تعامل وسائل الإعلام مع حادث اقتحام الكونجرس

محمد إسماعيل الحلواني

على مدار 228 سنة، اعتدنا أن نقرأ كلمة “الكابيتول”، المقر الدائم للسلطة التشريعية الأمريكية بغرفتيها، في عناوين التقارير الصحفية ومتنها عندما ينصب الاهتمام على قرارات الكونجرس الأمريكي وتأثيرها مثل إعلان الحرب العالمية الثانية أو إعلان انتهائها، أو الاعتراف بالإبادة الجماعية أو فرض عقوبات على دولة في الشرق أو أخرى في الغرب.

نرشح لك: صحفية بريطانية تكشف كيف حاول ترامب تدمير حياتها المهنية

الصدمة
ولكن أن يتحول المبنى الأمريكي التاريخي، الذي شيّد في عام 1793، وأحد المقرات الحكومية الأكثر تأمينًا في العالم إلى بؤرة اهتمام الخبر، فهذا ما كان كافيًا لإصابة كافة وسائل الإعلام الأمريكية والغربية بالصدمة والفزع.

تاريخ مبنى الكابيتول مع الاعتداءات
لم يكن اقتحام أنصار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته لمقر الكونجرس ومجلس النواب الأول من نوعه في تاريخ المبنى العريق، ومن هذه الزاوية أبرزت صحيفة الجارديان حوادث أخرى تعرض لها الكابيتول قبل 200 سنة؛ عندما أضرمت القوات البريطانية فيه النيران عام 1814 في إطار هجوم حربي أوسع على واشنطن التي اضطر سكانها للنزوح إلى المدن المجاورة قبل وصول السفن الحربية البريطانية التي استهدفت المباني التابعة للحكومة الفيدرالية.

كما شهد تفجيراتٍ ومحاولة اغتيال رئاسية. أثناء جنازة عادية في يناير 1835، حاول رسام عاطل عن العمل يدعى “ريتشارد لورانس” إطلاق النار على الرئيس الأمريكي السابق “أندرو جاكسون”، ولكن الرصاصة لم تنطلق من مسدس لورانس.

وخلال الحرب العالمية الأولى، زرع البروفيسور “إريك مونتر” قنبلة منزلية الصنع في غرفة استقبال مجلس الشيوخ، وانفجرت قرب منتصف الليل ولم تسفر عن وقوع إصابات.

في عام 1954، دخل أربعة انفصاليين من بورتوريكو وكانوا مسلحين أرض مجلس النواب وأطلقوا النار بشكل عشوائي على عدد من النواب، مما أدى إلى إصابة خمسة منهم.

في مارس 1971، قصفت جماعة Weather Underground اليسارية مبنى الكابيتول احتجاجًا على عمل عسكري أمريكي في لاوس، مما تسبب في خسائر تقدر بمئات الآلاف من الدولارات، لكنها لم تسفر عن وفيات.

وفي نوفمبر 1983، زرعت قنبلة احتجاجًا على الجهود العسكرية الأمريكية في جرينادا ولبنان، وانفجرت القنبلة دون التسبب في وقوع إصابات أو وفيات.

ما هو العامل الفريد في اقتحام الأربعاء؟

إلا أن أحداث الأربعاء، وإن لم تكن الأولى، كانت فريدة من نوعها لسبب واضح وهي أنها جاءت استجابة لتحريض الرئيس الأمريكي، الذي لا يزال رسميًا في المنصب، للغوغاء على اقتحام المبنى اقتحامًا مسلحًا لمنع المصادقة على نتائج الانتخابات التي لا تروق للرئيس ترامب، علمًا بأن المبنى يعتبر مفتوحًا للجمهور ودخوله للأمريكيين شائع ومتكرر، وفقًا لصحيفة “واشنطن إكزامينر”.

سي إن إن تتابع التطورات دقيقة بدقيقة

أطلقت شبكة “سي إن إن” خدمة إخبارية خاصة لمتابعة التطورات والمستجدات ذات الصلة بالكابيتول دقيقة بدقيقة. وتحرص على تحديث المعلومات للقارئ عبر موقعها الإلكتروني، وأكدت الشبكة مصادقة الكونجرس على فوز جو بايدن بانتخابات 2020، كما نقلت عن مسؤولين بالنيابة العامة قولهم إن “كل شخص متورط في الاضطرابات التي طالت مبنى السلطة التشريعية سيخضع للمساءلة بما في ذلك الدور الذي لعبه الرئيس ترامب في تحريض الحشود على اقتحام المبنى”.

