الجزيرة مباشر كابول.. هل تبني القناة الإخبارية نصبًا تذكاريًا لابن لادن؟

الجزيرة مباشر

يُعرف الناس في الحب والحرب، ولكن لا تُعرف القنوات الإخبارية إلا في الحرب، ففي تلك الأوقات فقط ينكشف الغطاء عن اتجاه عدسات كاميراتها، وتوجهاتها السياسية، وفي حالة قناة الجزيرة الإخبارية، في تغطية أحداث أفغانستان، لا يُستعان إلا بيت شعر طرفة ابن العبد الشهير “ما أشبه اليوم بالبارحة”.

فبمجرد الإعلان عن سقوط العاصمة الأفغانية كابل، كان مراسل قناة الجزيرة الأفغاني حميد الله محمد شاه، حاضرًا إلى جانب مقاتلي طالبان، يغطي لقناته لحظة اقتحامهم القصر الرئاسي، ويعرف مذيعة النشرة على الحضور الذين اختاروا مكتب الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي كان يستقبل فيه الضيوف الأجانب، ويلقي منه اتصالاته، بحسب رواية المراسل، في لقطة من الصعب التصديق بأنها عفوية، أو جاءت نتيجة اقتحام القناة للمقر مع المقاتلين التابعين لحركة مسلحة انتصرت للتو على المقاتلين الأفغانيين التابعين لحكومة البلاد التي سقطت.

نرشح لك: بعد سيطرة طالبان على كابول.. مراسلة CNN بالحجاب على الهواء


المشهد، ظهر منسقًا للغاية، فلم يعترض أحد المتواجدين كاميرا القناة، ولا المراسل، بل اصطفوا جميعًا بانتظام وراء المكتب ليظهروا على شاشة التلفاز للجماهير العربية المتابعة للأحداث، المتعطشة لمعرفة ماذا يحدث في أفغانستان، التي حاربت طالبان لسنوات، وعادت من جديد، في ظل مخاوف مشروعة للأفغان من الانتقام ومهاول سيطرة حركة متطرفة على مقاليد الحكم، في أحداث تعيد للأذهان أحداث ما قبل 20 عامًا، حيث انتصر الأفغانيون على طالبان، واختاروا رئيسهم بانتخابات شعبية، ليتم الإطاحة به في طرفة عين، مما يثير قلق عالمي وعربي، عن تأثير ذلك على سياسات الدول العربية، التي لا تزال تحارب الإرهاب وجماعاته المتطرفة، وبآيات من القرآن الكريم، قاطع أحد المقاتلين حديث مراسل الجزيرة، لتكن تلك افتتاحية حكم طالبان في أفغانستان، وافتتاحية القناة في تغطية ما يحدث هناك!

الجزيرة مباشر

في سؤال عفوي عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسائل البعض من أفضل قناة يمكنهم متابعة أحداث أفغانستان من خلالها؟ فكانت الإجابة الشائعة “الجزيرة”، وبالطبع من غيرها يمكنه اقتحام معاقل الحركة الإرهابية، التي سبق وجمع بينهما في سبتمبر 2002، علاقة أثيرت حولها الكثير من الشبهات حيث بثت القناة من خلال برنامج “سري للغاية”، الذي كان يقدمه الإعلامي المصري يسري فودة، أهم سبق صحفي للقناة، ولفودة نفسه، وهو لقاء مع اثنين من مدبري أحداث 11 سبتمبر الشهيرة، أذيع في الذكرى الثانية للحادث الدموي الذي راح ضحيته الآلاف، وبدأت بعده في أكتوبر 2001 أمريكا الحرب في أفغانستان.

في بداية تبدو مهنية، بدأ يسري فودة الحلقة بعبارة تحمل الكثير من الريبة: “طائرتان أمريكيتان دخلتا في مبنيين أمريكيين فيما قيل لنا إنه عمل إرهابي”، في إشارة إلى أنه من الممكن أن يكون غير ذلك، لتبدأ الحلقة الدرامية للغاية، والتي صاحبتها موسيقى مؤثرة، تميل للتعاطف مع الأشخاص المذكورين في التقرير، حيث حاول تسليط الضوء على نشأة المهندس المصري محمد عطا، أحد قادة الهجوم الإرهابي على برجي مركز التجارة العالمي، مع مقدمة عن تميزه في الدراسة وتفوقه في الجامعة، وهروبه من مصر محبطًا من الأوضاع السياسية، بل وصف الجيل كله بالإحباط، مع ظهور خاص لوالده، الذي بدا رجلًا وقورًا هادئًا مثقفًا، وبيته أنيقًا منظمًا، حتى “عطا” ظهر في صور ملائكية لشاب كان أقرب لأن يكون فتى أحلام فتيات جيله عنه إرهابي.

