أعز الولد.. كوميديا صنعتها ثلاثة أجيال

رباب طلعت

عرضت منصة “شاهد vip” الفيلم الكوميدي “أعز الولد” أولى تجارب المخرجة سارة نوح وتأليف شريف نجيب وجورج عزمي، قبل طرحه في دور  العرض السينمائية وبالتزامن مع الاحتفال بعيد الأم، وسجل الفيلم الظهور الأخير للفنانة الراحلة رجاء الجداوي التي أهدى لها صناع الفيلم إهداء خاصًا في نهايته.

ثلاثة أجيال وحياة واحدة 

قدم الفيلم حالة كوميدية بامتياز على مدار ساعة ونصف، صنعتها المواقف وحدها وليست “الإفيهات” كالمعتاد مؤخرًا في أغلب الأعمال الكوميدية، مما يلغي الإحساس وقت العرض لدى المشاهد الذي يتفاجئ بنهاية العمل فيشعر كإنه يريد المزيد، خاصة أن الروح السائدة على المشاهد لم تميزها الكوميديا فقط بل التناغم الكبير بين الأجيال الثلاثة المختلفة: الجيل الأكبر جسدته الجدات (ميرفت أمين ودلال عبد العزيز وشيرين وإنعام سالوسة) ومديرة المدرسة الفنانة الراحلة رجاء الجداوي، ورئيس العصابة سامي مغاوري، والأوسط كان الآباء والأمهات (أروى جودة وعمرو سلامة وأمينة خليل وريهام عبد الغفور وإنجي المقدم وعمرو يوسف) والضابط محمد شاهين، وخاطفي الأطفال (محمود الليثي وعلي قنديل) والأحفاد (آدم رامي ومالك عماد وكريم بسيوني وجوليانا محمد فاروق وإنجي حسام).

نرشح لك: أعز الولد.. حينما ترسم لوحة فنية عنوانها “البساطة”

وعلى الرغم من الفارق الكبير بين عوالم الأجيال الثلاثة وطباعهم واهتماماتهم إلى أن ذلك الفارق كان عنصر جذب دعم العمل حيث إنه كان انعكاسًا ناجحًا للتدرج الطبيعي في أي أسرة، ولم تلمس القصة فقط العلاقة بين الأحفاد والجدات ولكن أيضًا علاقة الجدات بأبنائهم والأولاد بأمهاتهم وأبنائهم الأطفال، وعلى الرغم من تعقيد شجرة العلاقات تلك إلا أنها ظهرت في العمل بسلاسة ووضوح دون الدخول في أية تفاصيل، فلا حاجة لمعرفة تاريخ العلاقة بين دلال عبد العزيز وابنها وتأثيرها على قرار انفصاله من زوجته فذلك يظهر جليًا من تصرفاته وشخصيته المهزوزة، على عكس طليقته ذات الحضور القوي الذي يهدد شخصية الجدة المتسلطة، وعلى الرغم من ذلك التوتر الثلاثي إلا أنه لا يؤثر على علاقة الجدة بالحفيد ولا العكس، فالمحبة بينهما أكبر، وكذلك التوتر بين ميرفت أمين وابنتها، على عكس العلاقة الطيبة بين شيرين وابنتها، وإنعام سالوسة وابنها.

عكس الفارق بين الأجيال الثلاثة أيضًا الاختلافات فيما بينهم في الكثير من المواقف، والاختلاف بين كل فرد في الجيل الواحد، فمثلًا الحب الطفولي الذي جمع بين الطفلين (حسن وفريدة) استنكرته جدة “حسن” -دلال عبدالعزيز – المتسلطة والمحافظة التي ترفض من الأساس علاقات الحب، حيث إنها تزوجت عن غير حب، ولكنها كانت زوجة وأم وفية ومخلصة، ومثلها جدة “شادي” -شيرين- التي رفضت الزواج من القبطان الذي يحبها خوفًا من كلام الناس، إلا أن انفتاح شخصية جدة “فريدة” -ميرفت أمين- وشخصية جدة -نورا وسيف- المغامرة أقنعاهما بأهمية احترام ذلك الحب وقدسية ذلك الشعور الذي لا يجب الخجل منه، فقبلت شيرين الزواج من القبطان في النهاية، وطلبت دلال من حفيدها أن يعطي الهدية لصديقته.