هوية المقتحمين وتوجهاتهم

من زاوية مختلفة، قامت صحيفة “نيويورك تايمز” بتغطية اقتحام الكابيتول، فألقت نظرة فاحصة على التركيبة المميزة للغوغاء الذين اجتاحوا قاعات الكونجرس وتوصل تحقيق التايمز إلى أن من بينهم عنصريون يدعون التفوق للعنصر الأبيض وبالطبع شارك في الاقتحام عدد كبير ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة وتزوير الانتخابات من أجل الإطاحة بترامب من السلطة.

صحفيون ومصورون في قلب الحدث والمقتحمون نقشوا على الباب عبارة “اقتلوا الإعلام”
التقطت كاميرات التايمز تفاصيل الفوضى والارتباك خارج الكابيتول عندما دخل أنصار ترامب في محاولة لتعطيل المصادقة على نتائج الهيئة الانتخابية. ونقش الحشد الغاضب بسكين أو آلة حادة عبارة “اقتلوا الإعلام” على باب الكابيتول.

امتد العنف لمعدات التصوير وعاش الإعلاميون والمصوون لحظات مليئة بالرعب. وحطم المشاغبون معدات تلفزيون أسوشيتد برس يوم الأربعاء خارج مبنى الكابيتول وفقًا لـ”خوسيه لويس ماجانا” و”تيفاني هسو كاتي روبرتسون”، وانتشرت صور الكاميرات المحطمة.

تعرض أعضاء وسائل الإعلام الإخبارية الذين كانوا يغطون الأخبار من شوارع وساحات واشنطن للتهديد والتطويق، واضطر زملاؤهم داخل الكابيتول إلى الاحتماء في مواقع آمنة على مدار ساعات.

أظهر مقطع فيديو التقطه ويليام تورتون، مراسل بلومبيرج نيوز، حشدًا خارج المبنى يتقدم نحم طاقم تصوير صحفي، وعلى الصرخات: “اخرجوا من هنا”، وحطم الحشد المعدات. كما شارك بول ماكليود، مراسل Buzzfeed News، صورة لأنشوطة صنعها مؤيدو ترامب من سلك كاميرا وعلقوا لتتدلى من شجرة.

وهتف البعض في الحشد “سي إن إن.. اذهبي إلى الجحيم”، بينما يدوسون على الكاميرات، على الرغم من أن المعدات كانت تحمل ملصقات وكالة أسوشيتد برس. وأكد متحدث باسم الوكالة أن معداتها قد سُرقت ودُمرت، مضيفًا أنه لم يصب أي من موظفيها بأذى.

وذكرت التايمز أن المتظاهرين ومقتحمي الكابيتول طاردوا أي شخص يحمل كاميرا. وتعرض طاقم التلفزيون الإيطالي للمضايقات.

أما شومري ستون، مراسل قناة WRC-TV التابعة لشبكة إن بي سي بواشنطن، فقال في مقطع إذاعي إنه تعرض للإيذاء. وذكر تشيب ريد، من شبكة سي بي إس نيوز ، أنه كان يرتدي ملابس واقية استخدمها آخر مرة أثناء تغطيته للنزاعات في العراق وأفغانستان. وقال: “إنه أمر مزعج للغاية أن تضطر إلى ارتداء خوذة وسترة واقية من الرصاص في أراض الكابيتول وأين؟!! في الولايات المتحدة!”، وهرع ضباط إنفاذ القانون لحماية الصحفيين وقالت مذيعة قناة MSNBC جاسمين فوسوجيان على الهواء خارج مبنى الكابيتول إنها وفريقها ارتدوا ملابس لا تحمل علامات MSNBC أو NBC. وقالت: “كنا نعلم أنه قد يكون هناك رد فعل غاضب، وبعض العداء تجاهنا، لأنه كما تعلمون جيدًا، يتحدث الرئيس باستمرار عن وسائل الإعلام الإخبارية الكاذبة ويطلب من الجمهور عدم الثقة في وسائل الإعلام”.

وأجج ترامب وحلفاؤه المشاعر الكارهة لوسائل الإعلام، بعد أن دأب على وصف وسائل الإعلام بانتظام بأنها “عدو الشعب”.

وذكر جويل سيمون، المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين، في بيان يوم الأربعاء، أن الصحفيين في واشنطن تعرضوا للترهيب أثناء مواجهة احتمال تصعيد الهجمات. وقال: “يجب أن يكون الصحفيون والطواقم الإخبارية الذين يغطون هذه الأحداث ذات الأهمية القصوى للمصلحة العامة، قادرين على القيام بواجبهم المهني بحرية وأمان، بدعم وحماية من سلطات إنفاذ القانون”.

نشرت زوين مورفي، وهي صحفية مصورة في صحيفة واشنطن بوست، على تويتر أنها وزميل لها اعتقلتهما الشرطة لتصوير احتجاجات خارج مبنى الكابيتول بعد حظر التجول في السادسة مساءً، لكن سرعان ما أُطلق سراحهما.

صراخ وهتاف وفوضى

رصدت التايمز صرخات الحشود المختلطة، عن وصول الشرطة.. وقول أحدهم: “أحذركم يا رفاق.. البيت الأبيض في قبضتنا ولم يبق لنا إلا السيطرة على الكابيتول”، وصياح البعض: “أيها الوطنيون تمسكوا جيدًا”. وخشيتهم من أن الحرس الوطني في الطريق وادعاء أنصار ترامب بأن “هذه الانتخابات سرقت بالفعل”، والهتاف: “إنهم لا يحترمون إرادة الناخبين والعديد من الكلمات البذيئة”. وإصرار مؤيدي ترامب: “نحن الحقيقة والانتخابات مزيفة”، وهتاف: “ضع السكين جانبًا.. لماذا نحن هنا؟ ستفهم الآن”، وهتاف: “يو إس إيه.. يو إس إيه..يو إس إيه..يو إس إيه..يو إس إيه..يو إس إيه” والسعال والصياح بعد أن أصيب الخط الأمامي برذاذ الفلفل، بعد أن تدخلت شرطة مكافحة الشغب لتفريق المتظاهرين.

الضحايا

أفردت شبكة NBC مساحة للحديث عن ضحايا الاقتحام وابرزهم وفاة ضابط شرطة متأثراً بجراحه فجر الجمعة ونشرت صحيفة “آير فورس تايمز” تقريرًا عن المرأة التي قُتلت برصاصة يوم الأربعاء خلال أعمال شغب واقتحام كابيتول، واتضح أنها من قدامى المحاربين في القوات الجوية من كاليفورنيا.

وذكرت محطة KUSI التلفزيونية في سان دييجو لأول مرة أن زوج آشلي بابيت قال إنها هي التي قتلت في أحداث الكابيتول. وأكد سلاح الجو، أمس الخميس، أن بابيت، التي خدمت تحت اسم أشلي إليزابيث ماكنتي، كانت طيارًا بقوات الأمن وحصلت على رتبة طيار أول أثناء خدمتها. وكانت بابيت، وفقًا للتقارير المنشورة، من المؤمنين بنظرية المؤامرة وانضمت إلى حشد من الغوغاء اجتازوا الحواجز واقتحموا الكونجرس وأطلق شرطي يرتدي ملابس مدنية خلف الحاجز النار على بابيت وهي تحاول التسلق عبر نافذة مكسورة لأحد الأبواب الأمامية للمبنى.

الديمقراطية الجريحة
على الرغم من فداحة آثار الحدث على الأرض، إلا أنه اعتبر ضربة للديمقراطية الغربية، وأكد تقرير نشره موقع “مجلس العلاقات الخارجية“، ومقره واشنطن أن هذه الموجة من الإرهاب المحلي، على حد وصف الرئيس المنتخب “جو بايدن”، وجهت ضربات موجعة للكابيتول وللديمقراطية الأمريكية.

تسبب اقتحام الكابيتول ومحاولة تعطيل الانتقال السلمي للسلطة والخلافة الرئاسية من قبل حشد مؤيد لترامب في إلحاق ضرر دائم بصورة الأمة الأمريكية بصفتها معقلًا للديمقراطية، وتحدثت العديد من الصحف الأمريكية عن أنه يجب على أمريكا من الآن فصاعدًا أن تكرس نفسها لإعادة صياغة الخطاب المدني، بعد اكتشاف أن أكثر من 70 مليون أمريكي، وهو رقم صادم، يميلون لنظريات المؤامرة وتصديق المزاعم حول تزوير الانتخابات.