النجوم من الدراما للإعلانات.. ما زاد عن حده انقلب إلى ضده

في جلسة عائلية، رشحت لإحدى قريباتي مسلسلًا لتبدأ في مشاهدته وأثنيت عليه، فقالت لي: "لا لا ده فلان جننا كل شوية ناطت لنا في الإعلان كفاية كده"، وكانت تقصد بذلك بطل العمل.

أهرب منك أروح على فين؟

والحقيقة، أنها وضعت يدها دون قصد على ظاهرة مهمة، لفتت أنظار الجمهور في الموسم الدرامي المنصرم 2024، وهي على طريقة أم كلثوم بتصرف "أهرب من قلبي أروح على فين" أو "أهرب منك أروح على فين" فهناك تزايد كبير في أعداد الفنانين في الحملات الدعائية، بل إن بعضهم يشارك في أكثر من إعلان، ويظهر ليلًا ونهارًا بين الفواصل، مما أحدث ارتباكًا لدى الجمهور، خاصة أولئك الذين يشاركون في نفس الموسم بأعمال درامية، فمن قبل، كان الشائع بين الفنانين رفض الظهور في إعلانات تجارية من الأساس، ثم تطور الأمر لمشاركة بعضهم ولكن تفادي المشاركة في إعلانات تُعرض بالتزامن مع أعمالهم الفنية، كي لا ينافس إعلانه عمله الفني، ولكن حاليًا وفي هذا العام تحديدًا انكسرت تلك القاعدة.

فعلى سبيل المثال وليس الحصر، شارك الفنان كريم عبدالعزيز في إعلان خاص بـ مطور عقاري شهير، بالتزامن مع عرض مسلسله الأهم في هذا الموسم "الحشاشين"، وكذلك، الفنان آسر ياسين الذي ظهر في إعلان فكرته أقرب للفيلم القصير، لأحد "الكمباوندات"، في نفس توقيت عرض مسلسله "بدون سابق إنذار".


وبالنسبة للفنانات، فالفنانة دينا الشربيني أيضًا، ظهرت بإعلان جديد لأحد شركات الأجهزة الكهربائية الشهيرة مع الفنانة روبي، مع عرض مسلسلها "كامل العدد+1"، وكذلك ياسمين صبري الذي لفت إعلانها لصالح أحد المنتجعات السياحية الأنظار أكثر من مسلسلها "رحيل"، وغيرهم آخرين! 


الأزمة هنا ليست المشاركة فقط في إعلانات في نفس موسم عرض عمل درامي للفنان، إنما أيضًا تكثيف عرض تلك الإعلانات في الفواصل الإعلانية، سواء على التلفزيون، أو النسخ المخفضة على المنصات، والتي تتضمن المشاهدة بإعلانات، مما يُكثف من ظهور الفنان بشخصيته في الإعلان أكثر من عمله الفني.. فهل ينعكس ذلك بالسلب على أدوارهم الفنية؟ نحاول من خلال تلك السطور الوصول إلى إجابة.


طارق نور.. بابا المجال

قبل الوصول إلى ما نحن عليه اليوم، من شراهة لا داعي لها بإقحام النجوم والمشاهير في الإعلانات، بسنوات عدة، بدأ طارق نور مجال الإعلانات في مصر والوطن العربي، وأصبح صوته ماركة مسجلة في هذا المجال، وأيضًا أصبحت إعلاناته موردًا أساسيًا لنجوم كبار نشاهدهم اليوم، وأبرزهم: ياسمين عبدالعزيز، وشيري عادل، وشيرين رضا، وأمير كرارة، ونيرمين الفقي، وقائمة طويلة لا يمكن حصرها.

"بابا المجال" كما يُطلق عليه داخل أروقة صناعة الإعلانات، في حوار له عن مسيرته الفنية، تم بثه على إحدى قنوات "اليوتيوب"، لخص صناعة الإعلانات ببساطة شديدة قائلًا: "صناعة إعلان مبهر ولكنه لم يحقق مبيعات لا يعد نجاحا"، وتلك الجملة تحديدًا، يمكن عكسها على المشهد الإعلاني والتسويقي الحالي، خاصة مع انتشار ظاهرة مشاركة النجوم بكثافة في الإعلانات، لنتسائل.. هل تحقق الهدف من الإعلان؟ تذكر ثلاثة إعلانات لنجوم دفعتك لاتخاذ قرار شراء خلال الفترة الآونة وأجب بنفسك.

لماذا تلجأ الشركات للنجوم في الإعلانات؟

إذا ما حاولنا الإجابة على السؤال السابق، من المحتمل، أن نتذكر سيل من الأغاني، أو الإعلانات البارزة، التي كان وجهها الإعلاني فنانًا، ولكنك من الصعب ربطه بالمنتج المعلن عنه، أي أن الرسالة لم تصل! 

