ثورة تطوير في وكالة الأنباء السودانية

مصطفى شحاتة

كلام مكرر حين نقول إن وكالات الأنباء واحدة من أهم “الواجهات” التى تعبر عن البلد الناطقة باسمه، فجزء أساسى لتعرف كيف تسير أى دولة هو النظر إلى إعلامها ومعرفة أين يقف بالضبط، ليس من خلال مساحة الحرية التى يتحرك فيها فقط، بل أيضًا من خلال القالب ومدى المتابعة والمواكبة والإلمام.

وكالة الأنباء السودانية أصبحت حاليا نموذجًا ومثالًا لتلك الأسس.

وكالة الأنباء السودانية “سونا” هى الوكالة الرسمية لدولة السودان (تأسست عام 1970)، التى مرت خلال السنوات الأخيرة بأحداث قد يكون أقلها أهميةً هو قيام ثورةٍ واقتلاع نظام الرئيس السابق عمر البشير، ليأتى إلى الحكم مجلس السيادة الانتقالى، وتعقب ذلك أحداث أكثر أهمية، تكاد تكون يومية، فى دولة لديها عدة أزمات مع جيرانها ولديها مشكلات أكثر مع العالم الخارجى ورثتها عن النظام السابق.

نرشح لك: الموت لعام 2020.. حقيقة عام كامل تحت ستار الكوميديا السوداء

“سونا” سابقًا

الموقع القديم للوكالة فى زمن الرئيس السابق عمر البشير وفى الفترة التى تلت خلع نظامه كان مثالًا للبؤس المهنى والفقر الإعلامى، فلا يمكن أن تجد فيه خبرًا تبحث عنه.

يتصدر السودان عناوين الأخبار، وحينما تذهب أنت كصحفى إلى الوكالة الرسمية للتأكد من صحة هذه الأخبار من مصدرها المفترض أنه الأهم، تكتشف أن الوكالة لم تنشر بالأساس عن الموضوع شيئًا يُذكر، وكانت فى هذا التوقيت تسيطر على أخبار السودان وكالات مثل “الأناضول” التركية، وقنوات مثل “العربية” السعودية و”سكاى نيوز عربية”، فى وقت تنشر فيه الوكالة نفسها أخبارًا كثيرة عن العالم العربى، لكن السودان نفسه غائب عن وكالته الرسمية، وأظن أن ذلك كان بسبب النظام السياسى الذى يحكم البلاد، والذى -بالتأكيد- لا يحب أن تناقش الوكالة الرسمية للبلاد ما يحدث فيها بحرية.

هذا تحريريًّا، أما الصور التى تُنشر مع الأخبار فكانت مدعاة للسخرية، فأهم المسؤولين السودانيين لم تكن تُنشر لهم صور فى الوكالة، وإن نُشرت فتجدها صورًا (4*6) مطبوعة، ثم تم تصويرها بهاتف محمول فوق مكتب لم يكلف المصور نفسه عناء إزالته من الصورة عبر برنامج “Paint” الموجود على كل أجهزة الكمبيوتر، ويتم رفع الصور إلى موقع الوكالة لتكون مادة للضحك وسط عالم من الأخبار والأنباء التى تنهال على أى متابع للأخبار حول العالم، وبالطبع لم يكن فى موقع الوكالة أى فيديوهات، كما لم تكُن حسابات “السوشيال ميديا” الخاصة بالوكالة يتم تحديثها.

إضافةً إلى ما سبق، كان يعاني أى متصفح لموقع الوكالة من صعوبة الوصول إليه، حتى أنه قبل التحديثات التى طالته، انتشر خبر عن الوكالة وقت الثورة أنه تم حجبها، وهو ما لم يكن صحيحًا، فقط كان الوصول إليها صعبًا للغاية.

مَن مدير الوكالة السودانية؟

فى نهاية يناير 2020 أصدر رئيس الوزراء السودانى “عبد الله حمدوك” قرارًا بإقالة عبد الله جاد الله، مدير وكالة الأنباء السودانية، وتعيين محمد عبد الحميد عبد الرحمن مديرًا جديدًا لها.

