طارق عباس: "قناة السويس" وحدها لا تكفي!

لا أظن أن أبواق التطبيل والتهويل التي لا تتوقف حاليا في بعض وسائل الإعلام -أو معظمها إن شئت الدقة- حول قناة السويس الجديدة ستخدم الدولة والحكومة في المستقبل القريب؛ فالشعب المصري لا يملك رفاهية الصبر وانتظار نتائج الخطط بعيدة المدى، بعد عقود طويلة من الفقر والجهل والمرض بفعل أنظمة سيطر عليها عدد من الأفراد، اغتنموا موارد الدولة ونهبوا خيراتها في بطونهم، ما أدى لثورة يناير للإطاحة بهم، وليس لتغيير وجوههم وبقاء السياسات.

مشروع قناة السويس الجديدة، مشروع عملاق من غير شك، ويحمل الخير بطريقة أو بأخرى لمصر، وتم إنجازه في وقت قياسي بالحسابات والأرقام، لكن ليست مصر مشروع قناة السويس الجديدة فقط، وليس المستقبل فيها وحدها، مصر دولة كبيرة لها موارد أخرى ومقدرات ومجالات عديدة على الحكومة ترويضها لتساهم في قفزة اقتصادية للأمام، طال انتظارها، وكبر حلم المواطنين بها، لكن يلزم لذلك أولا التخلص من الفساد، الذي هو كفيل بطمس معالم مشاريع عملاقة أكبر من قناة السويس الجديدة والقديمة أيضا، فضلا عن أن الشعب ينتظر نتائج على أرض الواقع كما انتظر من المؤتمر الاقتصادي بعد سماع أرقام مهولة ظن أنها ستدر الخير والفرج القريبين على حياته اليومية.

ما فائدة ان تبني وتشيد وتنجز مشاريع قومية، وهناك أيدي تهدم من وراءك بانتظام؟، وهل نبني قناة السويس الجديدة، ونقود الرأي العام –كإعلاميين- نحو مشروع واحد أحد، ونقتل الأمل في أي بوادر تقدم بباقي المجالات؟.. ذلك بالطبع رعونة وعدم تحمل مسئولية وانقياد أعمى، وغياب وعي وخطط، فعلى الجانب الآخر وأنت تجهز لاحتفال عالمي بافتتاح القناة، هناك من يداري خيبة أمله في الإدارة الحكومية بتخفيض ميزانيات التعليم والصحة، وأخيرا الزراعة – حسب ما أشار زميلنا الإعلامي محمد الدسوقي رشدي- في برنامجه “الصحافة اليوم”، نقلا عن صحيفة “المصري اليوم”.

أن تخفض ميزانية التعليم والصحة، فأنت تسير في طريق مظلم لا نهاية له سوى الفشل والاختفاء من خارطة التقدم العالمي والطفرات الاقتصادية المنشودة التي يتحدث عنها الجميع في “مصر الجديدة”، لكن أن تخفض ميزانية الزراعة بأكثر من نسبة 50%، وتكون الميزانية المخفضة من مخصصات البحث العلمي والبحوث الزراعية المتخصصة، فهي طعنة في ظهر أي نظام سياسي، بسكين رئيس حكومته.

الدول المتقدمة التي يشار إليها بالبنان، تخصص ميزانيات محترمة وثابتة، بل ويتم زيادتها بانتظام، للتعليم والصحة والبحث العلمي، فما الفائدة من جيل جاهل مريض ودولة لا تعلم شيئا عن الجديد في العلم والتكنولوجيا ووسائل التطوير والتقدم، بعد عدة أعوام –إن استمرت تلك السياسات- ستحرز مصر تقدما في المركز لكن في نسبة مرضى فيروس سي، وغيره من الأوبئة المزمنة، وستزداد طوابير أصحاب الجهل المدقع اللاإرادي، الذي يقود إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة وانقراض الطبقة المتوسطة التي تشكل حاليا غالبية تعداد السكان.

الدولة لا تحتاج لزيارات ميدانية من رئيس وزراءها لمستشفيات ليتصنّع المفاجأة بحال الصحة بعين، والعين الأخرى تلقي النظرة الأخيرة على ميزانية ظالمة للقطاع الصحي، ولا تتطلب جزاءات وإقالات لقيادات في أي مجال طالما الدولة لا تدعم هذا المجال بالشكل الكافي وتضع العراقيل وتبني السدود بينه وبين التقدم والتطوير.

تصريحان لوزير السياحة ومحافظ القليوبية في أسبوع واحد، كفيلان بتكوين صورة مصغرة لأداء حكومة مهتزة فاقدة للوعي، تسير فقط وفقا لخطوط عريضة لرئيس الدولة، ولا تقدر على صنع قرار رشيد، الأول يصرح أنه سيغلق المطاعم والقرى التي تمنع المحجبات من الدخول، لأنه يريد أن يحول شرم الشيخ والغردقة والقرى السياحية لمصايف “جمصة وراس البر”، – مع كل الاحترام للمحجبات ولجمصة أيضا- ، لكنه ليدعي المثالية يقتل السياحة التي هي من المفترض مصدرا هاما للدخل القومي، لو كان على رأس وزارتها من يعي ذلك ويعمل على استغلال موارد خلابة وأماكن سياحية ومزارات وآثار وغيرها، لكن محافظ القليوبية كان أكثر ذكاء، عندما أعلن أنه يحارب الفساد وسرقة التيار الكهربائي، بإزالة أعمدة الإنارة من الطرق… شكرا.

لمتابعة الكاتب عبر فيس بوك من هنا

اقرأ أيضًا:

طارق عباس يكتب: إلى “محلب”.. متى تستقيل؟

طارق عباس.. “بسمة – عراقي”: إنتوا بتشتغلوا إيه؟!

طارق عباس: ضع كلمة “جنس” في برنامج أو خبر!  

طارق عباس: تقنين الحشيش.. “القلشة” حكمت!

طارق عباس: ريهام سعيد.. تاجرة الآلام

طارق عباس: ضغط الفيسبوك.. صداع في رأس الداخلية!

 .

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا