من "هذا المساء" لـ "صلة رحم".. لهذا نحب محمد جمعة

في عام 2017، تربع مسلسل "هذا المساء"، على عرش الإشادات النقدية والجماهيرية على حد سواء، ففي حالة من الترقب الشديد، تابع المشاهدون قصة تقى" -جسدت دورها أسماء أبو اليزيد- الفتاة المسكينة التي تقع فريسة لمبتزين، يهددونها بفيديو مصور لها مع حبيب سابق، أحدهما كان "سوني" الذي قدمه محمد فراج ببراعة، والآخر "فياض" المبتز الأشرس، الذي يرتدي أسورة ذهبية، مع ذقن وشارب عشوائيين، يمنحانك منذ الطلة الأولى إحساس عدم الأمان تجاه تلك الشخصية التي جسدها محمد جمعة.


فياض "الشرير أوي"

"فياض" كان الدور الأول الذي يلفت انتباهي إلى "جمعة" الشرير البارع في دور الشر، ولعل نجاحه في "هذا المساء" كان من الممكن أن نرجعه إلى توجيهات مخرج كبير ومتميز مثل تامر محسن، والمنافسة المحتدمة بين مجموعة من الفنانين "الشطار"، ولكنه أثبت أنه يستحق ذلك النجاح وكانت تلك الفرصة الحقيقية له ليثبت موهبته الحقيقية، وقدرته على تجسيد "كاركترات" مختلفة، تضع بصمة قوية في مشواره الفني.

عودة "شلة" هذا المساء

واليوم وبعد أكثر من 6 سنوات، يعود محمد جمعة، للتعاون مع رفقاء "هذا المساء" إياد نصار وأسماء أبو اليزيد، في "صلة رحم"، بقيادة المخرج تامر نادي، ليقدم في قصة الكاتب والصحفي محمد هشام عبية الثرية بالأحداث دور "الدكتور خالد"، طبيب النساء والتوليد، الذي يجري عمليات إجهاض محرمة ومُجرمة في عيادته الخاصة، تلك الشخصية التي تكررت كثيرًا من قبل في السينما والدراما، وقدمها الأغلبية بنفس "الكليشيه"، شخص بغيض يبحث عن المال، أو تلاحقه جرائم أخلاقية ومفصول من النقابة، لكن دكتور خالد جاء مختلفًا تمامًا.

د. خالد الطيب الشرير

في الحلقات الأولى من العمل، تبدأ في التعرف عليه، كشخصية عادية، تستعد لكرهها بسبب مساعدته السيدات على قتل أرواح أجنتهن، ولكن سريعًا ما تبدأ في أن ترى جانب آخر منه، فهو طبيب يؤمن بما يفعل، يؤمن بأنه ليس مجرمًا إنما هو شخص قرر مد يد العون لفتيات قد تنتهي حياتهن بسبب خطأ قد يغفره الله لهن ولكن المجتمع لا، خطأ قد ينجم عنه حياة تعيسة للأم والطفل، أو انتهاء حياتهم على يد أهل الفتاة.


من الصعب الحكم في المشاهد على دكتور خالد، فأداء جمعة للدور، مع تطور علاقته بالبطل "الدكتور حسام" والذي يجسده الفنان إياد نصار، يجعلك في حيرة من أمرك، فهم يتحدثون بمنطق، كل منهم له دوافعه، مهما كانت عواقب تلك الدوافع، أو الجرائم التي يرتكبونها باسمها، فلا تستطيع أن تصفه بالمجرم، ولا الطبيب الشريف، هل هو شرير؟ أم طيب؟ من الصعب التحديد، لأنه قدمها برمادية يصعب الفصل فيها أي الشخصين هو، أو لعله قدم إنسانًا حقيقيًا معجونة طينته بالشر والخير.


وعلى عكس شعورك الغاضب ضد "فياض" وانتظارك كمشاهد للحظة الانتقام منه والإيقاع به، تجد نفسك مرتاحًا لرؤية الدكتور خالد العابر، فهو يدمج جديته كطبيب بخفة ظل كبيرة تظهر في مواقف عابرة مثل لقاء دكتور حساب بـ"ريكو" أو ريهام مساعدته السابقة والتي أصبحت فتاة ليل، ليقنعها بتأجير رحمها، ثم موقفه مع المزور المجرم، ليعود بمنتهى الجدية في مشهد لاحق يطمئن حنان كطبيب ماهر بأن كل شيء على ما يرام، ولا تخاف من العملية وفي ضحكة عابرة يؤكد عليها أنها إن تراجعت في هذه اللحظة سيقتلهما "حسام" الباحث عن حلم الأبوة، لترتسم على ملامحه علامات الجد والهزل في آن واحد.


كوميديا عم ضياء

وخفة دم "جمعة" بالطبع ليست غريبة على الإطلاق، فسبق أن قدم الشخصية الأشهر والألطف في مسيرته "عم ضياء" في "الوصية" مع أكرم حسني وأحمد أمين عام 2018، والذي لا تزال جملته "كله رايح" مستخدمة على مواقع التواصل الاجتماعي كإفيه معبر عن كثير من المواقف، والعام الماضي قدم دور "عوض" في المسلسل الكوميدي "سيب وأنا أسيب" مع أحمد السعدني وهنا الزاهد، وهو المحامي الطيب والبسيط ذو المواقف الكوميدية والمضحكة لدرجة انبهاره بمحامي الخصم، وتودده إليه متناسيًا دوره القانوني تجاه موكله الذي هو صديقه.


وبين "عم ضياء" و"سيب وأنا أسيب" وغيرهم، يجعلك "جمعة تصدق موهبته الحقيقية، فهو قادر على إضحاكك وإقناعك به، كما يفعل في أدوار الشر التي تكرهها بشدة فيها، مثل شخصية "الشيخ يسري" في "جزيرة غمام"، الذي قدم فيها التقلبات الإنسانية ما بين خير وشر كره ومحبه طمع وتدين، وغيرها الكثير، من الأدوار التي تجعلنا نؤمن بأنك أمام ممثل قادر على ترك بصمته في أي عمل يشارك به.

نرشح لك: محمد هشام عبية: "صلة رحم" يثير التفكير لا الجدل.. ودخلت عالمًا سريًا لكتابة الحلقات