عبير عوّاد تكتب: جماهير السوشيال ميديا تودع "القاضي الرحيم" الذي أحبه العالم

قد يستطيع فرد واحد أن يُوحد بين قلوب الملايين في أنحاء العالم، فيتفقوا جميعًا على محبته لتكون هي الشيء الوحيد الذي يجمع بينهم، إنه القاضي "فرانك كابريو"، والذي تُوفيّ منذ ساعات، بعد صراع طويل مع المرض، وبعد أن أعلن ابنه خبر وفاته في فيديو انتشر سريعًا على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وحتى هذه اللحظة، انهمرت التعليقات بمختلف اللغات مواساة للأسرة وتعزية لهم، كما تبادلت المواقع الإخبارية الإعلان عن الخبر والحديث عن الفقيد.


فرانك كابريو إنسان عاش على الأرض تاركًا الحب والاحترام في قلب كل من عرفه وتعامل معه، محكمة كابريو كل من دخلها قلقًا متوترًا يخشى من عقوبة تؤثر على وجوده في أمريكا وتمنعه من الحصول على الجنسية أو تؤخرها، أو حتى تؤثر على إقامته بها، خرج منها وقد زالت عنه كل أسباب التوتر والقلق واطمأن قلبه.

كان يشغل منصب رئيس القضاة بولاية بروفيدنس عاصمة ولاية رود آيلاند الأمريكية محكمته اختصت بمعالجة مخالفات المرور والسير وغالبية المخالفين فيها من الأقليات من جنسيات مختلفة أو المهاجرين، وبالطبع بعض المواطنين الأمريكيين، وجميعهم وجدوا معاملة واحدة دون أدنى تمييز يُذكر، جلسات الاستماع وإصدار الأحكام تمر بسهولة ويُسر، بالإضافة إلى الكثير من الدعابات السمحة الصادقة من كابريو.

هناك الكثير من الفيديوهات المتداولة منذ سنوات لجلسات محكمة فرانك كابريو الشهيرة، ومتابعيها سيرونه وهو يتحدث مع سيدات ورجال لا يتحدثون الإنجليزية، أفارقة وعرب وآسيويين، جميعهم وجميعهن على حد سواء يمنحونه في نهاية الحديث عبارات شكر وتقدير مؤثرة، امتنان حقيقي لأنه أنقذهم من عقوبة مخالفة قد لا يستطيعون دفع قيمتها أو تؤثر تأثيرًا سلبيًا في سجلّهم المروري.

أغلب المخالفات بسيطة والحوادث مثل تخطّي الإشارة، أو إتلاف ممتلكات حكومية، في الغالب ليست لأن المخالف غير ملتزم ولكن تبعًا لاعتبارات أخرى قام بالمخالفة، وقد يعتقد البعض أن الأمر لا يستحق، وعلى شيء من المبالغة فهي ليست إلا مخالفات مرورية، لكن كما أوضحت إن تلك المخالفات والعقوبات قد تؤثر بالسلب على إجراءات الإقامة أو الحصول على الجنسية، أو حتى توقع ضررًا ماليًا على مواطن تخطى الإشارة لأمر طارىء وظرف قهري، إضافة إلى كون بعضها المخالفة الأولى.

رغم أن كابريو كان يوقع عقوبات ويلزم المخالف بغرامات أو بحضور دروس في القيادة أو تقديم خدمات مجتمعية، إلا أنه كان بالوقت نفسه يصدر حكمه ملتمسًا روح العدالة في تطبيقه. فهذه الأم التي تأخرت عن اصطحاب أطفالها من المدرسة، وذاك الزوج الذي يحاول المرور سريعًا لأن زوجته على وشك الوضع، وتلك السيدة التي لا تجيد الإنجليزية بعد فلم تنتبه لعلامة مرورية واجبة التنفيذ.

أما معاملاته مع رجال الشرطة والمرور أو حُجّاب المحكمة وكاتبيها ومصوري الصحافة والإعلام، كانت جميعها معاملات لطيفة بمودة حقيقية.

ولأن محكمته كانت مميزة ونادرة، هذا ما كان حافزًا لتسجيل العديد من الجلسات وعرضها بڤيديوهات على حساب كابريو وصفحته الرسمية التي قارب متابعيها أربعة ملايين، وأيضًا حسابه على الانستجرام، وقناته على اليوتيوب. لا أعرف من الذي شجعه ليكون أيضًا مؤثرًا على السوشيال ميديا، ربما أبنائه وأحفاده، وربما العاملين معه، وفي كل الأحوال حسنًا فعلوا، لأن تأثير كابريو الإنساني بتخطيه حدود جلسات الاستماع وإصدار الأحكام إلى عالم الانترنت جعله نموذجًا يُحتذى به، كقاضٍ وكإنسان.

رابط صفحته الرسمية على الفيسبوك من هنا 

قرأت مقالات عنه وشاهدت أحاديث تليفزيونية وحوارات صحفية أجريت معه، واستمعت لأشخاص قالوا عنه أنه أعاد ثقتهم بالعدالة وتطبيق القانون. وبتواجده على وسائل التواصل الاجتماعي امتد تأثيره خارج حدود بلاده، فأصبح له متابعين من أنحاء العالم، ربما لن تجمعهم به الحياة أبدًا لكنه عرفوا من خلاله أن هناك بشر يحترمون بعضهم البعض يتفهمون الآخر ويقبلونه دون حواجز بلا قيمة أو أهمية. حين عانى من سرطان البنكرياس منذ عامين تقريبًا، تشارك الجميع الدعوات والتمنيات الطيبة للرجل بالشفاء، واليوم يدعون له بالرحمة ويشاطرون أهله العزاء.

بعيدًا عن أنني أحب هذا الرجل وأحترمه، ووجدت في نفسي حاجة كي أكتب لرثائه؛ إلا أنني وجدت في الحديث عنه وعن سيرته، وسيلة للتأكيد على حقيقة نغفل عنها ونتناساها للأسف؛ الرحيل ومغادرة عالمنا أمر سيحدث في أي وقت ولأي إنسان، وما يبقى دائمًا هو الأثر.