البعض لا يذهب للمأذون مرتين.. البعض لا ينجح في نفس التجربة مرتين

أندرو محسن ـ يكتب عن البعض لا يذهب للمأذون مرتين

أخيرًا عرض فيلم “البعض لا يذهب للمأذون مرتين” بعد تأجيل عرضه من العام الماضي نتيجة ظروف الكورونا. إلى حد كبير، يبدو الفيلم استثمارًا للنجاح الساحق الذي حققه فيلم “نادي الرجال السري”، هذا الذي جاء بميزانية متوسطة وعرض في موسم غير رئيسي، هو موسم رأس السنة وإجازة نصف العام في عام 2019 ليحقق إيرادات تقترب من 60 مليون جنيهًا في مصر وحدها، وهو رقم لم يكن مسبوقًا على الإطلاق في هذا الموسم.

كريم عبد العزيز

هكذا تحمس منتجا الفيلم للتعاون مرة أخرى مع كريم عبد العزيز وماجد الكدواني، وأيمن وتار مؤلفًا، بينما تولى الإخراج أحمد الجندي هذه المرة، في موضوع يتماس بشكل واضح مع مؤسسة الزواج مثلما هو موضوع الفيلم السابق.

نرشح لك: دينا الشربيني عن “البعض لا يذهب للمأذون مرتين”: الدور حلو لأنه خفيف

لكن كما نعرف، لا يعني تكرار بعض أو أغلب العناصر التي حققت نجاحًا سابقًا أن التجربة الجديدة ستحقق نفس النجاح.
ماذا لو؟

يبني أيمن وتار فيلمه على أساس إحدى فرضيات “ماذا لو؟”، يحاول الفيلم في إطار كوميدي الإجابة على سؤال: ماذا لو استيقظ جميع المتزوجين ليجدوا أنهم انفصلوا عن أزواجهم أو زوجاتهم فجأة؟
مع ما يثار دائمًا من سخرية عن مؤسسة الزواج في مصر بأشكال وصور مختلفة، سنجد أن هذه الفرضية تربة خصبة بالفعل لصناعة كوميديا قوية، مع وجود الكثير من الأفكار التي ربما لم تستخدم من قبل. لكن كاتب السيناريو اكتفى بتقديم هذه الفكرة البراقة، وأطفأ بريقها سريعًا في أغلب العناصر، بداية من رسم الشخصيات.

حتى نتعرف على الشخصيات يجب أن نمر سريعًا على قصة الفيلم. تدور الأحداث عن تجربة حكومية لتحويل كافة وثائق الزواج إلى نسخ رقمية، مع إعدام النسخ الورقية، لكن نتيجة خطأ تقني تُمحى جميع هذه الاستمارات وبالتالي يجد جميع الأزواج في مصر أنفسهم منفصلين قانونًا، ويجد الزوجان خالد (كريم عبد العزيز) وثريا (دينا الشربيني) أنفسهما أمام مسؤولية إقناع الناس بالزواج مرة أخرى.

تظهر أزمات السيناريو مبكرًا في الفصل الأول. نجد أن خالد الذي يعمل مقدمًا لبرنامج تلفزيوني مشهور وثريا التي تعمل معالجة نفسية فاشلة يفكران في الطلاق، لماذا يفكران في الطلاق؟ لم يهتم كاتب السيناريو بتأصيل هذه الأزمة المحركة لشخصيتيه الرئيستين، نجد أن كليهما يفكران فجأة في الانفصال عن الطرف الآخر دون وجود أسباب كافية تُقنع المشاهد أن هذين الاثنين على وشك الانفصال، وعلى الجانب الآخر لم يكلف السيناريو أيضًا نفسه عناء تقديم قصة حب قوية سابقة بين هذين الاثنين حتى نشعر بالتعاطف تجاههما وبعدم رغبتنا في أن ينفصلا. تظهر رغبتهما في الطلاق من إشارات واهية إلى لملل وعدم الراحة، وبالتالي لا يوجد ما يجذب المشاهد لبقاء أو انفصال خالد وثريا.

