جوجل انتقدت التقرير.. بيزنس الأخبار الكاذبة يربح المليارات عبر محرك البحث الشهير

أسماء مندور

تُعد محركات البحث أحد المصادر الأساسية للمعلومات في المجتمع، لكنها في الوقت ذاته من أسباب انتشار المعلومات المضللة، لأنه على غرار خوارزميات المواقع الاجتماعية، تتعلم محركات البحث أن تعرف ميولك واهتماماتك من خلال ما تضغط عليه من روابط أنت والآخرون من قبل. ونظرًا لأن الناس ينجذبون إلى كل ما هو جديد ومثير، فإن هذا التوافق والتناغم بين الخوارزميات والطبيعة البشرية يعمل بشكل كبير على تعزيز انتشار المعلومات المضللة.

شركات محركات البحث، مثل معظم الخدمات عبر الإنترنت، تكسب المال ليس فقط عن طريق بيع الإعلانات، ولكن أيضًا عن طريق تتبع المستخدمين وبيع بياناتهم من خلال المزايدة عليها، وغالبًا ما يتم توجيه الناس إلى المعلومات المضللة من خلال رغبتهم في الحصول على أخبار مثيرة ومسلية، بالإضافة إلى المعلومات التي تكون إما مثيرة للجدل أو تؤكد وجهات نظرهم، حيث وجدت إحدى الدراسات أن مقاطع الفيديو الأكثر شيوعًا على يوتيوب حول مرض السكري في الغالب لا تحتوي على معلومات صحيحة طبيًا حول هذا المرض، وأن بعض مقاطع الفيديو الأقل مشاهدةً حول هذا الموضوع ربما تنطوي على معلومات أكثر دقة.

نرشح لك: تقرير يرصد أبرز 10 خبراء للسوشيال ميديا في 2021

ويؤكد التقرير المنشور في موقع thenextweb أن محركات البحث التي تعتمد على الإعلانات، مثل منصات السوشيال ميديا، تم تصميمها لزيادة النقر على الروابط التي تجذب المستخدم، لأنها تساعد شركات البحث على تعزيز مقاييس أعمالها، وتؤكد دراسة عن أنظمة البحث والتوصية أن هذا المزيج الخطير من الدافع الربحي لشركات محركات البحث والاستعداد الفردي يجعل حل المشكلة أمرًا صعبًا.

كيف تخطئ نتائج البحث؟!

عند النقر فوق إحدى نتائج البحث، تعرف خوارزمية البحث أن الرابط الذي نقرت عليه مناسب لاستعلام البحث الخاص بك، وهذا ما يسمى التغذية الراجعة ذات الصلة بالموضوع، حيث تساعد هذه الملاحظات محرك البحث في إعطاء أهمية أكبر لهذا الرابط عن هذا البحث في المستقبل، بمعنى أنه إذا نقر عدد كبير من الأشخاص على هذا الرابط مرات كافية، فسيبدأ موقع الويب هذا في الظهور بشكل أعلى في نتائج البحث والاستعلامات ذات الصلة بهذا الموضوع.

لكن من المعروف أن الأشخاص يضغطون على الروابط التي تظهر في أعلى قائمة نتائج البحث، لذا فهناك جانبان لمشكلة المعلومات المضللة؛ الأول هو كيف يتم تقييم خوارزمية البحث، والثاني كيف يتفاعل البشر مع العناوين والمقتطفات الرئيسية؟

الإجابة ببساطة هي أنه يتم الحكم على محركات البحث، مثل معظم الخدمات عبر الإنترنت، باستخدام مجموعة من المقاييس، أحدها هو تفاعل المستخدم، فمن مصلحة شركات محركات البحث أن تقدم لك ببساطة الأشياء التي تريد قراءتها أو مشاهدتها أو النقر عليها، لذلك نظرًا لأن محرك البحث أو أي نظام توصية يقوم بإنشاء قائمة بالعناصر المراد تقديمها، فإنه يأخذ في الحسبان احتمالية النقر فوق العناصر.

كيف تستفيد المواقع الإخبارية المزيفة من إعلانات جوجل؟!!

