هيثم الغيتاوي يكتب: في فلسطين.. "الأغاني بتتكلم عبري"

تطور نوعي لافت لأدوات وأساليب شباب الفصائل الفلسطينية في مواجهة القوات المحتلة إعلاميا، بالتوسع في استخدام الأغاني (العبرية) كسلاح في “الحرب النفسية” للتأثير على الروح المعنوية للجبهة الداخلية في إسرائيل بل والتأثير في درجة ولاء مرتزقة الجيش واستفزاز غضبهم تجاه قادتهم.

والفكرة نفسها ليست جديدة، وإنما الجديد في تطور مستوى التنفيذ وكثافة الترويج، حتى أن جودة تنفيذ هذه الأغنيات العبرية ساهمت مؤخرا في استمرار الجدل حول الجهة المنتجة لتلك الأغاني، خصوصا وقد حرص المنفذون على الاستعانة بمن يتقنون اللغة العبرية وينطقونها كأهلها، وعدم الاستسهال في تلحين الكلمات، لضمان انتشارها.

وأحدث مثال على ذلك، انتشار أغنية بعنوان “لا أريد أن أكون جنديا” على مواقع التواصل الاجتماعي ويوتيوب، بوصفها أغنية ألفها ولحنها وأنتجها وغناها مطرب إسرائيلي دون ذكر اسمه، وسجلت الأغنية آلاف المشاهدات، خصوصا وقد روجت لها وكالة شهاب الإخبارية التابعة لحركة حماس على موقع فيس بوك، التي تحظى بمتابعة نحو 4 ملايين و200 ألف من أعضاء الموقع.. وتوالت مئات التعليقات على فيديو كليب الأغنية تبدي الإعجاب، وتعبر عن الشماتة في جنود الصهاينة الذين يتخوّفون من التجنيد في صفوف جيشهم، وتسخر من المطرب الإسرائيلي الجبان!

يكتب العشرات من المعلقين آراءهم بمنتهى الثقة في أن الأغنية بالفعل إسرائيلية الإنتاج والتنفيذ، دون أن يكلف أحدا نفسه بالسؤال أو البحث عن اسم هذا المطرب الإسرائيلي “شجيع السيما” الذي قرر أن ينتج أغنية ويصور لها فيديو كليب يسخر ويسب جيش إسرائيل في هذه الظروف! ويمكن القول إن هذه الثقة من جانب المعلقين الذين ساهموا في تحقيق مزيد من الانتشار للأغنية مؤشر على نجاح منتجى الأغنية في تحقيق غايتهم، بإقناع غالبية من يستمع إلى الأغنية أنها إسرائيلية بالفعل.

وبكل ثقة، يرفض المعلقون على فيديوهات وكالة شهاب على فيس بوك مجرد افتراض أن حماس هي منتجة الأغنية الجديدة.. ربما لجودة التصوير الاحترافي للفيديو كليب هذه المرة، فضلا عن جاذبية اللحن “الشبابي” غير المعتمد على الإيقاعات الحماسية المبالغ فيها كالعادة.

ويمكن متابع التعليقات، على حساب الوكالة الحمساوية من هنا

وبقليل من البحث، نكتشف أن جاذبية اللحن الأصلي لم تأت من فراغ، لأن صانعه مطرب وملحن محترف بالفعل، لكنه توفي في العام 1987. وهو المطرب الإسرائيلي الشعبي زوهر أرجوف، اليمني الأصل، الذي تعلم فنون الموسيقى والغناء على يد أعضاء “الجالية اليمنية” التي تستوطن إسرائيل.

واختيار ذلك اللحن المدهش على وجه التحديد، دليل آخر على احترافية وسعة اطلاع صناع الفيديو في مجال الثقافة الموسيقية، حيث أن اللحن فضلا عن جاذبيته – من الناحية الموسيقية البحتة – فإنه من إنتاج مطرب وملحن إسرائيلي بالفعل، بل أن المطرب نفسه كان قد رفض الخدمة في الجيش الصهيوني في السبعينيات، وتعرض للسجن، ما يعني أن اختيار اللحن الشهير للمطرب الأشهر مقصود تماما… لكن وجبت الإشارة هنا إلى أن الأغنية الأصلية للمطرب الراحل لا علاقة لها بالجيش من قريب أو بعيد، وإنما كانت بعنوان “أن تكون إنسانا”، وسجلها قبل عام من وفاته.


وتقول كلمات النسخة “الحمساوية” من الأغنية الشهيرة (لو لمع حظي، لأطلب قدري، لطلبت ألا أكون جنديًا. لا ضابط ولا عريف لا قيادة ولا هيئة أركان، فقط أريد فتاة حسناء عارضة أزياء مشهورة.”فلأجل ماذا أضحي بحياتي في مقتبل العمر؟، أفضل أن أعيش إلى أبد الآبدين… لذا يا “خبيبي” لا أريد أن أكون جنديّا).

