أمينة النقاش تكتب: عن نور الشريف أتحدث

– السويس .. المدينة والقناة

– حارة اليهود فى مصر المتسامحة

– هؤلاء اللابدون فى الذرة

– ليس دفاعا عن دراما رمضان

فى شتاء عام 1983، طارت من أرض مطار القاهرة طائرة مصرية خاصة من مصر للطيران، تقل نحو مائة شخص من القيادات السياسية ورموز المعارضة المصرية، ومن الكتاب والفنانين والأدباء والصحفيين، متجهة نحو العاصمة الجزائرية الجزائر، للمشاركة فى أعمال الدورة السادسة عشرة لاجتماعات المجلس الوطنى الفلسطينى الذى تشكل للمرة الأولى بقيادة مفتى فلسطين الحاج أمين الحسينى، بعد هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل فى حرب عام 1948 اكتسبت هذه الدورة أهمية خاصة لكونها الأولى التى تعقد بعد غزو إسرائيل لبيروت، وحصارها للمقاومة الفلسطينية صيف عام 1982، الذى انتهى بخروج نحو أكثر من 14 ألف مقاتل من فصائل المقاومة الفلسطينية عبر البحر، تحت ضغط و حماية دوليين، تم تشتيتهم بين سوريا واليمن والجزائر، قبل أن تستقر قيادة منظمة التحرير فى تونس مع عدد من مقاتليها، ولم كن دعوة هذا الوفد الكبير من قيادات سياسية وحزبية وفنية وثقافية مصرية للمشاركة فى هذا الاجتماع خاليا من المغزى ،فقد كانت الدعوة أول كسر لمقررات القمة العربية العاشرة فى تونس، الذى كان قد مهد لها اجتماع لوزراء الخارجية العرب فى بغداد عام 1979، واتخذت قرارا بمقاطعة مصر لتوقعيها اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة الصلح مع إسرائيل، ورفض كل ما ترتب على تلك الاتفاقيات، ومقاطعة الشركات والمؤسسات والأفراد الذين يتعاملون بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع العدو الصهيونى، ونقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة، إلى تونس.

كان من بين من ضمهم وفد المعارضة المصرية خالد محيى الدين وإبراهيم شكرى ولطفى الخولى وأبوسيف يوسف ورفعت السعيد وعلى النويجى وغيرهم ،وكان من بين الكتاب والمثقفين والفنانين الذين ضمهم الوفد، لطيفة الزيات وفتحية العسال ونادية لطفى وعلى بدرخان ونور الشريف. كان نور الشريف آنذاك – عام 1983- قد أصبح نجما لامعا تلاحقه الأضواء أينما حل، بعد تقديمه للسينما العربية بعضا من أهم أفلامه بينها السراب اخراج أنور الشناوى، وزوجتى والكلب «سعيد مرزوق»، السكرية «حسن الإمام»، ضربة شمس «محمد خان»، الكرنك وأهل القمة «على بدرخان»، الطاووس «كمال الشيخ»، حدوتة مصرية «يوسف شاهين»، العار «على عبد الخالق»، سواق الأتوبيس «عاطف الطيب»، الصعاليك أول أفلام «داوود عبدالسيد»، ومع ذلك فقد تصرف مع الوفود العربية التى شاركت فى أعمال المؤتمر، وكان أعضاؤها يقبلون عليه لمصافحته والحديث معه بتواضع جم.

وحرص بعض هؤلاء الوفود- كما حرصنا نحن الصحفيين والكتاب المصاحبين للوفد المصرى – على الانضمام إلى مائدته فى الصباح لمشاركته تناول طعام الإفطار، فتتحول الجلسة معه إلى حوار ممتع فى الفن والسياسة وأحوال الأمة. وفى جلسات الإفطار تكشفت جوانب عدة من شخصيته الآسرة: بساطته وتواضعه إذ رفض أن يتعامل معاملة تميزه عن غيره من المصريين المشاركين فى المؤتمر بتناول طعامه فى غرفته، وحرصه على اللمة الصباحية التى تجمعه مع بعضهم، ثقافته المتنوعة التى يغنى بها حديثه، وأدبه الذى يحرص حين الحديث عن أحد زملائه على انتقاء أطيب الكلمات وأكثرها تهذيبا وموضوعية، ولطفه وحنانه فى التعامل مع محبيه والمعجبين بفنه، ونظرته الثاقبة للناس والأشياء.

فى إحدى الجلسات، انتقدت صحفية لبنانية الحالة الطاووسية التى يتعامل بها الشاعر «محمود درويش» مع الآخرين، وتجاهله لها حين وجهت له تحية الصباح كأنه لا يعرفها، مع أنها أجرت معه أكثر من حوار فى بيروت قبل رحيله. ضحك نور الشريف من قلبه معلقا، ياستى سامحيه ربما لم ينم بما فيه الكفاية فاختلط عليه الأمر، وهو أولا وأخيرا شاعر كبير، وهذا هو الأهم، ولا تنسى أنه قد كتب أكبر وأجمل قصائده عن بيروت. كان نور يشير إلى قصيدة محمود درويش التى نشرت عقب خروجه من بيروت عام 1982.

وكان محمود درويش قد استحوذ على اهتمام المشاركين فى أعمال الدورة من الوفود العربية وقيادات المنظمة على امتداد أكثر من ساعة والنصف وهو يلقى أمامهم بأداء مسرحى ساحر وبارع يخطف الألباب، ملحمته الشعرية عن بيروت «مديح الظل العالى».

