القصة الكاملة لأزمة مسرحية "المومس الفاضلة"

حالة من الجدل أثيرت خلال اليومين الماضيين، حول إعلان الفنانة إلهام شاهين، عن رغبتها في إعادة تقديم مسرحية “المومس الفاضلة” للكاتب العالمي بول سارتر، بعد تصريح الفنانة الكبيرة سميحة أيوب بأنها كانت من أكثر المسرحيات التي أثرت في طريقة اختيارها للأعمال على المسرح، حيث لفتت الأنظار إليها وقت تقديمها على المسرح في الستينات.

فكرة وليدة اللحظة تثير الانتقادات

خلال ندوة توقيع كتاب “المتمردة”، التي أقيمت في مهرجان شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب، صرحت الفنانة سميحة أيوب، بوجود الفنانة إلهام شاهين، بأن أكثر مسرحية لفتت الأنظار إليها وتسببت في نقلة نوعية في طريقة تفكيرها وطريقة اختيارها لأعمالها كانت “المومس الفاضلة”، للكاتب جون بول سارتر،والذي قدمت له مسرحية أخرى وهي “الذباب” وتم تغيير اسمها إلى “الندم” وحضر “سارتر” عرضها وقتئذ في مصر.

الفكرة أثارت إعجاب الفنانة إلهام شاهين، ففكرت في تقديمها من جديد على المسرح، وتناقشت مع “أيوب” في ذلك الأمر، وعند انتشار الخبر بدأ هجوم حاد من بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي على “شاهين” نظرًا لأن بعضهم رأى من وجهة نظره بأنها لا تتناسب مع قيم وأخلاقيات المجتمع المصري، وذلك يظهر في اسمها، بالإضافة لأن البطلة فتاة ليل.

نرشح لك: إلهام شاهين عن منتقدي مسرحيتها “المومس الفاضلة”: ناس فاضية وبتتسلى

الأزمة تصل إلى البرلمان

تطورت الأزمة وتحولت من انتقادات عبر السوشيال ميديا إلى طلب إحاطة لرئيس مجلس النواب، ووزيرة الثقافة، من قِبل عضو مجلس النواب المصري، أيمن محسب، حيث قال في بيان صادر اليوم السبت إن طريقة التناول والمعالجة للمسرحية التي كتبها المفكر الفرنسي جان بول سارتر قبل أكثر من 75 عاما غير مناسبة، مضيفًا: “القوى الناعمة لها دور في نشر الوعي وتغيير ثقافة المجتمع، وذلك من خلال إلقاء الضوء على مواضيع هادفة، والجميع مع حرية الفن وعدم وضع قيود عليه لعظيم دوره في المجتمع، ولكن في نفس الوقت يجب أن يتم تناول مواضيع هادفة، فعلى سبيل المثال هذه الأعمال ستدخل كل بيت، ويشاهدها أطفال، وهذا الاسم للعمل الفني والمضمون غير مناسب، وهناك العديد من الاختيارات في حال ضرورة تقديم هذا العمل، الذي يتحدث عن العنصرية، في إشارة دون ذكر هذه المصطلحات، صراحة في مجتمعنا الشرقي”.

وأشار إلى أنه “ليس معنى أن هذه الرواية لكاتب كبير أنها تتناسب مع ثقافة المجتمع المصري، ففي الوقت الذي تحرص الدولة المصرية على بناء الإنسان المصري من خلال محاربة الأعمال المبتذلة، فمثل هذه الأعمال يكون لها مردود سلبي على المجتمع، وليس كل الاقتباس من الأدب الغربي يتماشى مع ثقافتنا، ويجب إعادة النظر في هذه الأعمال، مع الأخذ بالأسباب ضرورة فتح آفاق جديدة للإبداع وتشجيع الكتاب المصريين لتناول مواضيع هادفة من داخل المجتمع المصري”.

