عبد الرحمن جاسم يكتب: عن الصراع بين النجم والممثل.. ماذا يحدث مع محمد سعد؟

لاشيء مهما حكينا، يمكنه تفسير ما حدث ويحدث مع النجم والممثل محمد سعد. طبعاً، من البداية، أؤكد التوصيف: محمد سعد نجمٌ وممثل وهذان شخصان وليسا واحداً. فالممثل بداخل محمد سعد هو ذاته ما شاهدناه في فيلم “الكنز” وهو ما عرفناه في “اللمبي” و”اللي بالي بالك” أما “النجم” فهو الشخص الآخر الذي يقدّم أفلاماً مثل “محمد حسين”، “صبح صبح”، “تحت الترابيزة” و”حياتي مبهدلة” ومسلسلات من نوع “الإكسلانس”(2023، كتابة بلاك هورس للإنتاج الفني، إخراج أبرام نشأت) مسلسله الحالي هذا العام. لا شيء يمكنه تفسير هذا الأمر المدهش أو هيكليته إلا أن نفترض؛ وهذا ما أحاول شرحه في هذا المقال؛ إنها محاولة لسبر ماذا يحدث بين الثنائي الممثل والنجم في عقل محمد سعد.

في البداية، عانى محمد سعد أكثر مما عاناه حتى نجم الكوميديا المصري، الزعيم عادل إمام، وكما عادل إمام أدى أدواراً “مرمطته” في البدايات، مر “سعد” بتلك المرحلة، وكما إمام، نجح سعد في التربع على عرش الكوميديا المصرية، ولو حتى في فيلمين أو أكثر، ولكنه مهما قيل أو حتى “حكي” عنه فإنه قد نجح في حجز موقعه بين أهم الكوميديانات المصريين عبر التاريخ. شخصيته “اللمبي” يعرفها القاصي والداني، أي مشاهدٍ أفلام مصري، يعرف اللمبي، أو قلده أو حتى يتذكر شيئاً من “إيفيهاته” التي لا تنسى، سواء تلك التي مرت في فيلم “الناظر”، أو “اللمبي” أو “اللي بالي بالك”، وحتى “اللمبي 8 جيغا” مع كل سيئاته وضعفه. باختصار، كان مفترضاً من ممثلٍ موهوبٍ قاسى إلى هذا الحد أن يعرف كيفية اختيار طريقه، وكيفية “مسرحة” و “منطقة” عمله بالتالي يحافظ على ما وصل إليه، خصوصاً مع مقولة جاك شيراك الرئيس الفرنسي السابق: “الوصول إلى رأس القمة سهلٌ للغاية، البقاء هناك هو الصراع والإشكالية”. وهذا بالضبط ما حصل مع سعد، هو حافظ على شيءٍ من نجاحه مع أفلام متل “بوحة”، و”كتكوت”، لتكرّ بعدها سلسلة الإنكسارات والفشل مع أفلام من نوع “تتح” و”تك تك بوم” وكركر” التي عانى معظم الناس من فهم ما يقوله سعد بمقدار معاناتهم من “تكرارية” “سطحية” و”عشوائية” العمل وغياب القصة والمنطق وحتى “الضحك” فيه.

بين الحين والآخر، كان الممثل بداخل سعد يستفيق، ويتفوّق على النجم بداخله، فقدم شخصية “جادة” وبعيدة عن الكوميديا، وفعل ذلك في فيلم “الكنز” بجزءيه، وكان إداءه مشوقاً، ماهراً يؤكد أن موهبته “كبيرة” ومتفوقة ويستطيع المراهنة عليها، والتعويل عليها لدفعه من جديد إلى الواجهة. ماذا فعل بعد ذلك؟ عاد هذا العام مع مسلسل “الإكسلانس” الذي يتفوّق في كل حلقة على نفسه فيه لناحية الإستخفاف، والإساءة لنفسه قبل للآخرين: إيفيهات معادة، متكررة، ممجوجة، غير مضحكة. شخصيات غير مسبوكة، غير مرسومة، والأهم من هذا شخصيته الرئيسية التي لم يتم العمل عليها أو “كتابتها” بشكلٍ جاد أو حتى ذو بنية درامية. نحن أمام عمل مشكلته الكبرى أنه غير صالح للمشاهدة في موسم “درامي” غارق بالأعمال “الدرامية” بمعنى أنه إذا كنت تريد المنافسة على أي شيء عليك أن تقدّم للناس شيئاً لمتابعته. لذلك فلنطرح مجموعة من الأسئلة في محاولة لإدراك ما حدث: أولاً: هل شاهد محمد سعد مسلسله قبل عرضه؟ هل هو قبل فعلياً بالشخصية التي أداها بعد “مونتاج” الحلقات؟ هل فعلاً وجدها مضحكة؟ هل وجد “ترابط” بنيان الحلقات ممسوك ويستحق العرض؟ هل اعتقد –مهما كانت أسبابه- أن هذا أفضل ما لديه، بالتالي يمكن عرضه دون إشكالية؟ لا إجابة بالتأكيد.

