لم يكن داود عبد السيد الأول ولن يكون الأخير.. الحقيقة المؤلمة في اعتزال الكبار!

سيد محمود
داود عبد السيد
برغم أن تصريح المخرج داود عبد السيد كان صادما للجميع، إلا أنه لم يكن الأول من نوعه، سبقه المخرجين الكبيرين يسري نصر الله، عندما أعلن عن أنه يبحث عن وظيفة “طباخ” وعبر عن المأساة المخرج الكبير علي عبد الخالق، ولم يصغ أحدا لدقات أجراس الإنذارات، وبعض الجهات الإنتاجية اتجهت للندوات والمؤتمرات، دون الإصغاء إلى أحد “ودن من طين وأخرى من عجين”، حتى جاءت الصرخة مدوية عبر تصريح المخرج “داود عبد السيد”، بعد سنوات من التوقف عن العمل.

تتعافي السينما في معظم الدول العربية، الأردن سيطرت بإنتاجاتها السينمائية على السوق العربي، بل وكانت حديث المهرجانات العربية، قدمت أكثر من خمسة أفلام حققت نجاحا على كل المستويات، دول الخليج تنتج حاليا سينما، وتونس والمغرب، والجزائر، حتى فلسطين، بينما توقف الإنتاج المصري، وتركت الساحة لإنتاجات فردية تتعثر أيضا كما حدث في فيلم “سعاد” للمخرجة آيتن أمين، أحد أهم الأعمال التي تعرض بنجاح خارج مصر بينما تعثر عرضها محليا بسبب خلافات بين منتجه مارك لطفي وبقية صناعه.

نرشح لك: داود عبد السيد: اعتزالي تحصيل حاصل

أزمة الكبار لم تكن وليدة تصريح أثار جدلا واسعا، بل نتيجة تراكمات تفجرت من خلاله.. فعندما أعلن منذ أربع سنوات على هامش برامج وعروض مهرجان الإسكندرية لسينما دول البحر المتوسط عن تكوين ما سمي آنذاك “جماعة أفلامنا”، كان المخرج داود عبد السيد الأكثر تشاؤمنا، لأنه يدرك عن قرب حقيقة ما آل إليه الوضع في الإنتاج السينمائي، برغم دعمه الشديد للفكرة علها تكون لها نتائج طيبة، حيث كان من نتائجها فيلم واحد “2 شارع طلعت حرب” للمخرج الكبير مجدى أحمد علي، ومدير التصوير الكبير محسن أحمد، وبطولة أحمد وفيق وياسمين الخطيب، وتعثرت محاولات إنتاج أعمال أخرى.

داود عبد السيد

قال داود عبد السيد: “لمن نصنع سينما، لجمهور غير مقبل عليها، وأين هو الإنتاج الذي يمكن من خلاله أن نصنع سينما جيدة، هل إذا قدمنا فيلما قليل التكلفة كما يحدث في سينمات العالم، هل سيحقق نجاحا؟”.

أضاف:” أنا مع كل أنواع الأفلام، لأنني قدمت كل شيء، ومع السينما التجارية، والمستقلة، والتجريبية، لأن السينما هي السينما، لكن معوقات كثيرة تحول دون عودة الكبار لها”.


“كورونا” تلتهم الأفكار


كان واضحا بأن لا مؤشرات بإنتاج سينمائي مبشر، فما بالك وقد التهمت “كورونا” ما تبقى من محاولات على الورق لبعض المخرجين والمنتجين الجادين، وتوقفت الحياة في معظم الشركات، ولدى بعض المنتجين الذين يعملون بشكل فردي.

أحد المخرجين الكبار وهو يسري نصر الله، كان قد أشعل الوسط السينمائي عندما أعلن منذ عامين على صفحته الخاصة على موقع التغريدات القصيرة “تويتر” ما يشبه صرخة مدوية: “لتعثر أوضاع الإنتاج السينمائي لممارسات احتكارية يمارسها البعض، “مخرج سينمائي لامع، خبرة 30 سنة سينما و50 سنة طبيخ، يبحث عن عمل كطباخ”، إذن لم يكن ما قاله المخرج الكبير داود عبد السيد جديدا من صرخات الكبار، قبلهما كانت هناك صرخة تحذيرية للمخرج الكبير علي عبد الخالق، الذي كان لسنوات يحاول أن يبحث عن حلول، منها “جماعة أفلامنا” التي يبدو أن مشروعها “مات بالسكتة القلبية” بسبب كورونا، وبسبب عدم توافر تمويل يكفي لمشروعات سينمائية تكفي الجميع.


