ماذا لو شاهدنا الترند بـ "المقلوب"؟.. "مسار إجباري" و"أعلى نسبة مشاهدة" مثالًا

من طرائف جحا، يتداول المصريون مثلًا شعبيًا شهيرًا وهو "ودنك منين يا جحا"، كناية عن أخذ مسار أطول أو أشق للوصول للهدف، وتُقال بصيغة استنكارية أو استهزائية على الأغلب، لكن.. ماذا لو كان "فيلسوف الفقراء" حكيمًا؟ وكان جحا يرى ما لا نراه؟ وأيقن أنه سلوك معتاد من البشر؟ وذلك ما يفعلونه بالفعل، ولنا في مسألة الترند الشائكة مثالًا!

مسار إجباري لـ الترند

خلال عملين في رمضان 2024، طُرحت تلك الفلسفة التي قد تكون أقرب للصحة في التعامل مع المصطلح الأهم في عالم السوشيال ميديا، ففي "مسار إجباري" للمخرجة نادين خان، وبطولة عصام عمر وأحمد داش، كانت قضية حبيبة الكردي بحسب الترند، مقتل فتاة على يد حبيبها وأستاذها، وانتهى الأمر بالحكم بإعدامه.


خلال طرح الأحداث، جمع مشهد بين بسمة في دور "نعناعة" سيدة بسيطة بتعليم متوسط، تناقش جارتها وصديقتها في القضية وتدين القاتل بشدة، على النقيض كانت الجارة تدافع عنه، لأن قلبها انفطر على صراخه في قفص الإتهام وصدقت قسمه بأنه "برئ"!


حبيبة ونيرة ضحيتان لـ جاني واحد

الحوار الذي دار بينهما كان شديد القرب بحالة الانقسام التي شهدها المجتمع في قضية نيرة أشرف الشهيرة، طالبة المنصورة التي ذبحها حبيب لم يستطع الزواج منها أمام أعين المارة، ولكن! الكثيرون بكوا بحرقة عليه وهو يقف نحيف شريد منهار أمام القاضي ويخبره بأنها المخطأة فهي لم تحترم مشاعره تجاهها!

استمر هذا الترند كثيرًا، وأقصد ترند الدفاع عن الجاني، وتشويه صورة المجني عليها، حتى أن البعض كان مقتنع بأنها "تستاهل" لمجرد أن أسلوب حياتها وملابسها ليست على هواه، وهي الجملة التي كررتها جارة "نعناعة" عن حبيبة الكردي.

ماذا لو كان للترند حقيقة أخرى؟

مع تتابع الأحداث، نرى حقيقة مختلفة تمامًا للترند، فهي ليست مسألة حبيب قتل حبيبته، وأن المجني عليها لم تخطفه من زوجته المسكينة أبدًا، بل طبيبة صيدلانية قُتلت غدرًا من الشخص الذي أحبته وأستاذها، لرفضها اشتراكه في قتل المرضى، بمنح تراخيص لأدوية قاتلة! فمن يمكن أن يدافع عنه الآن ويهاجمها الآن؟

وكما أن "جحا" الشهير لف يده اليمنى أعلى رأسه للإمساك بأذنه اليسرى بدلًا من استخدام اليد الأخرى الأقرب، فعل متابعو ترند "مسار إجباري" وترند "نيرة أشرف" أيضًا! فبدلًا من الوقوف في صف المجني عليها "القتيلة" منذ البداية، لفوا أفكارهم وشتتوا عقولهم بالبحث عن مبرر للجاني!

شيماء الأعلى نسبة مشاهدة

نفس الفلسفة تكررت في "أعلى نسبة مشاهدة" للمخرجة ياسمين أحمد كامل، وبطولة سلمى أبو ضيف، والذي دارت أحداثه حول "شيماء" الفتاة الشعبية البسيطة طيبة النوايا والقلب، البريئة بروح طفلة في جسد شابة، والتي تحولت بفعل لعنة الترند إلى "شوشيت" نجمة السوشيال ميديا، ومن ثم سجينة تعاقب على سذاجتها فـ"القانون لا يحمي المغفلين".

حبس شيماء جاء نتيجة لتقديم 20 بلاغًا ضدها، بسبب التحريض على أعمال منافية للآداب، لترويجها لتطبيق مشبوه، يمتلكه زوجها، الذي كان يجبرها على تصوير فيديوهاتها بالضرب والإهانة، وهرب وتركها فريسة للترند والقضاء، فلولا الأول ما كان أحد انتبه لها وما كانت وصلت للثاني! كانت استمرت في حياتها البائسة ولكن خارج أسوار السجن.

