محمد المعتصم يكتب: لهذا عادت الكنبة إلى البيت ‎

لو أن الانتخابات البرلمانية عُقدت بعد افتتاح قناة السويس الجديدة، لأجبرت الطوابير، من بيده القرار على مد فترة التصويت، لكنها للأسف تأخرت أكثر من اللازم. أن تصل متأخراً أفضل من ألا تصل أصلاً، لكن نتيجة التأخر كارثية.

ما الذى حدث، وكيف تحوّلت رغبة الناس من المشاركة والفرحة، إلى تجاهل ولامبالاة؟ كيف عادت «الكنبة» من جديد إلى البيوت، بعد أن نزلت الشارع، لتشارك فى صُنع التغيير؟ أنا لا أصدق طبعاً أن الناس استجابت إلى دعوات المقاطعة، فمن أطلقها لا يعرف لجنته الانتخابية أصلاً، ولا يمكن أن أقتنع بما كتبه شبيه «سعاد حسنى» على «تويتر»، من أن «الانقلاب يترنح، وكده»، فلو فكر هو ومن معه فى العودة من بروجهم المشيّدة فى قطر وتركيا، ستخرج له الجماهير نفسها، لتعلمه أن «الأدب فضّلوه عن العلم»، الذى يتاجر به.

ما الذى حدث إذن؟ أقول لك يا سيدى.. تأتى الانتخابات وقد وصل الدولار إلى أعلى معدلاته، وسط صمت رسمى، وكأنهم فى مباراة يشجعون فيها اللعبة الحلوة، تلك اللعبة التى أعجبتهم، فقرروا فى يوم الانتخابات نفسه، تخفيض سعر الجنيه، 10 قروش مرة واحدة.

انهيار الجنيه ورفع سعر الدولار كان ضربة كبيرة لكل التجار ورجال الصناعة، ومن له علاقة بالبيع والشراء، وهى شريحة كبيرة جداً وجدت نفسها فى أزمة، فابتعدت عن التصويت.

قبل الانتخابات وجدنا «وزيرة السيلفى» غادة والى، تتحدّث فى مؤتمر «أخبار اليوم» الاقتصادى، وتقول إن الحكومة لن تستمر فى تحمّل 55 مليار جنيه أموال المعاشات، هل تعتقد أن 9 ملايين شخص لديهم مليارات ضاعت ما بين «نظيف» و«غالى»، يمكن أن يشاركوا فى انتخابات لتأتى ببرلمان يمرر كلام الست الوزيرة؟

كيف تطلب الدولة من الناس المشاركة عبر إعلام يتعالى عليهم، ويمارس عليهم دور ولى الأمر دون أى داعٍ؟ كيف يمكن لهم أن يصدّقوه بعد أن تجاهل مشكلاتهم، وتحول إلى تصفية حسابات، وحرب ديوك، وبرامج توك شو مثل غثاء السيل، لا تغنى ولا تسمن من جوع؟ أنا هنا لا أتحدث عن مشاعر بسطاء يتحدثون عن الأرصدة التى تضخّمت لمن يبكيهم عبر الشاشات، فتلك قصة أخرى، أنا أعنى تلك المعارك الوهمية التى انتهت صلاحيتها، بالتخويف من فزّاعات «البرادعى» وشوية العيال بتوع «6 أبريل»، كيف يمكن لناس أن تشارك وتأتى بنواب لمجرد الخوف من شخص هرب من أول مواجهة إلى النمسا، وتحول حزبه إلى «حزب أحرار»، لو اتنين فيه صحيوا يوم بدرى، واحد يصدر قرارات، والتانى يستقيل؟ أما «6 أبريل»، فقد نالهم ما نال الإخوان، ولم يعد لهم ثقل فى المعادلة.

كيف تطلب الدولة من الناس المشاركة فى انتخابات جاءت بعد تعديل وزارى، لم يعرفوا سببه، ولا كيف تم استبدال أحمد بالحاج أحمد؟

فرح الناس بحبس وزير الزراعة، ولو أن الأمر تم قبل الانتخابات مباشرة لكان الإقبال تاريخياً، لكن للأسف لا يعرف أحد ما الذى تم فى القضية، ولا بقية الأسماء المتورطة، ولا كيف بدأت ومتى ستنتهى؟ ومع الوقت تحولت الفرحة إلى حالة سكون، والسكون إلى قلق، والقلق إلى ضجر، نسى الناس إصرار الرئيس «على محاسبة أى شخص مخطئ مهما كان منصبه»، وعادوا إلى جلسات النميمة التى تبدأ بحكايات مجهولة المصدر، وتنتهى بـ«يا عم مافيش فايدة».