ذلك الاختلاف أيضًا ظهر في شخصية الأطفال، فـ”شادي” مغامر وذو شخصية قوية عكس جدته شيرين تمامًا، و”حسن” هادئ الطباع وحساس عكس جدته دلال عبدالعزيز، أما “فريدة” فمثل جدتها جميلة ورقيقة، ونورا وسيف حضورهم خفيف على عكس شخصية جدتهم إنعام سالوسة المغامرة، وكذلك الجيل الأوسط جيل الآباء، فظهر الاختلاف بينهم بشكل كبير أيضًا، وتلك الاختلافات لها علاقة وطيدة أيضًا بشخصيات أمهاتهم في إسقاط واضح على أن شخصية الجدة لها التأثير الأكبر على الأبناء والأحفاد، فأمينة خليل والدة “فريدة” عنيدة مثل والدتها ميرفت أمين، وعمرو سلامة والد “حسن” ضعيف الشخصية عكس شخصية والدته دلال عبدالعزيز وطليقته أروى جودة، وشخصية عمرو يوسف متأثرة بشكل كبير بوالدته زوجة العقيد إنعام سالوسة التي تتعامل وكأنها “جيمس بوند” فعلى الرغم من إنه ليس ضابط في الشرطة ولكن منذ اللحظة الأولى لظهوره تعتقد عكس ذلك حتى إن الضابط المسؤول عن التحقيق في خطف الأولاد ظن ذلك بسبب طريقته في إعطاء الأوامر له، أما إنجي المقدم فشخصيتها مهزوزة بشكل كبير مثل والدتها شيرين.

البطولة الجماعية ليست حكرًا على الشباب فقط

لسنوات طويلة ارتدت العروض الكوميدية والبطولة الجماعية عباءة الشباب، فنادرًا ما نجد عملًا يستفيد من خبرات النجوم الكبار إلا كأدوار مساعدة، وباستثناء النجمين الكبيرين عادل إمام ويحيى الفخراني، اللذان لا يزالا يقدمان الكوميديا ضمن أعمالهما الرمضانية، فلم نشهد تواجدًا للجيل الأكبر من الفنانين في بطولة جماعية وعمل كوميدي مثل “أعز الولد”، وهو العمل الذي أظهر بأننا في حاجة كبيرة لتكرار مثل تلك التجربة المميزة، فالبطولة ليست حكرًا أبدًا على النجوم الشباب، أو النجم صاحب البطولة الفردية، فهناك ممثلين وممثلات من الجيل الأكبر لا يزال لديهم الكثير ليقدموه لنا، ونحن في حاجة كبيرة لمثل ذلك العطاء، وذلك التناغم النادر بين بطلات العمل الجدات ورئيس العصابة سامي مغاوري ومديرة المدرسة رجاء الجداوي.

عندما يكتشف العمل مواهب الأطفال

بجانب تميز الحوار الذي كتبه شريف نجيب وجورج عزمي، البعيد عن التكلف والإسفاف، والمتناسب تمامًا مع عمر الأطفال، حيث إنهم ظهروا كما نعرف الطفولة ببرائتها وأسلوبها البسيط في الكلام والتلقائية في التعبير عن مشاعرهم، جاء تسكين الأدوار ناجحًا ومناسبًا تمامًا، فالمخرجة سارة نوح نجحت في اكتشاف 5 أطفال أخص بالذكر منهم من جسد دور “حسن”، و”شادي” و”فريدة” فقد جسد كل منهم دوره كما “يقول الكتاب” فبراءة “حسن” وشجاعته وهو يطلب من الخاطف أن يقطع إصبعه بدلًا من “فريدة” واحتماء الطفلة به، ومحاولته إلهاء الخاطفين كي يتمكن أصدقائه من تنفيذ خطة “شادي” للهروب، ومشهد محاولة “شادي” مساعدة مشرفة حافلة المدرسة في مصاريف المنزل بما يتناسب مع عمره الأكبر بقليل من “حسن”، و”فريدة”، وحزن “فريدة” على عدم حضورها حفل عيد ميلادها بسبب اختطافها، كانت مشاهد شديدة التلقائية وتناسب أعمارهم تمامًا، وهو الأمر الذي صار نادرًا في الأعمال الدرامية حيث يعتمد الكثير منها على أسلوب حوار وتصرفات ومشاهد أكبر من سنهم بكثير.