بعد عرض مجموعة من حلقات المسسلسل، سُرب فيديو لسعد يبدو فيه غاضباً للغاية في “موقع التصوير”، كان غاضباً يشتم العاملين هناك، ولم يُفهم من الفيديو إن كان سعد غاضباً بشكلٍ حقيقي على العاملين معه، أو كان هذا جزءاً من “المشاهد” المصوّرة في العمل. بدا غضب سعد حقيقياً، حتى “الشتيمة” التي أطلقها بدت “واقعية” أو “حقيقية”، فإذا كان الأمرُ كذلك لماذا لم يوقف إطلاق العمل؟ لماذا لم يرفض أن يعرض العمل، خصوصاً أنه “نجمه” الأوحد ونقطة الثقل الرئيسية به. يعني باختصار، جميع المشاهدين، بما فيهم صاحب المقال، ينتظرون ماذا سيقدّم محمد سعد في أي “موسمٍ درامي”، إنه يمتلك تلك “الموهبة الفطرية على الإضحاك”. هذه الموهبة الفطرية لا تكفي بالتأكيد لتقديم عملٍ “متكامل” أو “مسلي” حتى.

في “الإكسلانس”، نجد شخصية “الحناوي” وهي أداها سعد في السابق في فيلم “كركر”، ويومها لم تكن الشخصية ناجحة أو “خارقة” حتى، إنها حتى ليست بمستوى “الحجة أطاطا” (والتي عاد لها سعد مراراً وتكرارً). الحناوي هذا هو “بطل العمل” هذه المرّة، والمشكلة أن ما يقوله ولن أكرره أو أشارك أياً من “إيفيهاته” في هذا المقال، فالمشكلة فعلياً ليس أنها “مضحكة” أو “لا”، المشكلة أنها ليست إيفهات من أساسه. المشكلة أن النص الذي كتبته “بلاك هورس للإنتاج الفني” مكتوب بقلة إحتراف، بقلة مهنية، وبالتأكيد بلا أي متابعة أو قراءة. طبعاً قد يتساءل القرّاء ههنا، أليس هناك في المسلسل أي ميزة؟ أو حسنة؟ بالتأكيد هناك: مثلاً وجود “شيرين” لوحده ميزة، لكن بلا نص مكتوب بحرفة، وبلا أي “منطقية” ماذا يمكن لشيرين وحدها فعله؟ أمرٌ آخر يحسب لسعد هو إفساحه المجال لعدد كبير من الوجوه الشابة بالظهور بجانبه، وهذا شرحناه أكثر في المقالة السابقة حول الصفارة، لكنه أيضاً يحسب أنها بوابة و”مساحة انطلاق” لهؤلاء الشباب.

في الختام، بعض النصائح من ناقدٍ يهمه ويعنيه أن يقدّم محمد سعد شيئاً مما تختزنه موهبته الكبرى: اقرأ أكثر، تابع أعمال “كوميدية” (مسلسلات وأفلام) أكثر، شاهد ما يفعله الآخرون، مصريين، عرب، وعالميين: من الجيد التعلّم من الآخرين، وذلك لاإشكالية فيه. فالكل يفعل ذلك، حتى ولو لم يعترفوا. ابحث عن كاتبٍ يناسب حرفتك، ومخرج كذلك، كلا الأمرين مهمين للغاية. الأمر الأخير: خفف من “غلواء” النجم بداخلك، فأنت بحاجة للممثل أكثر من “النجم”.

في الختام:

معظم النجوم “الحاليين” في مصر (والعالم العربي) والذي يعملون في مجال “التمثيل” وحرفة الدراما، لا يحبون “النصائح” ولا “التوجيهات” ولا “النقد”. نحنُ حضارةٌ تتضايق من أي نوعٍ من “النقد”. لذلك يصعب احتمال أي ملاحظة خصوصاً إذا ما كان الشخص قد وصل لمرحلة “النجومية”، ساعتها أي نقاشٍ معه سينتهي بتفوقه على الناقد، سواء عبر “مشجعيه”/”مطبلية” أو عبر الأصوات بداخله، والأنا التي أصبحت بحجم كبيرٍ للغاية.

نرشح لك: 

عبد الرحمن جاسم يكتب: أحمد أمين.. صفّارة النجاح

عبدالرحمن جاسم يكتب: هل دخلت الدراما السورية مرحلة الكوما؟

 

عبد الرحمن جاسم يكتب: لماذا نجح “جعفر العمدة”.. محاولاتٌ للإجابة