رد إلهام شاهين وسميحة أيوب

من جانبها أعربت الفنانة إلهام شاهين عن استيائها الشديد من الهجوم على المسرحية التي لا تزال قيد النقاش، حيث إن الفكرة كانت وليدة اللحظة، وتحدثت مع الفنانة سميحة أيوب عن تقديمها من جديد على المسرح، وقالت في مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب مساء الجمعة، في برنامجه “الحكاية” المذاع عبر قناة “mbc مصر”، الفكرة جاءت في ندوة كتابي “المتمردة”، حيث إنها سألت سميحة أيوب عن أكثر مسرحية لها لفتت الأنظار وسببت لها نقلة فكانت إجابتها “المومس الفاضلة”،مؤكدة أن اسم المسرحية لم تخترعه هي بل كاتبها.

أشارت إلى أن من يهاجم الأمر على وسائل التواصل الاجتماعي لا يعرف من هو جون بول سارتر من الأساس، موضحة أنها فكرت في تغيير اسم المسرحية إلى “ال؟ الفاضلة”، مضيفة أن شخصية فتاة الليل تم عملها في أعمال كثيرة، كما أن هذا العمل لا يتحدث عن قصة حياة فتاة ليل ولكن الموضوع عن العنصرية، كما وعدت أنه سيتم نشر المسرحية باسم “ال؟ الفاضلة”، مؤكدة أن الهجوم تم بعد لحظات قليلة من الإعلان عن الخبر وتم بتسرع معلقة: “ناس فاضية وبتتسلى علينا”.

كما قالت الفنانة سميحة أيوب، في تصريحات صحفية اليوم، إن المسرحية إلى الآن مجرد فكرة، فلم تقرأ أيًا منهما ورق للعمل بعد، ولم يبدأ العمل على الفكرة، معلقة على طلب الإحاطة المقدم ضد المسرحية في مجلس النواب بأنها محاولة لإعادة المجتمع للكهف من جديد، فيما طالبت “شاهين” وزيرة الثقافة بالتدخل الفوري لحل الأزمة، دفاعًا عن الثقافة.

“المومس الفاضلة” لـ سارتر

وعن المسرحية فقد كتبها الكاتب الفرنسي الشهير سارتر، حيث استوحاها من قضية حقيقية، كانت قد أحدثت جدلًا كبيرًا وقتها في الولايات المتحدة الأمريكية، تعرف باسم قضية scottsboro، وقد عرفها “سارتر” أثناء تواجده في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان يحاكم فيها 9 شباب من السود، في الاعتداء على فتاتين بيضاوين من فتيات الليل، وقد تم تلفيق القضية لهما، ورفضت المحكمة الاستماع لشهادة إحدى الفتاتين ببراءة المتهمين، وتم إعدام 8 منهم، وعاش التاسع، ليروي شهادته في كتاب، استوحى منه “سارتر” المسرحية.

قصة المسرحية التي قدمها “سارتر” كانت عن “ليزا” التي تعمل كفتاة ليل، ويطلب منها أحد زبائنها الادعاء بأن شاب أسود قد اعتدى عليها، لذا فقد قتله ابن عم ذلك الزبون الدائم لديها، لكي يبرئه من فعلته وقتله للشاب، وتتوالى الأحداث.

المومس الفاضلة
المسرحية في السينما والمسرح

تلك ليست المرة الأولى التي يتم تقديم فيها المسرحية في مصر، حيث قدمتها سيدة الشاشة العربية سميحة أيوب في الستينات، كما أنه تم تقديمها على الكثير من مسارح العالم، في كوبا وروسيا في تلك الفترة، خاصة أنها تتحدث عن القضية الأهم في ذلك الوقت في أوروبا وهي “العنصرية”.

قُدمت المسرحية كفيلم سينمائي يحمل نفس الاسم أيضًا في فرنسا من قبل، إلا أن “سارتر” قام بتغيير نهايتها في الفيلم لتصبح “تفاؤلية” بشكل أكبر، حيث تم تكريم البطلة “ليزا”، بعكس ما حدث في الرواية الأصلية، بل وتم تغييرها في نسخ تالية للمسرحية، وقد صرح الكاتب وقتها بأن الكثير من الشباب الذين قرأوها قد خابت آمالهم بسببها، وهو دوره ككاتب زرع الأمل فيهم، لأن الأمل هو ما يبحث الناس عنه.