رحلة المشير الجمسي من ساحات الحرب لـ"الفراغ القاتل"!

محمد وليد بركات المشير الجمسي

في لقاء استمر لما يقرب من ثلاث ساعات، دار المشير محمد عبد الغني الجمسي، وزير الحربية المصري الأسبق، في فلك حديث الذكريات والأسرار، برفقة الإعلامية هالة سرحان، في إحدى حلقات برنامجها “بصراحة“، الذي أذيع على قناة ART خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يرحل عن عالمنا في يونيو 2003. المشير الجمسي

فرضت سيرة الحروب نفسها على الحديث، ولِمَ لا؟! والرجل شاهد على الصراع العربي الإسرائيلي، ومشارك في معاركه منذ عام 1948 وحتى عام 1973، حيث شغل منصب رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة في حرب أكتوبر، حتى عُيّن قائدا عاما للقوات المسلحة، من 28 ديسمبر 1974، ليكون آخر وزير للحربية، قبل أن يغادرها مع تغير اسمها إلى “الدفاع”، في 5 اكتوبر 1978. المشير الجمسي

 

وفي ذكرى مفاوضات الكيلو 101، التي بدأت ظهر يوم 28 أكتوبر، لتضع حدًّا لحرب 1973، والتي ترأس المشير الجمسي خلالها وفد مصر، نستعرض أهم ما قاله في هذا الحوار..

1) إدارة العسكرية المصرية كانت تسير بشكل خاطئ قبل 1967، وهو ما أدى إلى النكسة، والمشير عامر انشغل عن الجيش بأمور سياسية، فلم يكن هناك تقييما لكفاءة القوات، ولا جودة تدريبها ولا تسليحها ولا استعدادها القتالي، ولم يكن هناك مجلسا للدفاع الوطني، وهي أمور تمت مراعاتها في الإعداد لحرب 1973.

2) حرب اليمن من أسباب هزيمة 1967، ووقت النكسة كان هناك ثلث الجيش المصري في اليمن، والثلث الآخر يستعد للسفر إلى هناك، وثلث الجيش فقط كان يقوم بمهمة الدفاع عن الوطن، وهو ما جعلنا نستدعي قوات الاحتياط غير المدربة للاشتراك في الحرب، ولم تكن خطة الدفاع عن سيناء في 1967 قابلة للتنفيذ، لأنه لم تكن هناك القوات الكافية لذلك.

3) قُبيل النكسة كنت مسئولا عن تحضير مركز القيادة المتقدم للمشير عامر؛ ليقود الحرب بنفسه في سيناء، وبعدها مباشرة تقدمت باستقالتي من القوات المسلحة لشعوري بالذنب، وكنت برتبة اللواء.

4) لا أعرف هل انتحر المشير عامر أم قُتل، فقد كنت بعيدا عنه، ولم يكن لديّ اطلاع على الأحداث عن قرب، ولم يكن صديقي لأتمكن من توقع تصرفاته.

5) الفضل يرجع للرئيس جمال عبد الناصر في تغيير القيادات بعد النكسة، حيث جاء بقيادات عسكرية محترفة وجند حملة المؤهلات العُليا في الجيش، فارتقى بمستوى الجندي المقاتل.

6) كان هدف مصر من حرب الاستنزاف هي تكبيد العدو أكبر قدر من الخسائر، ليضطر إلى استدعاء قوات الاحتياط، مما يؤثر على اقتصاده، ويرهقه قبل أن نشتبك في معركة التحرير، وهو ما حدث بالفعل، رغم أن مصر تكبدت أيضا بعض الخسائر، ولكن كان يجب أن نتحملها في إطار تحضير القوات للمعركة وإكسابها الثقة والخبرة.

نرشح لك: من الشِعر للسلاح والحرب.. كيف كشف اللقاء الصحفي الأول شخصية المشير طنطاوي؟

 

7) لا يفيد الحديث حول إذا ما كانت أكتوبر حرب “تحرير” أم “تحريك”، والسادات أبلغ كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي، من اليوم الثاني للحرب أنه لا ينوي تطوير الهجوم شرقا إلى عمق سيناء، وكان هذا خطأ كبيرا، وإفشاءً لأسرار عسكرية.