قصة شيماء، المأخوذة من قصص حقيقية، قد ربطها البعض بقضية حنين حسام، فتاة تيك توك الشهيرة، التي حُكم عليها بالسجن لنفس السبب مثل شيماء، تناولت تفاصيل حياة الفتاة الصعبة ما بين فقر وتهميش وضغط أسري ومجتمعي عليها، ومن ثم صدفة أجلستها على عرش الترند، لترى شعاع ظنته لنور أمل ينتشلها من حياتها الصعبة، ولكنه كان شعاع أضواء النجومية السريعة وغير المدروسة، والتي أنهت حياتها.


الترند.. حبة فوق وحبة تحت

فخلال الأحداث، أصبحت "شيماء" حديث الجميع بسبب فيديو صورته مع شقيقتها الصغرى الباحثة عن الترند، ثم "تيكتوكر" مطلوبة للإعلانات بسبب فيديوهاتها التلقائية التي يحبها الجمهور بشدة، لأنهم شاهدوا فيها فتاة منهم ومثلهم، ومن ثم لموديل لمهرجان شعبي، تحول لترند ولكن الأمر بدأ يختلف، فالآن أصبحت تُهاجم وأسرتها التي كانت تحاول أن تساعدهم في ضائقتهم المالية، اكتشفت سرها، ولم يرحمها أحد.


فالأم التي تعاملها بقسوة وتفرقة بينها وبين شقيقتيها الكبرى والصغرى هاجمتها ولم تحاول احتضانها أو تفهمها، والأب انهال عليها بضربات قاسية، والأخت الصغرى التي تغار منها شاركت في تدمير حياتها وسرقة حب عمرها، والكبرى لم تفعل شيء سوى اتهامها، مما دفعها للهروب، ومن ثم الانتحار!

نفس الجمهور الذي أشاد بفيديوهات رقصها في البداية، هو من علق لها المشانق، وهاجمها، حتى زميلات لها في المجال يكنون لها كراهية خاصة لسرقة الأضواء منها، وقدموا ضدها بلاغات لذبحها.. ليس لشيء سوى لأنها ترند!

الترند.. الغائب عنه الحكمة

وفي مرافعة مؤثرة، وقف الجميع، يستعطف القاضي، ليرأف بها، لأنها واحدة من ملايين سحرتهم التكنولوجيا وساروا يلهثون وراء الترند بأي طريقة، لكنه لم يفعل، مشددًا على إنه يحكم بالعدل والقانون، وبالفعل ألقت في السجن مع الأشغال الشاقة لمدة عام ونصف، بعد استغلال زوجها لها، زوجها الذي تزوجته هروبًا من أهلها والمجتمع الذي انتهك براءتها.

في المحاكمة، تجلى مبدأ "ودنك منين يا جحا" بشدة، فبعدما خسرت الفتاة كل شيء، ظهرت الأسرة البعيدة عنها والتي كانت سببًا رئيسيًا فيما تعانيه متفهمة، ونادمة، وتحتضنها بكلمات الحب، حتى شقيقتها الصغرى التي كانت تغير منها وتكرهها، وحبيبها الذي كان يقول لصديقه "سبتها عشان مش مظبوطة"، وزوج أختها الذي كان يبتزها، حتى مدير أعمالها الذي استغلها كثيرًا.


الجميع ذبحها، تماشيًا مع "ترند" الهجوم عليها، وأبدوا الندم بعد ذلك! مع أنهم جميعهم كانوا قادرين على إنقاذها لكن "الترند" حركهم أيضًا، وكـ"جحا" ساروا بمبدأ "ودنك منين يا جحا".

ماذا لو شاهدنا الترند بـ"المقلوب"؟

وبالنظر لأحداث العملين، الذي تناول كل منهما قضية "الترند" من زاوية مختلفة، يمكن لنا نحن النظر أيضًا للترند بعد ذلك "بالمقلوب" بعكس حقيقته الظاهرة، بأصل حكايته التي لا يبحث عنها أحد عندما يسن سكينه لذبح أصحابه، هل كانت مصائرهم تغيرت؟

نرشح لك: مصمم معارك "الحشاشين" يكشف كواليس معركة الليل وكيف تجنبوا إصابة الخيول