كيف نطلب من الناس المشاركة فى انتخابات، تتصدّرها وجوه «حمّالة أوجه».. كانوا مع «مبارك»، ثم مع «25 يناير» ضد «مبارك»، ثم مع المجلس العسكرى، ومع «شفيق» ضد «مرسى»، ومع «الإخوان» ضد من يكرهونهم، ثم مع «30 يونيو» ضد «الإخوان»؟ الناس لا تتمتع بذاكرة سمكية.

كيف نطلب من الشباب المشاركة، ليختاروا شباباً كانوا رفقاءً لهم بالأمس فى الميدان، وتحولوا إلى مراكز قوة، وبدّلوا -عبر علاقات برجال أعمال ومسئولين فى الداخل والخارج- مساكنهم ووظائفهم وعرفوا البدل والسنييهات؟ كيف امتلكنا الجرأة لنطلب من الشباب المشاركة فى الانتخابات، ليمنح المجموعة نفسها -التى تسبّبت فى انعزاله عن الحياة- حصانة برلمانية؟

هلّل الناس للمؤتمر الاقتصادى، وبعيداً عن البسطاء الذين كانوا يحسبون هيطلعوا بكام من الموضوع ده، لكن الناس عموماً كانت سعيدة بالمشروعات و«الخير اللى هييجى البلد»، لكن مر أسبوع وراء أسبوع، وشهر وراء الشهر، ولم يعرف الناس أى شىء عن المشروعات التى أعلن عنها. تناسى الناس الأمر، كما نسوا الـ12 مليار دولار القادمة من السعودية والإمارات والكويت، مع إعلان شركة «إينى» عن حقل الغاز، لم يتحدث أحد عن أن المشروع لن يبدأ الآن، ولم يستمع أحد إلى المحبطين الذين يرددون «فين التريب اللى فى الموضوع»، الشعب يتمسك بالأمل فى تجاوز أزمته، مجرد التفكير فى أنه سيُصبح قوة بترولية مثل دول الخليج، أنعش كرامته، لكن فجأة وجدنا زحاماً أمام محطات البنزين، لم يكن هناك أزمة بترول حسب تأكيدات مسئولى الوزارة، لكن فجأة حدثت أزمة لا يعرف أحد سببها، هل كانت شركات التوزيع تعاقب وزيرها الذى أصبح رئيساً للحكومة؟ هل كان البعض يحرجه أمام الرئيس؟ لا أحد يعرف السبب، لكن النتيجة أن الناس تعطلت مصالحها وأضاعت ساعات فى الانتظار، والآن نطالبها بالنزول.

كيف تجبر ناخباً فى فيصل أو الجيزة على النزول والمشاركة، وقد بح صوته من انقطاع المياه أياماً طويلة، وعندما قرر أن يتخذ موقفاً ليصل صوته وقطع الطريق، وجد خراطيم المياه تفرق وقفته؟ أتخيل أن شخصاً ينتظر المياه لثلاثة أيام بالتأكيد وقف متحدياً المياه لـ«يغسل وجهه».

أنا لا أهتم بالإعلام، وبصراخ المذيعين، واتهامهم الناس بـ«قلة الأصل»، ونكرانهم الجميل، لأنهم لم يقفوا ويتحدثوا مرة فى مرتبات ومكافآت القضاة التى يعلن عنها كل فترة، ولم يناقشوا الناس ويشرحوا لهم الزيادات التى تمت لفئات معينة، وتركوهم يتحدثون وحدَهم عن الضرائب والخدمة المدنية، دون أن يقدّموا لهم ما يزيح مخاوفهم، أنا لا أهتم بكل ما يقال، لأن اهتمامى بالناس الذين تجاهلناهم وتعالينا عليهم، رغم أنهم كانوا فى الصفوف الأمامية لكل الدعوات، ينتظرون فقط أى بارقة أمل، للأسف لم يجدوا إلا ما يقلقهم وطبيعى جداً أن ينسحبوا.

المهم هنا أن أمامنا فرصة لضبط الأمور من جديد، وإعادة الثقة للشعب وفى الشعب، عبر إجراءات واضحة، لأن البديل سيكون صعباً، والمواطن الذى رفض اليوم المشاركة فى الانتخابات، لن تجد عنده الدافع لبناء مستقبل البلد غداً.

نقلًا عن جريدة “الوطن”

اقـرأ أيـضـًا:

القرموطي يقدم بلاغ في مالك “دريم” بعد وفاة أحد العاملين بـontv

برنامج توك شو وقناة تراث ..جديد “ماسبيرو” في يناير

كيف تابعت الصحف المصرية الانتخابات النيابية

مرتضى يتشاجر بلجنة في العجوزة: هات الكاميرا من البت دي

10 صور من جنازة الأديب جمال الغيطاني

الفضائيات وانتخابات البرلمان: كثير من التحليل.. قليل من البث المباشر

كيف فسرت الفضائيات ضعف الإقبال على التصويت؟

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا