ليس بالفلافل يتحقق التطبيع.. كيف استغلت إسرائيل نجوم السوشيال ميديا لاستمالة العرب؟

 

محمد إسماعيل الحلواني

قد يبدو غريبا بعض الشيء، أن تحتفل صفحة تديرها وحدة الدبلوماسية الرقمية التابعة للخارجية الإسرائيلية بذكرى عيد ميلاد الفنانة الراحلة “شادية” الـ 90، مطالبةً متابعيها بألا يستغربوا أن “لشادية” مئات الآلاف من المعجبين في إسرائيل.

وأضافت الصفحة في منشورها أن “الفن يتخطى الخلافات والحدود الجغرافية”. ولكن صحيفة تليجراف البريطانية أوضحت الإطار العام لمثل هذه المنشورات، وسلطت الضوء على دور المؤثرين الإسرائيليين الشباب الناطقين بالعربية في إدارة زمام الأمور من أجل كسب العرب في الإمارات والبحرين وخارجهما بعد اتفاقيات إبراهام التطبيعية.

نرشح لك: بفضل المشاهير.. أغلفة المجلات الأمريكية تقاوم الطوفان الرقمي

ووفقًا لتليجراف، نشرت إسرائيل بالفعل “وحدة” من نجوم النخبة ومؤثري السوشيال ميديا الناطقين باللغتين العربية والفارسية بهدف إحداث اختراق وبناء صداقات مع مواطني الدول العربية والإسلامية وتحذيرهم من مخاطر إيران.

وأشارت تليجراف إلى المخبأ الرقمي، المعروف رسميًا باسم “وحدة الدبلوماسية الرقمية” بمقر وزارة الخارجية الإسرائيلية، حيث يعمل فريق من الشباب الذين يتحدثون لغاتٍ متعددة وتمكنوا من جذب ملايين المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة مثل فيسبوك وتويتر وإنستجرام وسناب شات.

ونشطت الوحدة الإسرائيلية بشكل خاص في أعقاب معاهدات التطبيع الإسرائيلية الأخيرة مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، والتي خلقت موجة جديدة من التفاؤل لدى حكومة نتنياهو بشأن تعايش اليهود والمسلمين في الشرق الأوسط.

زادت وحدة الدبلوماسية الرقمية المسؤولة عن تطبيع السوشيال ميديا من نشاطها وإنتاجها بنسبة 20 في المائة منذ توقيع اتفاقيات أبراهام برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وسجلت الصفحات التي تديرها مجتمعةً، أكثر من 800 مليون مشاهدة منذ 1 يناير 2021 أي ما يقرب من ضعف الرقم الذي سجلته نفس الصفحات في 2019.

وتركز الوحدة عبر صفحاتها وحساباتها العديدة، على نشر القوة الناعمة لتعريف العرب بوجهات النظر الإسرائيلية بشأن القضايا الأمنية الرئيسية، مثل التهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني والعدد المتزايد من الميليشيات التي تعمل بالوكالة في المنطقة.

وقال: “يوناتان جونين”، 34 عامًا، رئيس فريق اللغة العربية في وحدة السوشيال ميديا: “إن اتفاقات التطبيع تُعد نقطة تحول كبيرة”، مضيفًا أن جهود وحدته قد ساهمت في الوصول الناعم إلى اتفاقيات إبراهام.

وأضاف جونين: “لولا السوشيال ميديا، ما كنا لنتمكن من الوصول إلى مثل هذا الجمهور الكبير في العالم العربي، لأن إسرائيل ليس لديها علاقات رسمية مع معظم الدول العربية، ومعظم وسائل الإعلام العربية معادية للغاية لنا نحن اليهود”.

“إسرائيل تتكلم بالعربية” في المقدمة

يعتبر جونين المنصة الأكثر نجاحًا حتى الآن هي صفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية” على فيسبوك، والتي تضم 2.4 مليون متابعًا. وحظي أحد المنشورات الأخيرة على الصفحة بأكثر من 10 آلاف إعجاب، وتعرض الصفحة صورًا لمجموعة مبتهجة من العرب، إحداهن ترتدي الحجاب، وتجلس في مطعم في دبي مع سائحة إسرائيلية مع تعليق يقول: “لغتنا مختلفة وأصولنا متنوعة لكننا جميعًا بشر”.

وفي تدوينة أخرى، على صفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية” على إنستجرام، نشرت المؤثرة “سابير ليفي” صوراً لها وهي تحمل أعلام إسرائيل جنبًا إلى جنب مع أعلام بعض الدول العربية، إلى جانب صور لأطباق إسرائيلية شهيرة.

المحتوى السياسي المغلف

من يقوم بالتمرير لأسفل قليلاً، سيجد المزيد من المحتوى المشحون سياسيًا، مثل رسالة تحث العرب على اعتبار النظام الإيراني تهديدًا وجوديًا للاستقرار في الشرق الأوسط.

وعلى فيسبوك، تتعمد الصفحات الإسرائيلية نشر صور لمناظر طبيعية ساحرة من السعودية والإمارات جنبًا إلى جنب مع صور أخرى للأنقاض من دول عربية يتمتع فيها وكلاء إيران بالنفوذ، مثل سوريا والعراق واليمن. ويحذر التقرير من أن “هذه هي النتيجة في البلدان التي تتدخل فيها إيران”.

وقال جونين: “لا يمكننا فقط نشر محتوى عن الفلافل، هذا لن يكفى. لذلك نحن نجمع بين المحتوى الناعم والمحتوى الدبلوماسي السياسي. نريد أن نظهر للعالم العربي أن لدينا تحديًا مشتركًا، ليس فقط مع النظام الإيراني ولكن أيضًا في التنمية الإقليمية”.

وتدير وحدة الدبلوماسية الرقمية حسابات التواصل الاجتماعي الفارسية التي تصل إلى حوالي مليون مستخدم في إيران، العدو اللدود للدولة اليهودية. وقال “يفتاح كورييل”، رئيس الوحدة إنهم يريدون أن يُظهروا للإيرانيين أنهم ليسوا “أعداء لإسرائيل” وأن هناك تعاطفًا واسع النطاق مع أولئك الذين يعانون من الخراب الاقتصادي والقمع في طهران.

وفي الوقت نفسه، يوجد ما يصل إلى ثلث متابعي الصفحات التي تديرها الوحدة البالغ عددهم 400 ألف على تويتر في السعودية وحدها، أقوى دولة خليجية والتي قد تتبع الإمارات قريبًا في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

داخل وحدة السوشيال ميديا، يقوم عدد قليل من الموظفين -معظمهم يعملون من المنزل بسبب وباء كوفيد-19- بالنقر على لوحات المفاتيح أثناء قيامهم بنشر التغريدات ومشاركات إنستجرام ومقاطع فيديو على تيك توك جميعها تروج لمواقف تتبناها دولة إسرائيل.

وقال جونين إن الرسائل الخاصة من المستخدمين العرب كانت ممتلئة بالحماس مؤخرًا بعد الترويج لقصة إخبارية عن علماء إسرائيليين ينجحون في إعادة النظر لرجل بزراعة قرنية اصطناعية.

قال جونين: “يريد الناس أن يعرفوا سبب نجاح إسرائيل، وهم مدفوعون بفضول كبير”، مضيفًا أن العديد من الرسائل جاءت من عرب مكفوفين يرغبون في الحصول على نفس العلاج الطبي.

في حين أن الكثير من إنتاج وحدة الدبلوماسية الرقمية يركز على دول الخليج، وبشكل متزايد على المغرب، فإن الجهود جارية أيضًا لجذب الفلسطينيين في الضفة الغربية.