مسلسل "صلة رحم".. حيلة الحلم في معاندة القدر

إن أي قضية تتقاطع مع رأي الدين في المطلق، تصنف في المقام الأول كقضية أخلاقية، ليس لأنها موضع شك وتساؤل بالأساس، بل لأنها في تلك اللحظة قد أحاطتها هالة القداسة، ولا يمكن إقصاء أي رأي فيها إلا برفضه تمامًا، وبالتالي تحمل تبعاته.

في مسلسل "صلة رحم" يبدو الدكتور حسام الذي قام بدوره "إياد نصار" غير مقتنع برأي الدين في قضية تأجير الأرحام، ويرى أنه لا يمكن أن يكون مرجأة إلي الخلاص من ذنبه؛ هو في الآن نفسه، حاجزًا يقف حائلًا أمام تحقيقه.

يرى حسام أنه المسؤول عن حرمان زوجته الدكتورة ليلى "يسرا اللوزي" من حلم الأمومة للأبد، وأنه المتسبب في حادث السيارة التي أدى بها إلي إجهاض الجنين واستئصال رحمها، مودعة بذلك أي أمل في حمل طفل آخر، لكنه أيضًا لا يستطيع إدراك تعمد القدر الدائم في حرمانه من الأبوة مرتين.

في هذا الإطار يبحث الدكتور حسام عن رحم يحمل جنينه بطرق قد محت أسسه الأخلاقية تجاه نظرته لمسار صديقة الدكتور خالد "محمد جمعة"، الذي يجهض أرحام نساء أخريات بطرق محرمة قانونيًا ودينيًا وأخلاقيًا، وفي نفس الوقت مبررًا أفعاله بصيغة أخلاقية مضادة، وهي أنه طوق النجاة لهؤلاء النساء من بأس نظرة المجتمع والذي لن يتردد أي أحد جراء ذلك على قتلهم.
نرشح لك: نقاد الفن يشيدون بمسلسل "بدون سابق إنذار"

تبدو حجج الدكتور خالد دافعًا منطقيًا في منح القضية رؤية أكثر شمولية في سياقها المنكوب على أعتاب رأي القانون والدين والمجتمع، وعلى الجانب الآخر قد بدأت دوافعه تقايض دوافع الدكتور حسام بعد أن كان رفضة قاطعًا إزاء أفعاله، فهذا التواطؤ المستمر تجاه أي شيء يمنحه الاستمرار في تحقيق حلم الأبوة، والتحرر من أي ذنب تحمل عبء عذباته، هي اللحظة التي وقع فيها الدكتور حسام ضحية لرغباته، فكل نكبة تدرك حياته في لحظة استقرار بقيت فيها رغبته في عدم الاستسلام للقدر صراع يقوده إلي دفع أي ثمن لتحقيق مراده، هنا تبدأ دوافعه مراوحة بين حبه لزوجته الدكتورة ليلى، وبين حبه لذاته في أن يمنح لنفسه أملًا واهيًا في إصلاح مسار حياته الذي تهدمت آماله أمام عجزه عن تحقيقها.

يتقاطع ذلك مع حاجة حنان "أسماء أبو اليزيد" لأن تكون حامله لجنين الدكتور حسام مقابل مكافئة مالية، تمنح لها مرجئًا آخر لحياة آمنة بعيدًا عن بأس عبودية زوجها السابق فرج "محمد السويسي" الذي يلاحقها بعد أن أجهضت جنينها دون معرفته، وكأنها قد منحت لنفسها بذلك صك حرية مشروعة تجاه ما واجته من معاناة زواجها، ويظهر ذلك أيضًا في مساعدتها لصديقتها نورا "نورا عبد الرحمن" في إجهاض حملها من شاكر "محمد الدسوقي" الذي تخلى عن تحمل مسؤوليته تجاهها.

تبقى المفارقة هنا أن الحكاية تضعنا أمام إشكاليتين، الأولى هي رحم استأصل دون إرادة حرة في اتخاذه القرار، ورحم أجهض حتى لا يقيد بمصير مجهول اذان حياته. تبقى تلك الإشكاليات التي صاغها حوار الكاتب محمد هشام عبية أداة النص في خلقها لصراع يقود ما تترتب عليه قراراتهم اذان حكمة القدر، ليس لأن الصراع هنا يضمن أسئلة وجودية وجدلية في خلفية الحكاية، بل لأن حكاياتهم هي هامشًا لذات القضية التي تنشأ رابطها المشترك في تبرير دوافعهم تجاهها، دون أن يقع الحوار في فخ المبالغات العاطفية، أو المباشرة في طرح القضايا التي تسكن بعيدًا عن اصطدامها بالواقع، أو الخوف من إثارة التساؤل عن الرأي المطلق فيها، وعن كون يقين أي إجابة يحتمل أكثر من ثنائية توراي بعدًا آخر للحقيقة.

هذا الانحياز لقضايا المرأة قد خلق حوار يربضه حس الأمومة في علاقة شخصيات العمل النسائية في صنع نسيج دراما يواكب إيقاع صراعتها، فشخصية حنان ونورا تربضهم علاقة أمومة مع ربة عملهم أبلة مرفت "صفاء جلال"، فيما يشكل ذلك صداقة حنان ونورا في الأساس، وكأن كل واحدة تكمل بما تمنحه من عطاءًا واهتمام عجز الأخرى.

فيما تقع حنان في فخ التباس مشاعر الأمومة وبين الاتفاق الضمني التي قد قطعته مع الدكتور حسام، فالجنين رغم أنه زرع بويضة من زوجته ليلى بعملية حقن مجهري ينفي ارتباطها الظاهر به، إلا أن مشاعر الأمومة قد بقيت تتخلل حسها تجاهه، ومع حس زوجته ليلي أيضًا إزاء حلم يتحقق للأمومة مبتورة في صورة اكتمالها، أصبح للطفل أُمين يكملان غريزة الأمومة في لحظة تجليها، سيعيش كل منهم إزاء ذلك حلمًا ناقصًا.

في النهاية استمرت تبريرات الدكتور خالد في إثبات إيمانه بأفعاله إلي آخر لحظة بعد القبض عليه وفي التحقيقات، وظل السؤال الأخلاقي مصاحبًا له صياغاته المختلفة في عرف القانون والدين، هل كان لزامًا له منح فرصة أخرى لهؤلاء النساء في النجاة من بأس المجتمع والعيش بحرية دون قيد الخطيئة والعار؟ وهل كان لزامًا على الدكتور حسام عدم الاستسلام للقدر لتحقيق حلمه وحلم زوجته في الحصول على طفل، حتى وإن كان المقابل هو حياته؟

لقد كان السياق الذي يدور فيه نص الصورة التي خلقتها كاميرا المخرج تامر نادي، والتي أيضًا منحت انفعالات أبطال العمل رؤية أكثر اكتمالًا، هي الإشارة الدائمة إلي أن الحوار ظل ينبش عن المسار الآخر الذي سيسلكه الأبطال في معاندة القدر، وإن كان الحلم سيحقق معادلته الصعبة في منح حياة لجثة لن يشهد صاحبها إبان تحققها على أرض الواقع، بقي فيها خلاصه من معاندة القدر هو خلاص من حياته للأبد.

نرشح لك: تحليل| لماذا لم يخطُ النجاح "عتبات البهجة"؟