رباب طلعت
قبل عشرين عامًا فقط، كان نجاح المطربين يُقاس بحجم مبيعات الأسطوانات أو شرائط الألبومات الغنائية، وكان كثيرون لا يحققون أي نجاح يُذكر، إما لأنهم لم يتمكنوا من الترويج الجيد لأغانيهم، أو لأنهم لم يحظوا بفرصة الصعود على خشبة المسرح أمام الجمهور. كان الأمر يبدو أكثر تعقيدًا مما هو عليه اليوم، قبل أن تجتاح العالم موجة المنصات الرقمية، التي تحوّلت سريعًا إلى مسارح عالمية، يصعد فيها الفنانون المحليون من الأزقة الشعبية إلى قوائم التشغيل الدولية.
Spotify، واحدة من تلك المنصات التي أصبحت شريكًا يوميًا لنحو 678 مليون مستخدم حول العالم، من بينهم 263 مليون مشترك مدفوع، وفقًا لإحصائيات نهاية عام 2024. كل يوم، يتعرّف هذا الجمهور على صوت جديد، ويقرر من منهم سيتصدر قوائم الاستماع. بهذا، لم تعد Spotify مجرّد تطبيق استماع، بل تحوّلت إلى شريك فاعل في تشكيل الذوق الموسيقي العربي، ورافعة حقيقية للفنانين الطامحين إلى الوصول للعالمية.
وفي وقت يشهد فيه العالم، والعالم العربي تحديدًا، تحولات سريعة في مشهد الاستماع الرقمي، التقى "إعلام دوت كوم" بـ مارك أبو جودة، رئيس الموسيقى في Spotify لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان، للحديث عن أبرز التوجهات الموسيقية في المنطقة، ودور المنصة في تمكين الفنانين العرب، وتوسيع حضورهم عالميًا. كما تحدث أبو جودة عن خصوصية الجمهور العربي، وخطط Spotify لدمج المحتوى العالمي بالهوية الموسيقية المحلية، ودور الذكاء الاصطناعي في تطوير تجربة الاستماع.
1- ما الفروقات الأساسية التي تلاحظها بين جمهور Spotify في العالم العربي مقارنة بالمناطق الأخرى؟ وفي مصر تحديدًا؟
في العالم العربي، يتمتع الجمهور بعلاقة قوية مع الموسيقى المحلية، ويظهر ذلك بوضوح في كل من مصر والمغرب. ففي مصر، بحسب تقرير Spotify’s Loud & Clear، التقرير السنوي الذي يسلّط الضوء على بيانات الشفافية الخاصة بالمنصة وتأثيرها على الفنانين – كانت أكثر من 80% من الأغاني ضمن قائمة "Top 50" اليومية على Spotify خلال عام 2024 من إنتاج فنانين مصريين، مما يعكس مدى ارتباط الناس بالمحتوى المحلي. كما ارتفعت نسبة الاستماع للأغاني المصرية بأكثر من 70% خلال العام نفسه، وازدادت أرباح الفنانين المصريين إلى أكثر من ضعف ما كانت عليه في العام الماضي، وكان الجزء الأكبر من هذه الأرباح من نصيب فنانين وشركات إنتاج مستقلة، بالإضافة إلى جمهور واسع من خارج مصر.
أما في المغرب، فالوضع يشبه إلى حد كبير ما هو عليه في مصر، حيث يظهر حب الجمهور للمحتوى المحلي بوضوح، لا سيما مع صعود موسيقى الهيب هوب المغربي التي أصبح لها تأثير ملموس على المستويين المحلي والعالمي.
أما في السعودية، فهناك عشق واضح للألعاب الإلكترونية، إلى جانب ترابط قوي مع الموسيقى الخليجية والمصرية، مما يعكس تنوع الأذواق واهتمام الجمهور بالمحتوى الإقليمي والمحلي على حد سواء.
وفي الإمارات، يُضفي التنوع الثقافي الغني طابعًا خاصًا على الذوق الموسيقي، حيث يتنوع ما بين البوب العربي والموسيقى الهندية والفلبينية، بالإضافة إلى فنانين عالميين مثل تايلور سويفت. هذا التنوع يتيح لكل فرد أن يجد ما يناسب ذوقه، مما يجعل تجربة الاستماع في الإمارات فريدة وغنية مقارنة ببقية الدول.