يسري نصر الله بدأها بطلب وظيفة طباخ

عاد المخرج يسري نصر الله، ولكن ليس من خلال السينما، كما يقولون “شيفت كارير”، غير النشاط، من السينما إلى التليفزيون، أخرج مسلسل “منورة بأهلها” للنجمة ليلى علوي، فهو مخرج موهوب، أعماله علامات مسجلة باسمه كماركات سينمائية، ومن ثم تقديمه لأي عمل فني يضاف إلى رصيد المنتج المصري، إذ كانت صرخته التهكمية في حينها جرس إنذار بأن الوضع سيزداد سوءا، قالها وهو يردد: “مش أحسن من أن أجلس بدون عمل”، وأشاد بالسبكي وقال إنه محارب يقدم سينما ترضي كل الأذواق، لكنه على حد قوله منتج واحد، والسينما في مصر كانت تنتج من خلال مؤسسات وشركات إنتاج كبرى توقفت جميعها..

عودة “جماعة السينما الجديدة” أصبح مستحيلا

كما يعد علي عبد الخالق من أهم المخرجين واسما كبيرا قدم أكثر من 47 عملا ما بين سينما وتليفزيون، لكنه شعر بالإحباط لما لمسه من تخاذل لشركات الإنتاج، وتراجع في المستوى الفني، ومن الصعب تكرار ما حدث في نهاية السبعينيات عندما تشكلت جماعة السينما الجديدة ومن بين أعضائها مع محمد راضي ورأفت الميهي وأشرف فهمي وداود عبد السيد وآخرين، وأسهمت في تغيير مجرى التوجه السينمائي في ذلك الوقت، وأوجدت سينما جديدة، وأنتجت فيلم “أغنية على الممر” وفيلم “الظلال على الجانب الآخر”، فالوضع الحالي لن يسمح بتكوين جماعات سينمائية فاعلة.

داود عبد السيد

الأزمة ليست وليدة تصريح المخرج داود عبد السيد بأنه سيعتزل السينما، بل موجودة منذ سنوات، لكن لا نقابات فنية ولا وزارة الثقافة لديهم حلول لإنقاذ الوضع المتردي، مع أنه بعقد مؤتمر واحد بين رجال الأعمال والمنتجين المتعثرين وبعض مدراء البنوك، والمخرجين الكبار، ووزيرة الثقافة، يمكن الوصول إلى حلول مهمة بدلا من الحلول الفردية التي تقتصر على الكلمات الإنشائية كما حدث في “جماعة أفلامنا” من قبل.

ولا يجب أن ينتظر الجميع تصريحاتهم بالاعتزال، والخروج من المشهد نهائيا سواء بالتوقف أو حتى بالرحيل كما حدث في أزمة المخرج الراحل أسامة فوزي الذي جلس في بيته لسنوات حتى رحل وهو حزين على ما آل إليه الوضع السينمائي.

فقد أثيرت أزمة بطالة الكبار سواء من جيل القدامى أو من جيل الوسط بعد وفاة المخرج أسامة فوزي الذي قدم للسينما روائع مهمة كفيلم “جنة الشياطين” و “بحب السيما” وغيرهما، حيث تعثرت محاولات عودته قبل رحيله بسبب توقف الإنتاج واحتكار الشباب للسوق سواء مخرجين أو مؤلفين أو ممثلين، وقال زملاؤه بأنه “مات” حزينا بسبب ما آل إليه وضع السينما في مصر.

حتى الوضع الحالي ليس باعثا على التفاؤل، فمعظم الأعمال المنتجة منذ يناير 2021، ما زالت في “العلب” كما يقولون، وأجل عدد منهم طرحها حتى قدوم الصيف، منها فيلم “العنكبوت” الذي تم تأجيله حتى مايو المقبل، بسبب موجة الأفلام الأجنبية الجماهيرية، وعرض أفلام عربية كانت أيضا مؤجلة مثل “الجريمة” و “قمر 14”.

بعض النجوم قبلوا بالعمل للمنصات حتى وإن كانت التجارب مع مخرجين ومنتجين عرب أو منصات أجنبية مثل منى زكي، يعرض أول أفلامها للمنصات “أصحاب ولا أعز”، أول فيلم عربي على “نتفليكس”، ولن يقف عند هذا الفيلم، بل هناك عدد من الأفلام يخرجها عرب لنجوم مصريين بنفس الطريقة، إذ وقعت اتفاقيات برعاية نتفليكس، بين عدد من المخرجين لتقديم أفلام على نفس شاكلة “أصحاب ولا أعز” مقتبسة من أفلام أجنبية، وهو ما يزيد من خطورة الوضع في مصر، ليس فقط على المخرجين والمنتجين الكبار، بل الشباب أيضا.

داود عبد السيد

وهي ليست أزمة مخرجين أو مؤلفين، بل كل النجوم الكبار يمرون بنفس الأزمة، نادية الجندي، نبيلة عبيد، أكثر من حققتا نجاحا جماهيريا فى السينما المصرية، لم تقدمان أية أعمال سينمائية منذ سنوات طويلة، ولجأتا للدراما التليفزيونية كبديل، برغم إعلان كل منهما بأن لديها مشروعا جاهزا.