قال تقرير جديد نشره موقع Financial Times إن مواقع التضليل الرائدة في أوروبا، بما في ذلك تلك التي تروج لأخبار كاذبة، تواصل جني الأرباح من الإعلانات التي تضعها جوجل، حيث أكد التقرير أن المواقع الإخبارية الأوروبية المزيفة تكسب حوالي 75 مليون دولار من الإعلانات سنويًا، معظمها تضعه جوجل.

والدليل على ذلك أن جوجل وضعت إعلانًا لمنظمة العفو الدولية على موقع NewsFront الإسباني المضلل، بجانب مقال يزعم أن الولايات المتحدة تلقي باللوم على “روسيا الشريرة” في تفشي فيروس كورونا. هذا بالإضافة لإعلان آخر، لمتاجر الأثاث بالتجزئة على الإنترنت، تم وضعه بواسطة AppNexus على موقع سبوتنيك الإخباري المرتبط بالكرملين بجوار مقال عن الولايات المتحدة التي تروج لمجموعات من المتعاونين النازيين في أوروبا الشرقية.

ومن جانبها انتقدت جوجل نتائج التقرير ومنهجيته، قائلةً أن هذا التقرير لا يذكر ما يُعرّف بأنه معلومات مضللة، ولا يقدم القائمة الكاملة للنطاقات التي تم أخذ عينات منها، كما أن تقديرات الإيرادات أيضًا غير مدروسة ولا تمثل بدقة كيف يربح الناشرون الأموال على منصاتنا الإعلانية، هذا إلى جانب السياسات الصارمة التي نتخذها ضد المحتوى المضلل، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، استثمرنا موارد كبيرة في رفع مستوى المحتوى عالي الجودة من مصادر موثوقة.

استمرار الشراكة وإخفاء الهوية:

ومع ذلك، فقد وجد تحليل جديد لمنصات عرض الإعلانات في جوجل أن جوجل تواصل تحقيق دخل كبير من خلال وضع الإعلانات على مواقع الويب المسؤولة عن الأخبار المزيفة، حيث تسمح جوجل بحدوث ذلك بطريقتين مختلفتين؛ الأولى أن تستمر الشركة في الشراكة مع المواقع الحزبية التي غالبًا ما تنشر معلومات غير دقيقة، والثانية أن تسمح للناشرين بإخفاء هوياتهم عن المعلنين حتى تتمكن من الاستمرار في وضع الإعلانات على هذه المواقع المجهولة.

وبتحليل عينة من 1255 موقعًا إخباريًا حزبيًا دخلت في شراكة مع جوجل، وجدت النتائج أن 184 منها، أي بنسبة 15 بالمائة، قد أخفت أسمائها عن المعلنين من خلال ميزة إخفاء الهوية من جوجل.

كانت تلك المواقع مربحة بشكل غير عادي، ووجد التحليل أن الناشرين المجهولين ساهموا بأكثر من ثمانية أضعاف الإيرادات لكل ناشر مقارنة بالناشرين غير المجهولين. في الواقع، كانت هذه المجموعة الفرعية الصغيرة من مواقع الويب مسؤولة عن ما يقدر بنحو 60 بالمائة من عائدات إعلانات جوجل من العينة.

لا تذكر جوجل سبب منح مثل هذه المواقع أدوات لإخفاء هوياتها عن المعلنين. إنها تقول ببساطة إن بعض المواقع “تختار تقديم هذه المواضيع بشكل مجهول وعدم الكشف عن أسماء مواقعها للمعلنين لأسباب مختلفة.

يشير التحليل إلى سبب واحد محتمل وهو المال، ووفقًا لتحليلنا للمواقع الإخبارية، من المحتمل أن تحقق جوجل أرباحًا كبيرة من الناشرين اليمينيين المتطرفين للأخبار المزيفة على شبكتها الإعلانية المهيمنة، مستغلة الثغرات في شروط الخدمة والشفافية المحدودة حول ناشريها.

ووجدت الدراسة أيضًا أن ناشري المحتوى اليمينيين في العينة، والذين غالبًا ما كانوا مسؤولين عن نشر محتوى مضلل للغاية، حققوا ما يقدر بنحو 68 في المائة من أرباح جوجل من مواقع الويب في العينة- أو 48.8 مليون دولار. في المقابل، حقق ناشرو المحتوى اليساري ما يقدر بـ 4 في المائة من الإيرادات السنوية من المواقع الإخبارية، بناءً على استقراء لـ1255ناشرًا مدرجًا في الاستطلاع.

