"الأدب والغرابة".. عبد الفتاح كيليطو الذي يقرأ العالم كنص أدبي

يوسف الشريف

منذ أيام قليلة حصل الكاتب والناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو على جائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والأدب، ومنح الجائزة نظرًا لبراعته في تأويل الأعمال السردية العربية القديمة بدراسات مكثفة، طوال مسيرته قدم عبد الفتاح للمكتبة العربية والإنسانية العديد من الأعمال شديدة الأهمية التي تعيد تقديم وتأمل بل وأحيانًا إعادة اكتشاف الأدب العربي القديم، وإعادة تأويل مفهوم الأدب بشكل عام.

ويعد كتاب “الأدب والغرابة” الصادر عن دار المتوسط (ميلانو) واحد من أهم كتب كيليطو التي يعيد فيها قراءة بعض النصوص الهامة في تاريخ الأدب العربي، بجانب تفسيره لبعض المصطلحات النقدية التي يجب أن يكون القارئ على دراية بها.

نرشح لك: معتز نادي يكتب: حصة تاريخ مع “صنايعية مصر”

لغة كيليطو المنسابة ليست موجهة فقط إلى المختصين والدارسين والباحثين، ولكنها مهتمة بالقدر نفسه بالقارئ الذي يريد اكتساب معرفة ومعلومات جديدة ومعارف عن اللغة والأدب اللذان يعدان أساس التواصل بين البشر.

ربما هذا ما يدفعه دائمًا لإعادة قراءة الأدب الرفيع الذي يراه عاليًا وجيدًا، لكي يتعرف القارئ على نوع جديد من الأدب ربما لم يلتقي به من قبل، بسبب انتشار الكتب السيئة.. فنراه يقول في مقدمة الكتاب:

“كيف يجوز التخلِّي عن الأدب العالي والانكباب على دراسة كُتُب لا تصلح إلَّا لذوي الأذهان السخيفة؟!”
ما فائدة الأدب؟ هذا السؤال شغل عقل كيليطو منذ كان طالبًا ثم باحثًا، ما هو الدور الحقيقي الذي يلعبه الأدب في المجتمع أو العالم، هل الأدب قادر على التأثير والتغيير؟ وما تحمله المصطلحات الأدبية مثل البنيوية وما إلى ذلك من قيمة حقيقية.
ولكن شيئًا فشيئًا بدأ كيليطو في استيعاب الأفكار والأنواع الجديدة التي تنتشر من حوله:

“لم أفهم شيئاً، أو على الأصحِّ، لم أرغب أن أفهم؛ كانت هناك عقبة نفسية، لم أكن مُستعدَّاً لتجاوُزها. كان يعزُّ عليَّ أن أهتمَّ بما لم أتعلَّمه من أساتذتي، وأن أتخلَّى عمَّا اعتدتُ عليه وألفتُهُ”.

ينتقل بعد ذلك الكاتب ليصف العلاقة بين المؤلف والنص الذي يكتبه، وبين القارئ والنص الذي يقرأه أو يتلقاه، وعن الخلفية الثقافية والفكرية التي يكونها كلًا منهم قبل بدء الكتابة أو القراءة:

“فإن القائم بالسرد ينطلق من تجارب سردية عليه أن يتَّخذ منها موقفاً، إمَّا بالإذعان لها أو التمرُّد عليها، مع العلم بأنكَ لن تجد أبداً إذعاناً صِرْفَاً أو تمرُّداً جذرياً، والمُتلقِّي للسرد يقوم بدوره بالعمل نفسه، ولكنْ، بصفة معكوسة، إذ ينطلق من النصِّ السردي، ثمَّ يقرنه بما يعرف من النماذج السردية. كِلَا الطرفَيْن يصول ويجول مع قواعد السرد”.
ولكن قبل هذا لا بد من معرفة أن هناك نوعان من القراءات وبالتالي هناك ثمة نوعان من المتلقين “القراءة العادية يسيطر عليها منطق العرضية، بحيث إن الذهاب قد يتبعه رجوع أو عدم رجوع. أمَّا القراءة العالمة، فإنها تحت حُكْم منطق الضرورة بحيث إنها تبدأ بالرجوع”.

ولكن تعدد الأنواع الأدبية المقدمة، يخلق بالتالي عدد من القراءات المختلفة وبالتالي يوجد نصوص وحكايات لا تلتزم بتلك القواعد “ما أكثر الحكايات التي لا تلتزم بهذه القواعد، خصوصاً في السنوات الأخيرة، مع التجارب الجديدة في الحقل السردي”.