8) الخطة “بدر” الخاصة بحرب اكتوبر، تضمنت عمل رؤوس كباري على الضفة الشرقية للقناة، وبعد وقفة تعبوية أو بدونها، يتم تطوير الهجوم شرقا نحو المضايق بداية من يوم 9أكتوبر، وفي الحرب لابد من مرونة في تنفيذ الخطة، حسب الظروف، والمشير أحمد إسماعيل كان حذرا في قراراته، وكان يريد تدمير قوات العدو من وضع الثبات الدفاعي، وكنت أنا متحمسا لتطوير الهجوم.

9) تعاملنا مع ثغرة الدفرسوار باهتمام من اللحظة الأولى، وطلبنا من قوات احتياطية بالضفة الغربية الاستعداد لإغلاقها، وكانت رؤية الفريق الشاذلي الاستعانة ببعض قوات من الضفة الشرقية، وقد عارضتها لأن ذلك قد يخلخل قواتنا ويهدد مكسبنا الاستراتيجي من الحرب، والثغرة معركة ضمن أكثر من خمسين معركة ربحناها في الحرب، ولا يمكن القول بأن انتصار أكتوبر كاد يضيع بسببها، وقد حققت مصر أهدافها السياسية والعسكرية من هذه الحرب إجمالا حسب التوجيه الاستراتيجي من الرئيس للقوات المسلحة، بينما لم تحقق إسرائيل أهدافها، وقد انتصرت إسرائيل في حرب 1967، وكانت تعتبر حدودها غير آمنة، وانهزمت في حرب 1973، وهي تعتبر حدودها آمنة، وقد قال وزير الدفاع الأمريكي وقتها إنه قد سقطت نظرية الأمن الإسرائيلية، وأشاد ديبوي، المؤرخ العسكري للبنتاجون، بالخطة العسكرية للجيش المصري في الحرب.

المشير الجمسي

10) الفريق الشاذلي كان على خلاف قديم مع المشير أحمد إسماعيل، ولكن الاستعداد للحرب طغى على كل شيء بينهما، وتم الحديث كثيرا عن ثغرة الدفرسوار، بسبب التعتيم الإعلامي المصري عليها، والتضخيم الإعلامي الإسرائيلي لها.

11) قبلت رئاسة وفد مصر في مفاوضات الكيلو 101 (مفاوضات لوقف الاشتباك بين الجيشين المصري والإسرائيلي في حرب أكتوبر)، بتكليف من القيادة السياسية المصرية، وكرجل عسكري فأنا ملتزم بتنفيذ الأمر، رغم أنني قضيت عمري كله أحارب الإسرائيليين، والتعامل مع الإسرائيلي محتاج “فن”، لأنه “يموّع” المواضيع، ويكون دارسا تماما لما يقوله وما يتفاوض فيه، ومن المهم أن تعرف ما الذي يحتاجه حتى تستطيع أن توظفه، وتعاملُه بالمثل.

12) شعرت أن مفاوضات الكيلو 101 سوف تفشل بسبب مماطلة الإسرائيليين، ورفعت تقريرا للرئيس السادات بذلك، وعندما وصل كيسنجر، إلى مصر في 6 نوفمبر 1973، التقى السادات، وعمل على تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وتوصلا إلى اتفاقية “النقاط الست”، بعدها سارت مفاوضات الكيلو 101 بسلاسة.

 

نرشح لك: إطلاق اسمي الجمسي والشاذلي على خريجي دفعات الكليات العسكرية

 

13) خلال مفاوضات جمعت بيني وبين وزيري الخارجية المصري والأمريكي، فوجئت بأن كيسنجر اتفق مع السادات على تخفيض القوات المصرية في سيناء إلى 30 دبابة وسبعة آلاف مقاتل فقط، وهي أعداد قليلة ولا توفر الأمن للقوات المسلحة المصرية، ولذلك اعترضت بقوة وغادرت قاعة التفاوض، وتوجهت للرئيس وأبلغته بخطورة الوضع، ولكنه أمرني بتنفيذ الاتفاق الذي حدث بينه وبين كيسنجر.

14) كانت دعوة كارتر للجانبين في كامب ديفيد تشمل رئيس الدولة المصري، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، ووزيري الخارجية والدفاع من الدولتين، وطلب مني السادات عدم الذهاب معه، ورفض اصطحاب اللواء طه المجدوب الذي رشحته له، وتمت المفاوضات هناك بدون ممثل للجانب العسكري المصري.

15) في مفاوضات الإسماعيلية، طلب بيجن من السادات إبقاء المستعمرات الإسرائيلية في سيناء ومعها قوات بسيطة لتأمينها، واعتبرت أن ذلك “إهانة وقلة أدب”.

16) كانت هناك الكثير من الاختلافات في الرأي بيني وبين الرئيس السادات في مرحلة السلام مع العدو الإسرائيلي، ولكن في النهاية كان له الأمر في النواحي السياسية بصفته رئيس الدولة، والعسكرية أيضا بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.

المشير الجمسي

17) رفضت توجيه ممدوح سالم، رئيس الوزراء، بنزول القوات المسلحة لفرض الأمن خلال انتفاضة يناير 1977، لأن الأمر حساس ويحتاج إلى توجيه من رئيس الجمهورية مباشرة، ولخوفي على سمعة القوات المسلحة إذا حدث احتكاك بينها وبين الشعب، فإذا وقعت خسائر لن تكون من الشعب أو الجيش وإنما خسائر لمصر، وعندما تلقيت أمر رئيس الجمهورية ونزلت القوات، كانت تعليماتي هي عدم استخدام القوة النيرانية ضد الشعب، وسيّرنا خطوط مواصلات لتنقل المسافرين بعد وصولهم من محطة قطارات رمسيس إلى أماكن مبيتهم تحت حراستنا بعد إعلان حظر التجول، وفي رأيي هي انتفاضة شعبية بسبب غلاء الأسعار ولم تكن مؤامرة سوفيتية.

18) أقالني السادات من وزارة الحربية قبل يوم واحد من الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر عام 1978، وشعرت بالضيق لأنه لم يراعِ الجانب النفسي لي، ورفضت حضور الاحتفال رغم دعوتي إليه بصفتي مستشارا عسكريا للرئيس.

المشير الجمسي

19) أصبت بأزمة قلبية بسبب “الفراغ القاتل”، وكنت أتمنى أن يتم الاستفادة من وجودي بعد تركي منصب وزير الحربية، كما تفعل بعض الدول، كتكليفي بالقيام بدراسات أو بالتفكير في حل مشكلات ما، وقد وعدني السادات بذلك، ولم ينفذ.

20) رفضت دعوة وايزمان، وزير الدفاع ثم الرئيس الإسرائيلي، مرتين، لزيارة إسرائيل، لأنني غير مقتنع بالسلام بيننا وبينهم، وهذا أمر في دمي ولن يتغير، إلا إذا تغير وضع إسرائيل في المنطقة.

21) بعد حرب 1967 قال موشي ديان إن هذه هي آخر الحروب، وتمنى السادات أن تكون حرب 1973 هي آخر الحروب، وأنا أقول إنه ما لم تنتهِ مشكلات العرب والإسرائيليين فإن الحرب سوف تفرض حتميتها، وأتوقع حدوث تغييرات كثيرة في منطقة الشرق الأوسط بعد سنة 2000. 

22) لن أجيب على هذا السؤال.. أترك للتاريخ والشعب الإجابة عنه (ما تقييمك للسادات؟).

23) لم أترك لأولادي غير اسمي الذي أعتز به.. والحمد لله يارب.. والحمد لله يارب.. والحمد لله يارب.