2- كيف توازن Spotify بين الطابع العالمي للمنصة والهوية الموسيقية المحلية في المنطقة؟
تعتمد Spotify على مبدأ "التخصيص والاكتشاف"، حيث تقدم تجربة فريدة لكل مستخدم بناء على تفاعلاته داخل المنصة، مثل الأغاني التي يستمع إليها أو يضيفها إلى قوائم التشغيل، وذلك من خلال خوارزميات ذكية ومتطورة. لكن ما يميز Spotify فعلاً هو الدمج بين هذه الخوارزميات والتكنولوجيا المتقدمة، وبين الفهم العميق للثقافة المحلية، من خلال فريق تحرير متخصص في كل منطقة.
في مصر، يُعدّ الفريق التحريري المحرّك الأساسي وراء قوائم تشغيل بارزة مثل "ملوك السين"، التي تسلط الضوء على نجوم الراب المصري، وقائمة "التوب" التي تعرض أنجح الأغاني في مصر، بالإضافة إلى "مزيكا الساحل" التي تعكس أجواء الصيف المصري. ولا يقتصر دور المحررين على إضافة الأغاني فقط، بل يصممون تجربة سمعية متكاملة تراعي اللحظات والمناسبات المختلفة، سواء كانت رمضانية أو اجتماعية، وصولًا إلى المزاج اليومي للمستمع. والنتيجة هي تجربة تجمع بين الهوية الموسيقية المحلية والانتشار العالمي، حيث يلتقي التميز التحريري مع التكنولوجيا لدعم الاكتشاف الفني عبر الحدود. وقد تجلّى ذلك في عام 2024، ووفقًا لتقرير Loud & Clear من Spotify، تم اكتشاف الفنانين المصريين أكثر من 480 مليون مرة على المنصة، مع تسجيل نمو سنوي في الاستماع العالمي للموسيقى المصرية بنسبة 60% منذ عام 2018.
3- كيف تساعدون الفنانين العرب على الوصول إلى جمهور عالمي؟
منذ انطلاقه في عام 2008، أحدث Spotify ثورة في طريقة الاستماع إلى المحتوى الصوتي. أصبحت اليوم المنصة الصوتية الأكثر شعبية على مستوى العالم، حيث يضم أكثر من 678 مليون مستخدم، من بينهم 268 مليون مشترك مدفوع، ويغطي أكثر من 180 سوقًا عالميًا. توفر المنصة إمكانية الاستماع إلى أكثر من 100 مليون أغنية، ونحو 7 ملايين بودكاست، مما يجعلها بيئة غنية ومتنوعة للمستخدمين والفنانين على حد سواء. وقد منحت هذه المنصة العالمية الفنانين العرب فرصة حقيقية للوصول إلى جماهير جديدة حول العالم. فوفقًا لتقرير "Loud & Clear" لعام 2024، تضاعفت أرباح الفنانين المصريين على Spotify في عام 2024 مقارنة بعام 2023، وزادت بأكثر من خمسة أضعاف مقارنة بعام 2022، حيث جاءت أكثر من 80% من هذه الأرباح من مستمعين خارج مصر، في أسواق كبرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا والهند والبرازيل. ومن خلال أدوات مثل Spotify for Artists، يمكن للفنانين تحليل بيانات جمهورهم بدقة، مما يساعدهم على تطوير استراتيجياتهم الفنية والتسويقية. كما تسهم برامج مثل RADAR Arabia وFresh Finds Arabia في تسليط الضوء على المواهب العربية الصاعدة، وتمكينها من تحقيق الانتشار والوصول إلى جمهور أوسع على المستوى الإقليمي والعالمي.
4- ما أبرز التوجهات الموسيقية التي ترصدونها حاليًا لدى جمهور المنطقة؟
من أبرز التوجهات الموسيقية التي نشهدها حاليًا في المنطقة هو تصاعد تأثير الثقافة الشبابية في تشكيل الذوق العام، وهو ما ساهم في بروز أنواع موسيقية كانت تُعد سابقًا ضمن "المشهد الأندرغراوند"، مثل موسيقى المهرجانات والهيب هوب المصري، والتي أصبحت من بين أكثر الأنواع استماعًا في عام 2024. ويظهر ذلك بوضوح في نتائج Spotify Wrapped 2024 في مصر، حيث كان الحضور قويًا لأسماء مثل ويجز، عفروتو، مروان بابلو وعنبة، والذين يُعدّون من أبرز الأصوات التي تمثل هذا الجيل.
