متى ظهر "العنتيل" في الصحافة المصرية؟

إيمان مندور

جدل كبير أثير خلال الأيام الماضية بسبب واقعة تقدم زوج ببلاغ يتهم فيه زوجته، طبيبة بيطرية بمدينة المحلة، بالزنا وممارسة الرذيلة، مستعينا بعشرات الفيديوهات الجنسية، لتكشف تحقيقات النيابة أن هذه الاتهامات تحمل شبهة كيدية.

بخلاف القصة في حد ذاتها، والتي شهدت ساحات القضاء مثيلاتها بالطبع، لكن الأزمة هذه المرة كانت في الانتقادات التي وُجهت للصحافة بسبب تناولها للقضية تحت عنوان “عنتيلة المحلة”، وهو ما اعتبره البعض إساءة للسيدة التي لم تثبت التحقيقات بعد صحة الاتهامات ضدها، بل على النقيض الشبهة الأكبر في براءتها وكيدية البلاغ من الزوج، فما قصة هذا المصطلح؟ وهل له أصل في اللغة؟ ولماذا يتم استخدامه بكثرة في الصحافة إسقاطا على القضايا الجنسية تحديدا؟ وما أبرز القضايا التي تم استخدامه خلالها إعلاميا؟

نرشح لك: بيان نقابة طب الأسنان بشأن واقعة الطبيب المتحرش

الأصل اللغوي

ذكرت العديد من المواقع الإلكترونية والقبطية أن كلمة “عنتيل” لها أصل في اللغة الفرعونية القديمة “الهيروغليفية”، حيث تعرف الكلمة بـ”آنتوري”، والتي تعني الرجل الناضج، ثم تحوَّلت في العصر القبطي إلى “عنتوري”، والتي تشير إلى الرجل القوي، لكن الدكتور أحمد بدران أستاذ اللغة المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة، أكد لـ إعلام دوت كوم أن كل ما تم تداوله في هذا الشأن غير صحيح، وأن هذه الكلمة ليس لها جذور في اللغة المصرية القديمة، سواء الخط الهيروغليفي أو الهيروطيقي أو الديموطيقي أو القبطي في العصر المتأخر.

أشار “بدران” إلى أن هذه الكلمة لم تتواجد بمفهومها الدراج الآن في اللغة المصرية القديمة على الإطلاق، لأن المفهوم نفسه ودلالة الكلمة التي تعني الجرائم الجنسية لم تكن موجودة لدى المصري القديم، وبالتالي ليس لها جذر أو اشتقاق لفظي، مضيفا: “كلمة عنتيل ليس لها وجود في المصادر ولا النصوص ولا المعاجم المصرية القديمة، حتى المعنى نفسه لم يكن موجودا، فقد كان لدى المصريين القدماء تعدد في الزواج، لكن ليس في العلاقات النسائية أو ما يعرف الآن بالجرائم الجنسية، وحتى إن كان هناك ذلك فغير معروف، ولم يتم ذِكره، فمن الصعب أن يدوِّن المصري القديم الأحداث المشينة، لذلك لم يتواجد أي إشارة لهذا المعنى في اللغة”.

أما في اللغة العربية، فيوضح الكاتب الصحفي حسام مصطفى إبراهيم، مؤسس مبادرة “اكتب صح”، لـ إعلام دوت كوم، أنه بحسب القاموس المحيط، فإن “العُنْتُلُ” أي الصلب الشديدُ، عنْتَلَ الشيءَ: خَرَّقَهُ قِطَعًا، والضِّباعُ العَناتِلُ: التي تُقَطِّعُ الأكِيلَةَ قِطَعًا، لذلك يبدو أن الكلمة حُوِّرت من هذا الأصل اللغوي. وفي المخيلة الشعبية، وقبل ارتباط الكلمة بالجرائم الجنسية، كانت تُطلق على الرجل القويّ عمومًا، الذي لا يهمه شيء و”يفوت في الحديد”.