وفي هذا الصدد، يحدثنا محمود صالح، خبير تسويقي، عن سبب اختيار الشركات لمشاهير في حملاتهم الدعائية، وهل تنجح التجربة دائمًا أم لا، حيث قال: "سرعة التأثير والوصول للجمهور، ذلك السبب الأساسي الذي يدفع أي مُعلن لاختيار النجوم، فهم الأقرب للجمهور، بالتالي ضمان نجاح الحملة، ولكن ذلك لا يحدث دائمًا". 

هل تستفيد الشركات دائمًا من مشاركة النجوم؟

وإجابة على السؤال السابق أضاف "صالح" إن الحملة الدعائية التي تعتمد على نجوم، لابد أن تحافظ على التوازن في المكاسب بين شقيها، الفنان والمُعلن، فالأول يجب أن يحافظ على صورته الذهنية لدى الجمهور، فيبتعد مثلًا عن الشركات التي تقدم إعلانات "رخيصة" هدفها إثارة الترند حتى لو كان سلبيًا، كي لا "يحرق نفسه" على حد تعبيره، والشق الآخر، يحقق هدفه من الإعلان وهو "البيع"، مشيرًا إلى أن ذلك التوازن صار غائبًا تمامًا عن المشهد الإعلاني اليوم.

أوضح أن الشائع الآن، هو أن الفنان هو "اللي بيسوق الحملة"، فالنتيجة دائمًا لصالحه، لأن ما يتقاضاه من الإعلان من الممكن أن يغنيه عن المشاركة في عمل فني آخر، لافتًا إلى أن بعض الملحنين والمؤلفين على سبيل المثال، يعتمدون على الإعلانات، كمصدر دخل أساسي لهم أكثر من الألبومات الفنية، ويحتفلون بصدارة أغنية إعلانية على قائمة الاستماع في التطبيقات المختلفة، وكأنها عمل فني، وذلك بعيد كل البعد عن مصلحة المنتج.

وأشار إلى أن أجر الفنانين الكبير في الإعلانات، بات يؤثر أيضًا على شكله، بسبب عدم إدارة الميزانية بشكل جيد، حيث يذهب أغلبها للنجم، مما يؤثر سلبًا على جودة التصوير، وميزانية إنتاج الإعلان ككل، بجانب ما أسماه بـ"الكارثة" هو أن الفريق الإبداعي الواحد ومنه الفنان، يشارك في نفس الموسم، لأكثر من منتج، وفي بعض الحالات يعملون لصالح شركات منافسة في نفس الوقت! 

النجوم في الإعلانات ما بين المكسب والخسارة

وإذا كان ذلك الحال للشركات المعلنة نفسها، ما الحال بالنسبة للفنانين؟ وللإجابة عن ذلك السؤال، قال الناقد الفني محمد عبدالرحمن، إنه ليس من مصلحة الفنان تكثيف ظهوره الإعلاني كل عام، بل وبأكثر من إعلان في نفس الموسم، لأن ذلك يخلق حالة من التشبه تجاهه من الجمهور، بل وقدر م الارتباك أيضًا.

ولفت إلى أن ذلك الارتباط يزداد، بإذاعة إعلان لفنان ما في نفس موسم منافسته بعمل درامي ما، ناصحًا الفنانين بأن يبتعدوا تمامًا عن ذلك، كي لا تتأثر أدوارهم وصورتهم الذهنية لدى الجمهور بالإعلان الذي يقدمه.

في نفس السياق، تحدث محمود صالح، قائلًا إن الأمر يحتاج إلى ذكاء من المعلن والفنان على حد سواء، فالفنان يجب أن يُعمل ذكائه في اختيار الإعلان، وتوقيت عرضه، ليحافظ على صورته الذهنية لدى المشاهد، وكذلك المعلن، في اختيار توقيتات عرض الإعلان، وكذلك اختيار الفنان المناسب فالمهم الاستغلال الجيد لمشاركة النجم وليس النجم نفسه، معلقًا: "احنا محتاجين ندرك طبيعة أدوارنا ونكون احترافيين فيها".

مشددًا على ضرورة عدم استهلاك نفس الفنان لأكثر من حملة دعائية في نفس الموسم، أو تكرار تواجده الإعلاني بشكل مكثف على مدار أكثر من سنة.

مشاركات مزدوجة

النقطة التي طرحها الناقد محمد عبدالرحمن، حول مشاركة الفنان المزدوجة في الإعلانات والمسلسلات في نفس الموسم، وتأثير ذلك سلبيًا عليهم، كانت "ترند" خلال الموسم الماضي، حيث وجهت الكثير من الانتقادات لعدد من الفنانين أهمهم كريم عبدالعزيز الذي يقدم أحد أهم أعمال الموسم الدرامي "الحشاشين" وآسر ياسين، الذي يشارك بـ"بدون سابق إنذار".


