مينا محب
الموسيقى العربية كما وصفها "صالح جودت" في كلمات "أنشودة الفن" هي فن خالد يتحدى الزمن ويبني أمجادًا للحضارة العربية. هذا الفن الراقي يعبر عن الهوية الثقافية ويجمع بين الأصالة والتجدد، ليبقى دائمًا حاضرًا في وجدان الشعوب العربية.
بفضل أسماء تركت بصمات لا تُنسى، مثل محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، ولاحقًا علي إسماعيل الذي أضاف لمسة عصرية إلى الموسيقى، ووسط هذا الإرث الموسيقي برزت أسماء معاصرة أعادت تعريف هذا الفن بطرق مبتكرة، ومن أبرزها الموسيقار "مودي الإمام" الذي جمع بين الأصالة والحداثة في أعماله. وفي هذا التقرير نستعرض السيرة الشخصية والمهنية له.
الموسيقار مودي الإمام مؤلف موسيقي وملحن مصري، يعمل في مجال الموسيقى التصويرية منذ أكثر من 40 عامًا. وُلد في حي الزمالك وتخرّج في كلية الفنون الجميلة، وينتمي إلى عائلة فنية بارزة، فهو نجل المخرج حسن الإمام، وشقيق الفنان الراحل حسين الإمام الذي كان له دور كبير في تعليمه أساسيات الموسيقى وتوجيهه موسيقيًا، مما أسهم في صقل موهبته مبكرًا.
وبدأ حبه للموسيقى يزداد تدريجيًا، فأتقن العزف على البيانو وآلات أخرى، قبل أن يواصل شغفه بالدراسة والتعمّق في علوم الموسيقى. وتتلمذ مودي الإمام على يد نخبة من الأساتذة الذين أسهموا في تطوير أدواته، كما درس عددًا من المناهج الموسيقية والفنية، من بينها دراسات عن الشاعر الإيطالي دانتي آلييري والملحن الإيطالي كلاديو مونتيفيردي، وذلك في مبنى “دافينشي” بوسط القاهرة، ما أتاح له توسيع رؤيته الفنية وإثراء مخزونه الإبداعي.
وفي عام 1977، أسّس مع شقيقه فرقة "طيبة"، وقدّما ألبومي "الدنيا صغيرة" و"الحب حكايتي".
في منتصف الثمانينيات، وبعد توقف نشاط الفرقة، توجه مودي إلى التلحين والتوزيع. لم يقتصر عمله على الموسيقى فقط، بل امتد تأثيره ليشمل التلحين للأفلام والمسرحيات والمسلسلات. واعتمد مودي في أسلوبه في البداية على المزج بين الآلات الموسيقية الشرقية والتوزيعات الغربية، وهو ما جعله يقدم موسيقى تصويرية ذات طابع حداثي ومختلف عن المعتاد في ذلك الوقت.
قدم مودي خلال مسيرته العديد من الأعمال الفنية التي رسخت مكانته عند الجمهور، حيث قدّم مع عاطف الطيب عدة أفلام ناجحة، أبرزها فيلم "الهروب" عام 1988 الذي كانت موسيقاه التصويرية فيه مثالًا للتكامل بين الإيقاع الدرامي والبعد الإنساني للشخصيات، مما زاد من تأثير الفيلم وقوته. كما قدّم معه فيلم "ضد الحكومة" عام 1992، وجاءت الموسيقى فيه لتعكس الصراع الداخلي والتوتر النفسي الذي يعيشه البطل، مضيفة عمقًا إنسانيًا للأحداث. كما تعاون مودي الإمام مع المخرج شريف عرفة في فيلم "طيور الظلام" (1995)، وجاءت موسيقاه لتعكس المفارقة بين الكوميديا السوداء والواقع السياسي المشحون، وأسهمت في تعزيز أجوائه الدرامية.
وفي المسرح، لحّن موسيقى مسرحية "الزعيم" (1993) لعادل إمام، مضيفًا أبعادًا موسيقية دعمت الإيقاع المسرحي. وامتدت إسهاماته إلى عالم الفوازير، حيث ألّف موسيقى مقدمة ونهاية فوازير "حاجات ومحتاجات" (1993)، التي امتازت بخفة الظل والتنوع، وحققت نجاحًا جماهيريًا في رمضان. وفي الألفية الجديدة، حافظ مودي الإمام على حضوره، وقدم موسيقى ملحمية لمسلسل "الزيبق" (2017)، الذي ينتمي إلى دراما الجاسوسية، حيث عبّرت موسيقاه عن التوتر والغموض في الأحداث.
كما عاد مؤخرًا للتعاون مع المخرج شريف عرفة في فيلم "اللعب مع العيال" (2024)، مؤكدًا استمرار تألقه وتنوعه الفني.
ملامح أسلوبه الموسيقي:
- اعتمد مودي الإمام على الابتكار والتجريب، حيث مزج بين الآلات الشرقية والأصوات الإلكترونية بأسلوب خاص، ما منح موسيقاه طابعًا حداثيًا مميزًا.
- برع في خلق تناغم حسي بين الصوت والصورة، مستخدمًا تقنيات مثل التصعيد التدريجي والتكرار المونوتوني لتكثيف الإحساس بالتوتر أو السكون.
- الإيقاع في أعماله لم يكن مجرد خلفية، بل أداة درامية تعكس التحولات الشعورية.
- كما تميّز بمزج المقامات الشرقية مع التوزيع الغربي، ما أتاح لموسيقاه الانتشار دون فقدان هويتها.
وفي الختام.. يُعد مودي الإمام واحدًا من أبرز المجددين في الموسيقى التصويرية العربية، إذ فتح آفاقًا جديدة أمام المؤلفين الموسيقيين، وشجّع على التجريب وكسر القوالب التقليدية. لم تكن موسيقاه مجرد خلفية للأحداث، بل أصبحت عنصرًا أساسيًا في تشكيل هوية العمل الفني.
لقد أتقن فن التفاعل بين الصوت والصورة، وجعل الموسيقى تمتد لما بعد المشهد، لتبقى في وجدان المشاهد كعلامة لا تُنسى من روح العمل نفسه.