وانطلاقا من المعنى المرتبط بالجرائم الجنسية، فإن الدكتورة هبة قطب، خبيرة العلاقات الأسرية، تشير إلى أن كلمة “عنتيل”، الشائعة اجتماعيًا، تعني الرجل شديد الفحولة، الذي لا ينقطع عن اشتهاء النساء والميل جنسيا لهن، لافتة إلى أن “العنتلة” قد تتحول لمرض نفسي حال مفاخرة “العنتيل” بأفعاله والسعي لتوثيقها.

الخلاصة أن الكلمة تحوَّلت من إشارة لقوة ونضج الرجل، حتى وصلت إلى “عنتيل”، التي تعني “زير النساء” الذي تتعدد علاقته الجنسية، لكن في الصحافة أصبحت لقبا للأشخاص الذين يصوّرون أنفسهم في أوضاع مخلّة، ثم تتسرّب هذه الصور والفيديوهات بطريقة أو بأخرى إلى مواقع الإنترنت ومن ثمَّ إلى النيابة وساحات القضاء.

“عنتيل” الصحافة

شعبية الكلمة وتداولها في الشارع المصري بدأ منذ مطلع عام 1996، بسبب فيلم “استاكوزا”، حيث جسّد الفنان الراحل أحمد زكي شخصية “عباس العنتيل”، الذي وُصف بهذا اللقب كناية عن فحولته الشديدة، وعلاقاته النسائية الواسعة.

أما صحفيا، فمن الصعب معرفة التاريخ الدقيق للمرة الأولى التي استخدم فيها هذا اللقب في الصحافة المصرية، أو معرفة الشخص أو الجهة التي أطلقته على مثل هذه القضايا لأول مرة، لكن بداية شيوع الكلمة إعلاميا كان في عام 2014 الذي شهد أربع قضايا جنسية أثارت الرأي العام، أولها قضية عنتيل المحلة”، الذي تم تداول فيديوهات تظهر ممارسات مخلّة له مع عدد من السيدات وحكم عليه بالسجن 3 سنوات، تلاه “عنتيل إيتاي” الذي تم ضبطه في إحدى قري مركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة، وبحوزته فيديوهات جنسية تجمعه بعدد من السيدات، وتمت إحالته للمحاكمة، ثم “عنتيل دمنهور”، و”عنتيل الغربية”، الذي ظهر في مدينة السنطة تحديدا، وعرف أيضا بلقب “عنتيل النور” إذ كان ضمن الشيوخ المحسوبين على التيار السلفي، وتم اتهامه بممارسة الزنا مع نساء بعضهن قاصر، وتصويرهن على غير علمهن، ليتم كشف أمره بالصدفة أثناء تغييره نسخة “ويندوز” لجهاز الكمبيوتر الذي يمتلكه.

ومنذ هذا العام وحتى الآن، لا تزال الصحافة تستخدم هذا المصطلح مع كل القضايا المشابهة، إلا أن تأنيث الكلمة كان بدايته مع القضية التي عرفت إعلاميا بـ”عنتيلة كفر الشيخ” وتعود أحداثها إلى شهر سبتمبر الماضي، حينما حرر جزار، محضرًا بقسم أول شرطة كفر الشيخ، متهمًا زوجته بالزنا والظهور في 73 فيديو إباحيًا، وقدم للنيابة العشرات من المكالمات الجنسية لها، تلاها القضية الأخيرة لسيدة المحلة، التي لا تزال قيد التحقيقات.

ومع الهجوم الأخير بسبب استخدام الصحافة لهذا المصطلح في الجرائم الجنسية، فهل يتم التوقف عن استخدامه؟ أم تداوله فقط بعد الحكم في القضايا لا أثناء التحقيقات؟ أم تستمر الأمور على ما هي عليه دون الاكتراث بالأضرار التي قد يسببها للمتهمين؟… الأيام المقبلة تحمل الإجابة بالتأكيد.