أحمد عنتر يكتب: الحلم لم يأت يا أبي!

الحلم الذي يجسده الوقت لعينيك، ويداعب به روحك المنهكة، عليك أن تتذكر معه أن إرادة الله غالبة، وأن التحقق يحتاج في تشكله إلى قلب مستقر وعقل شغوف.. نعم يحتاج إلى انثناء استثنائي على نفسك، مخالفة للمعهود وسعي خلف التعب، ليتحقق لك ما سهرت تحلم به في يقظتك، مستمتعا برسم الروايات عنه في ذهنك الذي أنهكته الهموم.

ولأننا هرمنا في انتظار ذاك الحلم، تلونت ليالينا بنفاق مهيب، آثرنا أن نغير في مبادئنا “قليلا لا يضر”، غيّرنا حتى بعض مفرداتنا التي نستخدمها لإرضاء أنصاف المواهب من مالكي مصائرنا.. أجر الذكرى لحديث أبي الناصح بأن أقتات بناء شخصيتي من تعلم لعب الأدوار، فإن لم أجد لي دورا بحثت عنه ولو أرهقني البحث، لأفاجأ الآن للأسف، أن الأدوار التي أمسينا نؤديها جميعا “ممجوجة”، تسكب العلقم في حلوقنا، ولا تغنينا من جوع.

نرشح لك: أحمد عنتر يكتب: عندما وقع يورجن كلوب في طبق كشري

 

حلمت، أكثر مما حلم أبي نفسه، أن تلقي إليّ السماء بحلمي الذي انتظرته، لكن الحلم طال كثيرا، ثم جاد بعدها بزيارات خاطفة، اقترب وابتعد مرات عدة، لكني ظللت قابضا على همسات أبي الناصحة “اوعاك اليأس يا ولدي”، صنعت لنفسي في مناماتي أبراجا من ذهب، وفلكا مسحورا يأخذني إلى عالم أكثر إشراقا وحريةً وصدقا، لكن رياح الأماني لا تأتي دائما بما تشتهي “الفلك”، فقد صدمني واقع مليء بالمندسين على “المهنة” التي امتهنتها، وصدمني الدور الذي تقلدته مخدوعا ببريقه.

عدت بعدها لحديث أبي: “إلا اليأس”، ولأنني أحب “جلد ذاتي”، سافرت خلف الحلم، وتسترت ببقايا تعاليم أبي، ذاك الراحل في ملكوتٍ رحيم.. سكبت دموعا كثيرة في طريقي لكني لم أتنازل عن الحلم، الذي اقترب مشدوها بإصراري، تطلع إلى بريق عيني وداعبني، أتى ليتحسس قدمي، جلس راغما يؤنبني لأني استدعيته فقط بعد كل هذا الوقت، وقال لي في وجل: “الأحلام تليق بك، لأنك كنت دائما قدر التوجع لأجلها، كنت دائما فائق المشاعر وغني المطلب”.

كنت أنتشي بهذا النموذج الباهر الحالم من المشهد الدراماتيكي الفانتازي أوقات فراغي، أتمنى من داخلي أن أفيق على هذا المقطع الخيالي من رحلتي الشاقة، رغم ما يحوطني من دورب مليئة بأصحاب هوى وأنصاف مواهب وبقايا بشر.. سعيي المشوب بالوجع، وانتشائي بهذا الألم وبحديثي عن الحلم باق لن ينتهي ولن يفتر أبدا.

حديث الأحلام، كثير الإمتاع رغم آلامه!، كما أني مدرك تماما أن الأحلام لا تخذل صاحبها، هي فقط تنتظر وقتا أنسب، وظرفا أطيب، ومكانا أكثر إشراقا، لتباغتك بالفرحة، أو ربما هي ترصد منك الصبر والاهتمام، أو تداعب اشتياقك، حتى يصبح تخليك عن آثارها بعد تحققها، مستبعدا مستحيلا.

وكان صديقي دائما ما يفاجئني بوجه حزين مكتئب، يتحدث عن أحلام هوت، وآمال سقطت، وعمر مضى في زمن مختل، فطبع عليّ بدوري صك الكآبة، وأصبحت لا أراه يوما إلا ويعتريني الغم وتلعنني الطرقات والخطوات، وتمسك بي الحاجة، وتتصارع المشاكل أمام عيني، وتسقط هيبتي أمام نفسي، وتتزعزع ثقتي أمام أقراني وأتباعي، حتى قلت له المرة الأخيرة “فكك بقى، ربنا هيفرجها”.

ارتديت خاتم “الحكمة”، وقلت له واثقا في تحقق الحلم الذي يراودني يوميا، صدقني يا ولدي “غدا ستصحو على حلمك بعينٍ ضاحكةٍ مستبشرة.. ستغلق غرفتك عليه، وستُسقط الذين آذوك وخانوك من فوق جدران الذاكرة”!. حديث الأحلام هذا كان دون مستوى ما أكتب عادةً، ربما لأني لست رائق البال أو الفؤاد، أو ربما لأني سأمت الكتابة، لأنها أصبحت وسيلة للهروب من السعي نحو الحلم، أو لأني لست مقتنعا أصلا بمصطلح “حلم”، مع أمة وعبيد يقضون جُل حياتهم “نياما”!