جلس ياسر عرفات فى الصف الأول فى مواجهة المنصة التى يلقى من عليها درويش قصيدته، فكان يصفق كثيرا لبعض أبياتها ولا يبدى حماسا لبعضها الآخر، وحين أنهى درويش قصيدته بتلك الأبيات وهو يشير بإصبعه إلى «عرفات» قائلا: «عبثا تحاول يا أبى ملكا ومملكة، فسر للجلجله، واصعد معى، لنعيد للروح المشرد أوله، ماذا تريد ,انت سيد روحنا، يا سيد الكينونة المتحولة، يا سيد الجمرة، يا سيد الشعلة، ما أوسع الثورة، ما أضيق الرحلة، ما أكبر الفكرة، ما أصغر الدولة»، داعب أبوعمار الشاعر، فأشاح بوجهه عنه وصوب يده اليه بعلامة الرفض قائلا وهو يتجه ليحتضن درويش ويقبل رأسه «ادونى دولة متر فى متر بس ادو هانى» وهو ما قاده بعد هذه اللحظة بعشر سنوات للتوقيع على اتفاق أوسلو لتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية فى الضفة والقطاع.

ما أن دنوت من قاعة الإفطار حتى سمعت جلبة وأصواتا تعلو وتنخفض، كانت مجموعة من السياسيين العرب القوميين يلتفون حول نور الشريف يناقشونه بحماس فى مساوئ كامب ديفيد والصلح المصرى مع إسرائيل، وهو ينصت إليهم باهتمام متحليا برباطة جأش عالية، وترتسم على ملامح وجهه ابتسامته الطفولية الآسرة، قال لهم وهو يهم بالانصراف «انتم مش واخدين بالكم يا جماعة إن المصريين المشاركين فى المؤتمر كلهم من معارضى كامب ديفيد.. على فكرة المصريين اللى فرضتم عليهم المقاطعة هم وحدهم من يتصدون لكامب ديفيد» قالها بلطف وهدوء ثم استأذن و انصرف.!

«المصريون» كانوا هم الهم الأول والأخير لمشروع نور الشريف الفنى، ممثلا ومخرجا ومنتجا ومعلما فى أكاديمية الفنون إلا قليلا، حين انشغلت البديات بمسألة بالانتشار، انصرف تفوقه فى دراسته بأكاديمية الفنون إلى شغف مذهل بالفن، فسعى بدأب لتكوين نفسه ثقافيا، بالقراءة فى المجال الذى تخصص فيه، وفى شتى المجالات المعرفية الأخرى. وبدأ نور يوظف نجوميته فى أمرين أساسيين مترابطين. الأول هو دعم ومساندة الوجوه الجديدة فى مجالات العمل السينمائى والفنى، فى الكتابة الدرامية والتمثيل والاخراج والتصوير وغير ذلك، الأمر الثانى تشجيع المحاولات الجادة لتقديم سينما جديدة، وهى ما عرفت بسينما جيل الثمانينيات والواقعية الجديدة التى تهتم بجانب قضايا المجتمع وأحلامه المؤجله والمجهضة بجماليات الفن السينمائى،وبرزت فى معظم أفلامه التى فاقت ربما مائتى فيلم، وانطوت على أفلام تقاوم الفساد السياسى والمالى والاجتماعى والتدهور الخلقى الذى صاحب سياسات الانفتاح والشره الاستهلاكى، وانتصرت لكل القيم الفاضلة. وشكل فيلمه سواق الأتوبيس – عاطف الطيب وبشير الديك – تيارا فى السينما المصرية تواصل فيما بعد ليناقش القضية المصيرية التى طرحها الفيلم وهى، أن من صنع نصر أكتوبر، لم يكن هو من قطف ثمارها.

قاده شغفه بالفن أن يقدم فى إحدى القنوات الفضائية برنامجا فريدا من نوعه لتعليم المتفرج كيفية تذوق جماليات الفن السينمائى، فيشرح له لماذا كانت الاضاءة معتمة فى هذا الكادر، ولماذا شع النور وعلا صوت الموسيقى فى غيره. وتبقى قدرة نور الشريف على التقمص والتنوع فى الشخصيات التى لعبها التى تراوحت بين الصعلوك وابن الذوات والصعيدى والفلاح والموظف ورجل الاعمال، والحاكم والفيلسوف، علامة من علامات فن الأداء التمثيلى فى تاريخ السينما العربية، لن يمحوها رحيله المؤلم، بل تبقى راسخة فى أذهان ووجدان الأمم والشعوب.

نقلاً عن “الوفد”

شارك في استطلاع إعلام.أورج واختار ما هو أفضل مسلسل للفنان الراحل نور الشريف ؟

اقـرأ أيضـاً:

10 معلومات عن السيدة التي سجنت توفيق عكاشة

15 صورة من عزاء الفنان نور الشريف

23 معلومة عن نور الشريف

صاحبة صورة محافظ بورسعيد باكية: أهلي قاطعوني

مشوار نور الشريف في 30 صورة  

التفاصيل الكاملة لقصة المواطن “الراكور” على شاشة ماسبيرو

15 صورة من عزاء ميرنا المهندس

لماذا رفض الفخراني الوقوف “دقيقة حداد” على نور الشريف؟

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا