محمد شعير يكتب: السير على الحبل "تحت السيطرة"!

منذ الحلقات الأولى فى شهر رمضان، بدا أن صناع مسلسل “تحت السيطرة” مطالبون بالسير فوق ثلاثة حبال مشدودة كحد السيف، دون أن يسقطوا، وأن تكون كل خطوة لهم فوقها “تحت السيطرة” بالفعل، اذا ما أرادوا لعملهم أن ينجح.

الحبل الأول، الأسهل نسبيا، هو أن تكون الشخصيات واقعية وموجودة بالفعل فى المجتمع، فمن الطبيعى أنك كى تقنع المشاهد برسالتك لابد أن تقدم له نماذج يمكن أصلا أن تكون حقيقية، قريبة منه، وليست قادمة من كوكب آخر.

ولكن.. يمكن بسهولة أن نقول ان صناع العمل قد نجحوا بالفعل فى ذلك، رغم ما بدا للبعض من غرابة وغربة ممارسات الشخصيات التى سقطت فى بحر الادمان بالمسلسل، ونزق ومجون حفلاتهم. ولكن لابد هنا من توضيح أن المسلسل قد ركز بصورة أكبر على ظاهرة ادمان أبناء الطبقات الاجتماعية الغنية، أو على الأقل الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، ولذا فلم يكن غريبا على المشاهد القريب من هذه الشرائح أو المنتمى اليها أن يجد أمامه هذه النماذج، التى سبق أن سمع عنها فى محيطه، وربما التقاها، بل ان تعليقات البعض الآخر جاءت لتعبر عن الدهشة من واقعية بعض المشاهد، لاسيما مواقف شراء المخدرات من الصحراء وغيرها!

الحبل الثانى، يتمثل فى أن الأعمال الدرامية التى تنادى برسالة، ضد المخدرات مثلا، يمكن بسهولة أن تتحول الى خطبة انشائية، فتفقد قدرتها على الاقناع من حيث كونها فنا لابد أن يتسلل الى وجدان المشاهد وعقله، دون نصيحة واحدة أو ارشاد. وهذا الحبل بلا شك هو أصعب من سابقه، لأن السائر فوقه “صانع العمل” يمكن أن يسقط بسبب مشهد واحد، أو حتى جملة حوارية قد تأتى لتوحى للمشاهد بأنه يقرأ فى كتاب، لا يشاهد مسلسلا!

ولكن.. الحق أننا لم نجد ذلك، وما وجدناه هو أن العمل قد جاء فى صورة قصة بلا نصح، ورسالة بلا خطب، وأنه قد ترك المشاهد ليغوص فى تفاصيل الأحداث ويتفاعل مع الشخصيات، فيتلقى وحده الرسالة، ويصدق بنفسه الفكرة. وحتى شخصية “شريف” المدمن المتعافى الذى أصبح معالجا، والتى توصف بأنها “صوت الكاتب”، جاء الحوار على لسانها، مغزولا فى الأحداث، بسهولة ممتنعة، وبلا عبارات رنانة أو خطابات بريدية مختومة، بما فى ذلك مشاهد توضيح العلامات التى تكشف للأهالى وجود مدمن مخدرات فى المنزل.

الحبل الثالث، وهو الأخطر على الاطلاق، يرتبط بعرض مشاهد التعاطى وتفاصيلها، وحجم الصدمة والرعب التى تصيب “المنازل” بسببها. وقد أطلق الجمهور بالفعل، بعد عرض الحلقات الأولى من المسلسل، صافرات الاستهجان نحو صناعه السائرين فوق هذا “الحبل الشائك”.

ولكن.. يمكن القول انه قد ظهر من البداية أيضا، أننا أمام عمل لا يحاول أن يخدع مشاهده، بارتداء “ثوب شفاف” من الفضيلة، يتعلل به كى يكشف تحته مواضع الفتنة، فيكون جاذبا مثيرا، بل هو عمل جاد فى الوصول الى رسالته، ولأجل هذه الجدية، كان لابد من عرض حقيقة وواقع القضية. وكان رهان “المشاهد الواعى” منذ البداية على أن تلك الشخصيات التى ظهرت فى غاية النشوة، بعد “ضربة سرنجة” أو “شمة بيسة”، سوف تقودها الأحداث الى قاع سحيق، ليكسب من يكسب فى النهاية، ويخسر من يخسر.. فتصل الرسالة.. وقد كان.

وأخيرا.. يبقى أن نقول ان صناع العمل فردا فردا، وعلى رأسهم الكاتبة مريم نعوم والمخرج تامر محسن، وجميع الأبطال، قد نجحوا فى السير على كل الحبال المشدودة كحد السيف، ليعبروا الينا، ويسلمونا رسالة محددة، مختومة بخاتم “الفن المحترم” فقط، رسالة مفادها.. ان الادمان ليس فقط “هيروين وخمرة وحشيش” رغم خطورتها.. الادمان هو الوقوع تحت سيطرة أى شئ رغما عنك.. أن تمضى بلا ارادة مع أنك مختار.. أن تسير أسيرا رغم أنك حر.. ولذا فلا مفر.. من أن نجاهد جميعا لنعبر “حبل الحياة”.. عبورا “تحت السيطرة”.. سيطرة أنفسنا الواعية وحسب.

نقلاً عن “الأهرام”

للتواصل مع الكاتب 

[email protected]

اقـرأ أيضـاً:

مانشيت “ظرف أسود” على خبر “مبارك ونتنياهو”

عمر طاهر يكتب: مكالمة مع وزير الاتصالات

الفائزون تسعة والخاسرون سبعة في رمضان 2015

يا أم حسن : الإعلان لو زاد عن حده ينقلب لضده !

من حمادة إمام إلى عمر جابر.. تعرّف على وجوه “التالتة يمين”

مهرجان إعلام.أورج : 6 جوائز خاصة

الجائزة الأخيرة لمهرجان إعلام.أورج : أفضل 3 مسلسلات في رمضان

.