منة المصري
ليلة واحدة بمذاقين مختلفين تماما؛ واحدة منها كانت في الرياض في المملكة العربية السعودية، والأخرى كانت في موناكو الفرنسية، جمعتهما أجواء البهجة والفرح وربما الانتصار، وفرقتهما المعاني والرسائل وما وراء الصورة وكل ما هو في بطن الشاعر وأمعاءه.
فماذا فعل أبناءنا في الخارج في ليلة الثلاثين من نوفمبر..
الليلة الأولي
المكان: فرنسا
الحدث: تسليم جوائز القدم الذهبية
البطل: محمد صلاح
سهرة سعيدة شهدت وجود نجوم الكرة العالمية، وأصبح فيها محمد صلاح نجم مصر ونادي ليفربول الانجليزي أول لاعب عربي وثالث لاعب إفريقي أقل من 28 عاما يتوج بالجائزة. ورغم شعور جمهور مو صلاح بالغضب والظلم من تصنيف اللاعب بالمركز السابع، إلا أن ما فعله صلاح كان اللفتة الأبرز والأحق بالافتتان والتوقف.
فما حدث أن فخر العرب -كما يطلق عليه محبوه- ورغم تواجده في قاعة الحفل إلا إنه دفع زوجته -الشهيرة بأم مكة- على صفحات التواصل والمواقع الإخبارية، بأن تصعد هي على المسرح بمفردها وتتولى استلام الجائزة وتتصدر المشهد وحدها، وتقف بين المكرمين وتأخذ الصور التذكارية وهي تحمل جائزة الكرة الذهبية بين يديها، وكأنها هي من لعبت وهي من سددت وهي من أحرزت الأهداف والبطولات.
صعدت أم مكة بزيها المحتشم غير المعتاد عليه في مثل هذه المجتمعات الغربية – بإيعاز من زوجها- وربما بإصرار شديد، كأنه يحاول رد الجميل، كأنه يحاول إثبات موقف ما، كأنه يحاول أن يسدي بعضا من حسن عشرتها ووقوفها بجانبه ومن أجل مستقبله الكروي.. لتلاقي السيدة الصغيرة رد فعل غاية في الروعة والقبول والاستحسان، ليس فقط من الجمهور العربي، وإنما من الصحافة العالمية أيضا، والتي وجدت في هذا التصرف نبلا ولياقة لم يعتادوا عليها من العرب، نتيجة لصورة ذهنية نمطية عانينا ولا زلنا نعاني من سيطرتها على نظرتهم تجاهنا وتجاه احترامنا للمرأة زوجة وابنة وأختا.
الليلة الأخرى
المكان: مسرح ابو بكر سالم بالرياض
الحدث: حفلات موسم الرياض
البطل: نجوم المهرجانات الشعبية
سهرة سعيدة أيضا عاشها ما يقارب 7000 شخص، احتلوا مقاعد مسرح الحفل منتظرين ليلة من البهجة والرقص والفرفشة، إن جاز التعبير، بعيدا عما سبقتها من حفلات طربية لأبرز وأهم نجوم الطرب في الوطن العربي، فجمهور هذه النوعية من الغناء كان متحمسا وشديد الانتظار للدرجة التي نفدت فيها تذاكر الحفل سريعا، ما دعا المنظمين لسرعة الإعلان عن إقامة حفل ثاني في الليلة التالية لاستيعاب كل من لم يحالفه الحظ في شراء تذكرة وايجاد مقعد له بين الحضور.
وبالتأكيد وجود ثلاثة من أهم مغنين المهرجانات مثل حمو بيكا وحسن شاكوش وعمر كمال في موسم الرياض، وراءه الكثير من الرسائل التي حرصوا علي تقديمها، خاصة بعد أيام من إصدار نقابة المهن الموسيقية قرارات بمنعهم من الغناء ووقف إصدار تصاريح لمجموعة كبيرة منهم، لحين تصحيح أوضاعهم واجتياز الاختبارات اللازمة لقيدهم.
تجد حمو بيكا يكتب على صفحته بعد الحفل: “الحمد لله علي العظمة وطول ما أنا عايش طول ما المهرجان مكمل”. وفي منشور آخر وكأنه يؤكد على حقه في الغناء بما يحلو له، في تحدي واضح لأي محاولات يمكن أن تبعده عن المشهد، فيكتب بعد انتهاء الحفل: “البقاء للأقوى”.
أما حسن شاكوش فيأخذ نفس الخط ويسير علي نفس النهج والإصرار على أن اللون الذي يقدمه له جمهور عريض، ولا بد من احترام ذوقه واختياراته، فيكتب على صفحته “إحنا جزء من مصر”.
ويأتي عمر كمال هو الآخر ليرسل نفس المعنى مع بعض المرونة وإبداء القابلية للتغيير والتحسين من نوعية الكلمات، فيغير كلمات أغنية بنت الجيران على مسرح الرياض، ويستبدل جملة “واشرب خمور وحشيش” إلى “واشرب تمور وحليب”، في تغيير غير مقنع وغير متماشي مع الجو السائد في الأغنية، إلا إنه يحاول دائما مسك العصا من المنتصف وإظهار نيته ورغبته في تقنين وضعه وربما “مسايسة” أموره مع النقابة.
إذن فهما ليلتان.. لست بالضرورة مطالبا بأن تجد فيهما المفارقة واضحة أمام عينيك، إلا أنها محاولة صغيرة لوضع المشهدين بالقرب من بعضهما أمامك، لعلِّي أكون قد ساعدتك في الإجابة على سذاجة سؤالي: “ماذا فعل صلاح وبيكا في ليلة واحدة؟!”.