ولاحقًا في كتابه (فى طريق الأذى.. معاقل القاعدة إلى حواضن داعش)، الصادر عن دار الشروق، عام 2014، كشف يسري فودة، تفاصيل دقيقة عن ذلك اللقاء كان أهمها اللقاء الذي جمعه بأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والذي سأله عن ملابسات الحلقة، والشرائط التي تقدر بـ50 مليون دولار على حد وصفه، وتصميم الأمير على الحصول عليها مقابل أي مبلغ مالي، وهو ما حدث بالفعل، وقد حصلت الجماعة على مليون دولار مقابل حصول قناة “الجزيرة” عليها.
إلى هنا يظهر الأمر بالفعل وكأنه سبق صحفي مهد للجزيرة من بعدها علاقة طيبة بطالبان لا أكثر، ولكن ميل القناة لكفة طالبان، يظهر الآن في تغطية الأحداث هناك، وكإنها واجهتهم الإعلامية، حيث تصف الأمر بأنه انتصار مستحق لطالبان، طال انتظاره، وقد جاء كثورة شعبية استقبلها الشعب بحفاوة، وهو عكس الواقع الذي عكسته كاميرات أخرى غيرها بإلقاء الشعب الأفغاني نفسه في أحضان الموت، حيث تعلق بعضهم بعجلات الطائرات العسكرية الأمريكية المغادرة من أفغانستان، ظنًا منهم بأنهم سيصلون إلى بر أمان، فسقطوا من ارتفاع شاهق ليلقوا حتفهم الذين ظنوا أنهم يهربون منه.

عناوين الجزيرة على “يوتيوب” لتصريحات طالبان أيضًا تُظهر تضامن القناة جليًا مع الحركة، حيث تروج إلى أنهم جاءوا بفكر جديد، متفتح، يحتضن الجميع!

الجزيرة مباشر

ذلك الموقف، الذي يشبه تمامًا توجهات أحاديث القناة ومذيعيها عن ابن لادن، زعيم القاعدة، بأنه بطل ثوري، ففي تقرير تلفزيوني أذاعته القناة يوم وفاته بعنوان: “أسامة بن لادن ..سيرة القاعدة زعيما وتنظيما”، مجدت كثيرًا في مسيرته الجهادية، عرفت القناة أيضًا التنظيم بوصف مثير للشك حيث جاء فيه: “تنظيم القاعدة، وهو جسم فضفاض يضم خلقًا عظيمًا من الناقمين على الغرب وعلى حكوماتهم الموالية له والحاكمة وفق تصوراتهم بغير ما أمر الله”.

الجزيرة مباشر

وقد اعتاد مذيعو القناة على مدح بن لادن علانية، فقد سبق لفيصل القاسم وصفه في برنامجه “الاتجاه المعاكس” قائلًا: “هل تعلمون كم يبلغ وزن الشيخ أسامة بن لادن؟ والجواب: لا يبلغ وزنه أكثر من 50 كيلو جراماً، ومع ذلك فابن لادن، صاحب القد النحيل، يجعل أعتى قوة في التاريخ ترتعد أوصالها لسماع اسمه”، متابعًا: “من الذي جعل أمريكا تصرخ آه وألف آه من الألم، من الذي أصبح البطل العربي والإسلامي الأول، هل تخشاه أمريكا كإرهابي يهدد مصالحها؟ أم كضمير العالمين العربي والإسلامي؟ ألسنا بحاجة إلى ألف مجاهد من هذا الطراز، في ظل هذا الانبطاح العربي المخزي أمام أمريكا وإسرائيل؟”.

لذا فلقد عادت طالبان، وعادت الجزيرة، مباشرة من أفغانستان، إلى جوارها، ولا ينقصها إلا أن تصنع نصبًا تذكاريًا للرجل الذي كان سببًا في شهرتها قبل 20 عامًا، لـ”بن لادن” الذي وُجد في مذكراته رسائلًا لأتباعه يخبرهم بالتواصل مع مراسل الجزيرة ليمنحهم صورًا وفيديوهات خاصة بالجماعة لنشرها.

نرشح لك: خالد عكاشة: خطاب جو بايدن اعتراف بفشل الإدارة الأمريكية في أفغانستان