ونشرت كثير من المواقع الصهيونية الأغنية الجديدة تحت عنوان “حماس تحرض جنود إسرائيل على التهرب من الخدمة العسكرية”، نافية أن يكون المطرب أو صناع الفيديوكليب إسرائيليا، وإن أقرّت بدقة نطق مخارج حروف اللغة العبرية في الأغنية الجديدة.

http://news.walla.co.il/item/2856054

وفي المقابل، تصر وكالة شهاب للأخبار التابعة لحركة حماس على نشر الأغنية نفسها، بوصفها أغنية من إنتاج مطرب أو جندي صهيوني، وهو ما أكده أيضا حساب المركز الوطني للإعلام التابع لحركة حماس على موقع يوتيوب. وكانت إدارة فيس بوك ويوتيوب قد أوقفت حسابات تابعة لحركة حماس، استجابة لضغوط صهيونية، بدعوى بث مواد تحض على العنف، قبل أن تسمح إدارة الموقعين لبعض الحسابات بالتفاعل والبث مجددا. وللتغلب على تلك الضغوط، ساهمت كثير من الحسابات الفلسطينية في نشر أغنية أخرى بعنوان (أخت المرجلة)، حققت انتشارا واسعا هي الأخرى، وتتميز بإيقاع حماسي يحرك المشاعر، واستندت إدارة اليوتيوب إلى تلك الأغنية تحديدا في تبرير غلق حسابات حماس على يوتيوب، بدعوى أن فيديو الأغنية يتضمن تصويرا لأعمال طعن ضد مدنيين.

لكن على الجانب الآخر، فإن إصرار مواقع الإنترنت التابعة للحركة وجمهورها على القول بأن هذه الأغنيات من إنتاج إسرائيلي يحوّل الأمر إلى مادة لسخرية مواقع الصهاينة، على الرغم من أن الإقرار بأنها أغنيات من إنتاج فلسطينيين للتأثير في الروح المعنوية لمرتزقة الجيش الإسرائيلي لا يقلل من تأثيرها بأي حال، وإنما يزيد من الثقة في قدرة الفصائل الفلسطينية على تطوير أدواتها على المستوى الإعلامي لمجابهة الإعلام الصهيوني، ليس على المستوين المحلي والإقليمي فحسب، وإنما أمام الرأي العام العالمي بما يخدم القضية الفلسطينية، بأكثر من وسيلة.

ولمن لا يعرف من متابعي وكالة شهاب الحمساوية التي نشرت الفيديو كليب، نلفت انتباههم – وغيرهم – إلى أن حركة حماس اتبعت هذا الأسلوب مؤخرا في أكثر من موقف، وأنتجت بالفعل أغنيات عبرية تحمل كلماتها التهديد والوعيد لجنود إسرائيل ومستوطنيها..

ومنها أغنية “خماس خماس خماس” التي انتشرت خلال الحرب على غزة في العام 2012 .. فهل يغنيها هي الأخرى جندي إسرائيلي انضم إلى حماس مثلا، ويهتف باسمها في الأغنية على طريقته؟


وهناك أغنية بالعبرية أيضا بعنوان “زلزل أمن إسرائيل”..


وكذلك أغنية حمساوية ناطقة بالعبرية تقول “نحن جند الله”..

وفي أبريل الماضي، نشرت وكالة شهاب أيضا أغنية باللغة العبرية، تدعو إلى الهجرة العكسية، أو الهروب من إسرائيل، وقالت الوكالة حينها أن الأغنية من تأليف وتلحين وغناء وإنتاج يهود صهاينة..

فضلا عن أغنية أكثر شهرة و”سخرية”، بعنوان “النسخة العبرية من بشرة خير”، نشرتها وكالة شهاب (التي يبدو أنها تخصصت وتميزت في ذلك الجانب).


والمتأمل لمستوى جودة التصوير وتنفيذ اللحن والتوزيع في هذه الأغنية الأخيرة يدرك من جديد ما قصدته بالتطور النوعي في أداء حماس إعلاميا في مواجهة القوات الإسرائيلية، بعيدا عن الأناشيد الخطابية المباشرة التي لا تنتشر إلا بين صفوف حركة حماس وأنصارها من أعضاء جماعة الإخوان في مختلف الدول العربية، حتى وإن كانت الأداة هذه المرة الموسيقى التي يحرّمها الأغلبية منهم.

للتواصل مع الكاتب عبر فيس بوك من هنـا

هيثم الغيتاوي يكتب: شفيق وسيدات التنس في الإمارات.. “ده تمامك؟”

اقـرأ أيـضـًا:

أبرز 8 لقطات في الشوط الثاني من لقاء السوبر المصرى

محمود طاهر لرئيس الزمالك: يلا نبدأ العصر الإيجابي

رولا خرسا للحسيني عن حسام سويلم: اعتبره أبوك يا أخي

إبراهيم عيسى: السكاكين لن تحرر فلسطين

حنان شوقي للمتحدث باسم “الصحب وآل البيت”: كفاية سفالة

 .

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا