتها.
فیلم "درويش"، صرخة قدم أجواء أربعينية مذهلة، بتفاصيل غنية، بأنتاج سخي، وهو صرخة في وسط الهدوء، تغريدة خارج السرب، تمرد على السائد، أحترم صانعوه الجمهور، فاحترمهم الجمهور وأنجحو التجربة.. وكلمة السر حرية !