ولعل كريم كان صاحب النصيب الأكبر من الانتقادات، نظرًا لأن الدور التاريخي الهام الذي يقدمه كان يتطلب عدم تشتيت ذهن المشاهد عن الشخصية، ويعلق محمود صالح قائلًا إن كريم عبدالعزيز هو الوجه الإعلاني لصالح إحدى شركات العقارات، منذ سنوات، واصفًا تلك الحملة بأنها ناجحة جدًا، وحققت أرباح كبيرة لصاحبها حيث تخطت مبيعاته الـ140 مليار جنيه، العام الماضي، لافتًا إلى أن السبب في ذلك ليس ظهور الفنان بحسب، بل ذكاء المعلن، في الاكتفاء بطرح مميزات الشركة، من ضمان سرعة التسليم والالتزام بالمواعيد وكذلك كفاءة المنتج، فقد تحدث عن مميزاته التنافسية، دون الحاجة لأي "بهرجة" إعلانية، ووصلت الرسالة.

ومن جهة أخرى، وعن هل كان كريم موفقًا في تكرار تجربة الإعلان هذا العام أيضًا بالتزامن مع عرض "الحشاشين" قال إن العمل هو أهم عمل درامي في المنطقة العربية منذ سنوات، وسوف يستمر لسنوات، وتم ترجمته لأكثر من لغة، وكان الأفضل ألا يقدم كريم أية حملة دعائية من اجله، كي يترك فرصة للمشاهدين للتوحد مع "حسن الصباح"، مشيرًا إلى أن الفنان السوري سامر إسماعيل، الذي قدم شخصية "عمر بن الخطاب" في مسلسل "عمر" التاريخي، امتنع عن الظهور الإعلاني بل والدرامي أيضًا لعدة سنوات تالية لعرض العمل، وذلك كان من ضمن الشروط المكتوبة في عقد العمل، حفاظًا على الصورة الذهنية للشخصية.

اختفاء الإعلانات الخيرية

وتطرق الخبير التسويقي، إلى نقطة جانبية هامة، وهي أن مشاركة الفنانين بشكل مكثف في الحملات الإعلانية، أثر بشكل كبير على قطاع هام، وحكم عليه بالاختفاء التام في الموسم الحالي، وهو الإعلانات الموجهة للتبرع للمؤسسات الخيرية.

نرشح لك: تقرير شامل بأخطاء تلاوة القارئ محمد السلكاوي لـ قرآن الفجر

لفت محمود صالح إلى أن السبب في ذلك، هو أن ما يُتداول حول أجر الفنانين في الإعلانات أثر سلبيًا على قيمة التبرعات الموجهة لتلك المؤسسات، وذلك بسبب التقليد الأعمى لترند أغاني الإعلانات، ومشاركة الفنانين بشكل مكثف فيها، دون إدراك حقيقي ووعي بأهمية الرسالة التي يريد الإعلان توصيلها.

الوجه الإعلاني.. مين يكسب؟

وعن "مين يكسب في الإعلانات؟ المودلز ولا الفنانين؟" أجاب الناقد الفني محمد عبدالرحمن، أنه بمشاهداته لردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، لاحظ أن الكفة تميل للمودلز أكثر، فأغلبية الإعلانات التي حازت على إشادات واسعة لم يكن الوجه الإعلاني فيها نجوم.

وفي النقطة نفسها، ومن وجهة نظره، قال محمود صالح الخبير التسويقي، إن الأهم من اختيار مشاركة النجم، هو إيصال الرسالة، لافتًا إلى أن طارق نور كان يعتمد على المودلز أكثر، فلقد كان يستخدم وجوه جديدة، لإلصاق اسم المنتج في ذهن المشاهد، مثلًا إعلان جيرسي الشهير، مشيرًا إلى أنه كان صغيرًا عندما تم طرح ذلك الإعلان إلا أن أغنيته لا زالت عالقة في ذاكرته، باسم المنتج، على عكس كثير من المنتجات الحالية، والشركات الكبرى، التي تعتمد منذ سنوات على طرح أغنية بصوت نجم كبير وإذاعتها بشكل مكثف في الفواصل الإعلانية ثم ادعاء أنها ترند، لافتًا إلى أنها حتى لو ترند فهي ترند بـ"الزن" على حد تعبيره، وأيضًا ترند "لا يبيع" لأن المنتج أو الخدمات التي تقدمها الشركة غير واضحة فيها.