كريم عبد العزيز

رغم أن الفكرة الرئيسية للفيلم هي فكرة الانفصال المفاجئة التي وقعت للجميع، فإن هذه الفكرة لا يُمهَّد لها بشكل جيد منذ بداية الفيلم، بل تأتي فجأة في نهاية الفصل الأول وتًقدم بشكل شديد السذاجة، فمن غير المنطقي بأي صورة أن تُعدم جميع قسائم الزواج الورقية قبل إطلاق القسائم الرقمية، وقد يرى بعضهم أنها مبالغة يمكن تمريرها في إطار كوميدي، ولكن في الحقيقة هي مبالغة تُظهر أن المؤلف كان في ذهنه فكرة جيدة لكنه لم يعرف أن يقدم لها معالجة جيدة.
هكذا نجد أن الفصل الأول جاء مرتبكًا بين تأسيس الشخصيات، وهو ما لم يحدث بشكل جيد، وتأسيس الحبكة التي لم تكن واضحة، وتاهت بين التركيز على أزمة هذين الزوجين بشكل أساسي في البداية ثم الانتقال المفاجئ لأزمة انفصال جميع الأزواج.

النجاح بضيوف الشرف

من الأفلام الأربعة التي كتبها أيمن وتار سنجد في أغلبها عدة مشاهد وحبكات فرعية يمكن حذفها أو تقليصها دون أن يتأثر الفيلم على الإطلاق، هي موجودة بغرض إضفاء المزيد من الكوميديا لكنها غير منسوجة بشكل جيد داخل العمل نفسه. مثل مشاهد الهروب في فيلم “نادي الرجال السري” والذي يستغرق فترة زمنية ليست قصيرة على الشاشة، يظهر خلالها ضيفا شرف قبل أن تُستكمل الأحداث بشكل يجعل مشاهد الهروب السابقة ليست ذات تأثير.
الأمر نفسه يتكرر في “البعض لا يذهب للمأذون مرتين” مع حبكة فرعية تبتلع نصف الفصل الثالث تقريبًا، حينما يذهب خالد لإنقاذ ثريا من السنجابي (عمرو عبد الجليل) الذي اختطفها لتصالحه على زوجته (نسرين أمين). تنتهي هذه الحبكة الفرعية بحوار طويل بين البطلين داخل منطاد في الهواء، مع خلفية من الجرافيك المنفذ بشكل متواضع، ويظن المشاهد أن هذه الحوار/المواجهة سيترتب عليه إما نهاية الفيلم أو التحول الأخير قبل النهاية، لكننا نجد أن هناك مشهدًا لاحقًا يضم مواجهة أخرى مشابهة لهذه، نشعر معها أن هذا الخط الفرعي الخاص بأزمة السنجابي وزوجته لم يُضف أي شيء حقيقي للأحداث إلا بعض الكوميديا.

ينغمس السيناريو في هذا الخط الفرعي، ويترك خطوطًا أكثر أهمية، منها حالة الناس والمجتمع بعد الانفصال، أو حتى أهمية خروج زوجين لإقناع الناس بأهمية الزواج مرة أخرى وكأن الناس التي اختبرت الزواج بالفعل سيكفيها أن تسمع بعض الكلمات من زوجين سعيدين -أو يمثلان السعادة في حالة الفيلم- حتى يعودوا إلى بعضهم.

هذا مأخذ آخر في الأفلام التي يكتبها أيمن وتار، إذ يبدو الاهتمام بصناعة الكوميديا منفصلًا عن صناعة الفيلم كوحدة واحدة. هكذا نجد أن هناك مساحة دائمة في أغلب أعماله لضيوف الشرف، بالتأكيد ليس هذا قرارًا يتخذه كاتب السيناريو وحده، ولكن النتيجة الواضحة أن بعض المشاهد الأبرز والأكثر إثارة للضحك في الفيلم هي المشاهد التي ضمت ضيوف شرف، مثل مشاهد شيكو ومحمد ثروت.

هل ذكرنا في كل ما سبق الشخصية التي لعبها ماجد الكدواني؟ لم نفعل، والسبب أن الشخصية مكتوبة بطريقة صديق البطل الكلاسيكية، الذي ينحصر دوره في صناعة بعض الكوميديا دون أن يكون ذو تأثير حقيقي على الدراما داخل العمل، وهكذا لو أعدنا مشاهدة هذا الفيلم مرة أخرى دون وجود شخصية أنيس محامي الطلاق التي لعبها الكدواني فلن نشعر بفارق كبير، وهذا لا يلغي الحضور القوي للكدواني كممثل والتفاهم الواضح بينه وبين كريم عبد العزيز.

“البعض لا يذهب للمأذون مرتين” محاولة غير موفقة لصناعة فيلم كوميدي عائلي، بالتأكيد هناك بعض اللحظات الكوميدية الجيدة، ولكنها لن تشفع للفيلم بأكمله. ربما سيحافظ هذا العمل على النجاح الجماهيري والتواجد لكريم عبد العزيز، لكنه بالتأكيد خطوة إلى الوراء في الجودة الفنية.