كما أظهر تقرير Wrapped Egypt 2024 بروز عدد من فناني المهرجانات ضمن القوائم الأكثر استماعًا، مثل إسلام كابونجا، وعصام صاصا. ولا يقتصر دور الجمهور على التفاعل مع هذه الأنواع الموسيقية، بل أصبح اليوم هو المحرك الرئيسي لتوجهاتها، مساهمًا في انتشارها محليًا وعالميًا، في ظاهرة تعكس التغيير العميق في مشهد الموسيقى العربية المعاصرة.
5- كيف تؤثر قوائم التشغيل Playlists في سلوك المستمع العربي؟ وما المعايير التي تعتمدونها في اختيار الأغاني لها؟
يُظهر المستمعون في مصر تفضيلًا واضحًا لتجارب استماع مُنسقة بعناية، تشبه "شريط كوكتيل" موسيقي معدّ بدقة ليناسب كل لحظة وكل مزاج. وهذا بالضبط ما يقدمه Spotify من خلال قوائم التشغيل، التي توفر تجربة استماع منظمة وسهلة، تُساعد المستخدمين في العثور على الأغاني المناسبة لكل وقت ولكل شعور.
تُسهل قوائم التشغيل على الجمهور اكتشاف موسيقى جديدة، ومشاركة الأغاني، والوصول السريع إلى المحتوى الذي يتماشى مع أذواقهم وظروفهم اللحظية. وتتنوع هذه القوائم على المنصة بين ثلاثة أنواع رئيسية، وهي: قوائم يتم إنشاؤها بواسطة خوارزميات ذكية، قوائم تحريرية من إعداد فرق تحرير محلية متخصصة، وقوائم هجينة تجمع بين الجانبين لضمان تجربة استماع متكاملة وشخصية لكل مستخدم.
هذا التنوع في أساليب إعداد قوائم التشغيل يُمكّن Spotify من تقديم محتوى يتسم بالدقة والتخصيص، مع الحفاظ على الطابع المحلي واللمسة الشخصية التي تضمن تلبية احتياجات وأذواق الجمهور المتغير باستمرار.
6- بدأتم في استخدام آليات ذكاء اصطناعي حديثة لاختيار القوائم.. ما تأثيرها على مدى رضا الجمهور؟
يعتمد Spotify على أنظمة توصية ذكية للغاية مبنية على تقنيات تعلم الآلة، والتي تساهم في تقديم تجربة استماع شخصية لكل مستخدم. ومنذ عام 2011، كان الاستثمار المستمر في الذكاء الاصطناعي أحد العوامل الأساسية في تطوير تجربة المستخدم وتحسينها بشكل متواصل. تظهر فعالية هذه الأنظمة في منتجات متنوعة مثل Discover Weekly، وBlend، وموجز الصفحة الرئيسية، بالإضافة إلى قوائم Made for You. ومن أبرز الإضافات الحديثة ميزة daylist، التي تقدم للمستخدمين يوميًا قوائم موسيقية مصممة وفقًا لحالتهم المزاجية وتفضيلاتهم. وقد حققت هذه الميزة نجاحًا كبيرًا، حيث يستمع إليها 70٪ من المستخدمين بشكل أسبوعي، مما يجعلها واحدة من أكثر الميزات التي ساهمت في اكتشاف موسيقى وفنانين جدد.
ويُعدّ الذكاء الاصطناعي اليوم أحد الأدوات الأسرع تطورًا، وإذا تم استخدامه بالشكل الصحيح، فإنه يفتح آفاقًا واسعة لتمكين المزيد من الأشخاص حول العالم من تعزيز إبداعهم وتحقيق إمكاناتهم. Spotify ليس مجرد منصة موسيقية، بل نعتبر أنفسنا شريكًا داعمًا للفنانين في رحلتهم للنمو والتواصل مع جمهورهم. ويسهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق هذا الهدف من خلال أدوات ذكية وشخصية، تجعل تجربة الاستماع أكثر عمقًا وتوافقًا مع كل مستمع.