وكانت مواقع الويب شديدة الحزبية واليمينية مثل Breitbart و Drudge Report و The Daily Mail ، والتي عادة ما تنشر محتوى مشكوكًا فيه للغاية وذات عقلية متآمرة، من أفضل الناشرين المدرين للإيرادات في العينة.

باختصار، تعتبر الأخبار المزيفة المتحيزة للغاية والمحافظة نشاطًا تجاريًا مربحًا للغاية لشركة جوجل، مما قد يفسر سبب استمرارها في الشراكة معهم ويوفر لهم القدرة على إخفاء هوياتهم عن المعلنين، ومن الجدير بالذكر أيضًا أن شروط خدمة جوجل لا تحظر الأخبار المزيفة، بما في ذلك نظريات المؤامرة وغيرها من المحتويات المضللة، ولا تميز آلية المتابعة للمعلنين الأخبار المزيفة عن الصحافة عالية الجودة.

ردود أفعال جوجل:

ومن جانبها- وفي مواجهة احتجاج من الجمهور وكبار المعلنين- تعهدت جوجل مرارًا وتكرارًا بمنع المواقع الإخبارية المزيفة من استخدام شبكتها الإعلانية المهيمنة للاستفادة من نظريات المؤامرة والمواد البغيضة والأكاذيب الصريحة، حيث قالت جوجل في بيان: “من الآن فصاعدًا، سنقيد عرض الإعلانات على الصفحات التي تحرف المعلومات أو تحرف أو تخفي معلومات عن الناشر أو محتوى الناشر أو الغرض الأساسي من موقع الويب”.

واستجابةً منها لشكاوى استمرار ظهور الإعلانات جنبًا إلى جنب مع محتوى يحض على الكراهية، طرحت جوجل المزيد من الخيارات للمعلنين في ربيع عام 2017، وقالت: “بدءًا من اليوم، نتخذ موقفًا أكثر صرامة بشأن المحتوى الذي يحض على الكراهية والإساءة والازدراء”، “يشمل ذلك إزالة الإعلانات بشكل أكثر فعالية من المحتوى الذي يهاجم أو يضايق الأشخاص على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو الفئات المماثلة”.

كيف تعمل منصة الإعلانات من جوجل؟!!

شبكة جوجل الإعلانية عبارة عن شبكة تضم أكثر من مليوني موقع ويب وتطبيق يقوم بعرض الإعلانات من خلال جوجل، بحيث يشتري المعلنون إعلانات لعرضها على هذه الشبكة من خلال AdWords و DoubleClick، وتشترك معها جوجل لعرض إعلانات من الشركات على صفحاتها وتطبيقاتها ومقاطع الفيديو الخاصة بها.

فالإعلان على هذه الشبكة هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى أرباح جوجل، والنظام الأساسي الذي تستخدمه المواقع الأعضاء في شبكة جوجل الإعلانية لبيع مساحة إعلانية، مما يولد عائدًا عندما يشاهد زوار الموقع الإعلانات أو ينقرون عليها. وفي الربع الأول من عام 2017، على سبيل المثال، حققت جوجل إيرادات تزيد عن 4 مليارات دولار أمريكي من الإعلانات الموضوعة على مواقع في الشبكة، وهو ما يمثل 16.4 بالمائة من عائداتها العالمية.

يوضح التقرير أيضًا أن سياسة جوجل مليئة بالثغرات الكبيرة التي فشلت الشركة حتى الآن في معالجتها وأن جوجل قامت بتوسيع سياسة المحتوى الذي يحض على الكراهية لتقييد “المحتوى الخطير أو المهين”، بما في ذلك الكلام الذي يحض على الكراهية الذي يستهدف مجموعات معينة، بالإضافة إلى أن شروط الخدمة الخاصة بها لا تقيد الناشرين من الترويج لمعلومات مضللة، بما في ذلك المحتوى التآمري والمزيف كما هو الحال غالبًا في المواقع الحزبية.

الخلاصة من ذلك أنه من المهم أن يفهم الناس كيفية عمل هذه الأنظمة وكيف يجنون الأموال. وبخلاف ذلك، فإن اقتصادات السوق والميل الطبيعي للناس للانجذاب إلى الروابط المثيرة والأخبار الغريبة سيبقى الحلقة المفرغة المستمرة.