قدِمَ المدير الجديد للوكالة من هولندا (هاجر إليها منذ انقلاب البشير عام 1989)، حيث عمل مديرًا للقسم العربى بإذاعة هولندا، وهو رئيس سابق لقناة “سودان بكرة” الفضائية، وهى القناة التى صاحبت الثورة السودانية منذ بدايتها معلنةً أنها “صوت الثورة السودانية”، كما عمل باحثًا بالمعهد الدولى للتاريخ الاجتماعى بهولندا، ويبدو أن أكثر من 30 عامًا من العمل الصحفى أتت بثمارها فى وكالة الأنباء السودانية، فقبل أن ينتهى فبراير 2020 كان المدير الجديد قد أقال تقريبًا كل مديرى الهيئات والإدارات بقطاع التحرير، وكلف نوابهم بالعمل، وذلك بعد أن أخطأ فريق العمل فى مونتاج خطاب لعبد الله حمدوك؛ ما أدى وقتها أيضًا إلى أن تعتذر الوكالة لمشتركيها واعدةً إياهم بالمحاسبة، وهو ما كان.

تطويرات مستمرة

منذ أيام بدأت نسخة جديدة من موقع الوكالة السودانية، وهو التحديث الثانى تقريبًا خلال عام، وهو موقع ذو شكل جديد، وصفحته الرئيسية مرتبة بشكل أكثر سلاسة من الماضى ومريحة لعين القارئ، تساعد فى ذلك جودة الصور التى أصبحت فى مستوى الوكالات الأخرى.

وهناك معرض للصور القابلة للتحميل المباشر، عددها قليل طبعًا ولا تتناسب مع حجم السودان وما يحدث فيه حاليا من أخبار، كما أنها لا تُحدَّث بشكل كبير، ولا تعرف إذا ما كانت الصورة متاحة للتحميل، فلماذا -إذن- لا توضع فى المعرض كل الصور التى يتم نشرها مع الأخبار الأخرى! لكنها بداية جيدة يمكن أن يتم البناء عليها لتكون هناك وكالة “سونا” للصور خاصةً كما هو الحال فى “رويترز” ووكالات أخرى.

وتحريريًّا تنقل الوكالة الآن التصريحات الرسمية للحكومة والمسؤولين السودانيين بشكل مباشر، وفى أحيان كثيرة تنقل أيضًا بعض بيانات وكلمات المعارضة السودانية الحالية، ليس بقدر الحكومة بالطبع، لكنه أمر جيد أن تنقل الوكالة الرسمية فى دول عربية آراء المعارضة.

كما أن الأخبار أصبحت فى العموم سريعة مقارنةً بمستوى الوكالة سابقًا، بل تجد الآن وكالات أخرى وقنوات تليفزيونية تنقل أخبارًا مصدرها “سونا”.

السوشيال ميديا

لدى صفحة وكالة الأنباء على “فيسبوك” قرابة النصف مليون معجب وأكثر من 600 ألف متابع (وهم الأهم)، وتُحدَّث الصفحة بشكل مستمر وتُرفَق معظم الأخبار بصور (لم يكن هذا متاحًا من قبل رغم أن الصفحة بدأت فى 14 يناير 2014)، كما أن لدى الوكالة أيضًا متابعين على موقع تويتر (منذ 2014 أيضًا) يبلغ عددهم نحو 140 ألف متابع، وهى كلها أرقام مرشحة للزيادة وبشكل كبير؛ لأن التحديث المستمر ونشر الصور والفيديوهات المصاحبة للأخبار بدأ مؤخرًا، ومن ثم تعد هذه الصفحات وليدة، وإن كانت مدشنة منذ 6 سنوات.

وكالة الأنباء السودانية

يبقى أن وكالة الأنباء السودانية تعيش كما يعيش السودان فى حالة صحوة مستمرة منذ سقوط نظام “البشير”، أتمنى شخصيًّا أن تستمر حتى تصل الوكالة إلى مصاف الوكالات العالمية التى تتخطى أهميتها حدود البلد الموجودة فيه.