هل تستحق 2020 الموت؟.. (تحليل لجديد نتفليكس)

فاطمة خير

تبدو الحياة ساحة واسعة للاختيارات، لكن لا يدرك الجميع ذلك. مثلا.. يختار شخص أن يُنتج فيلما وثائقيا عن عامٍ منصرم، فيما يختار آخر أن يكتب مذكراته، ويختار ثالث أن يندب حظه،…إلخ، وهكذا تتعدد الاستجابة للحدث نفسه على الدوام، لكن ليس كل استجابة تستحق الإعجاب؛ إلا أنك لو قابلت ما يستحق فلا تتردد أن ترفع له القبعة.

هكذا اختار صناع الفيلم الوثائقي الشيق “الموت لـ2020” (Death to 2020) أن يقدموا سنة من أصعب السنين على البشرية في العصر الحديث، من خلال كوميديا خفيفة وواقعية حتى أنها تبدو جادة لدرجة البكاء.

نرشح لك: كشف المستور في تريندات المصريين لعام 2020


لا يستهويني على الإطلاق الركض وراء “التريند”، لذا فأنا لا أهتم مثلا بقراءة رواية أصبحت مثار الاهتمام المفاجئ، أو فيلما “مكسر الدنيا”، لا أدعي أن ذلك أمر عظيم، لكنها شهيتي لا تميل لإزعاج الاحتفاء المبالغ فيه، ولأن الاستثناءات واردة طوال الوقت، يغلب فضولي طبعي الذي يكره الضوضاء؛ فأسارع بمشاهدة محل حديث الناس، وقد كان هذا ما حدث مع الوثائقي المميز لشبكة نتفليكس، نصحني به عدد ممن أثق في رأيهم، فوضعته على أول لائحة الأعمال التي أود متابعتها، ولم أكن مخطئة أبدا، ففي أقل من ساعة ونصف مررت برحلة سريعة، مؤثرة، عميقة، وساخرة، من عام هو الأصعب على العالم حتى الآن منذ فترة طويلة، وبغض النظر عن أن الفيلم الذي استعرض أهم الأحداث العالمية على مدار العام أعطى التركيز الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا؛ إلا أن غياب منطقتنا عنه حتى ولو بمرور عابر؛ يعكس حجم تأثيرها بالنسبة للعالم على الأقل من وجهة نظر صُناع إعلامه.. للأسف.

كيف تتحدث في السياسة الدولية، وتنتقد طمع مليارديرات العالم، وتمرر رسائلك، كل ذلك وأنت تُظهِر قناع الكوميديا، كيف تسخر من أصعب المواقف وتتوقع الأسوأ، دون أن تُخل بالبناء المتماسك للعمل الوثائقي، كيف تستغل كل ثانية بحيث لا تترك مكاناً للملل؛ هو أمر يثير إعجاب.. بل غيرة أي صانع محترف لمُنتَج تليفزيوني.

بالطبع استخدم الفيلم السيمي دراما، فقد قدم مواقف بطريقة ساخرة تخص الملكة إليزابيث مثلا، وغيرها خاصةً عندما أظهروا كذب بعض الساسة ووقاحة إنكارهم للحقائق، وبالطبع فإن منتجي الفيلم يعلمون الحدود التي يجب أن يتوقفوا عندها، حتى عندما تطرق الحديث إلى مسلسل The crown، في الحقيقة هي القدرة على نسج سيناريو بخفة ورشاقة لا تضر السياق العام للفيلم، وصناعة حوار ذكي يدفعك للتركيز معه بقدرة حقيقية على جذب الانتباه وإثارة الفضول، والتشويق للحظة الأخيرة.

ربما أن بداية الفيلم لم تكن توحي تماما بمادة خفيفة الظل، بل أنها ذكرتنا بسنة بدت ثقيلة الظل والحضور منذ الساعات الأولى، حتى أنني ترددت للحظات قبل أن أكمل المشاهدة، لكنها دقائق حتى غلبني الفضول لمعرفة كيف سيستمر فيلم نعرف جميعنا أحداثه مسبقاً؟

أعترف أن الجزء الأكثر إثارة بالنسبة لي هو ذلك الخاص بالانتخابات الأمريكية، وتعامل دونالد ترامب مع أزمة كورونا، صحيح أن هذا الجزء احتل مساحة هي الأكبر، لكن الأمر يستحق، فكلنا تابعنا هذه الانتخابات، وحدث هذا منذ وقت قريب للغاية، نحن لم ننس بعد، لكن من المدهش حقا أن يسعف الوقت صُناع الفيلم للكتابة والتنفيذ، على أمر لم ينته من فترة طويلة! والأكثر إثارة للدهشة هو قدرة هذا العمل على جذب انتباهنا طوال مدة عرضه!

برغم أن “تيمة” الخلط بين الجدية والكوميديا من خلال وقائع حقيقية وسخرية في التناول بدت واضحة للغاية بعد فترة قصيرة من بداية العرض؛ إلا أنني كنت أبذل الجهد للتمييز طوال المشاهدة، يعني تصور أن فيلما يجبرك على التركيز لكنه يمتعك في الوقت نفسه، وأي صانع محتوى يعرف جيدا مدى صعوبة ذلك: السهل الممتنع والاحترافية في الوقت ذاته.

السخرية من الواقع مع الاعتراف به، السخرية من آلامنا وأحزاننا مع الوعي بضرورة تجاوزها، امتلاك القدرة على نقد الواقع مع الاحتفاظ بروح خفيفة الظل تقذف السهم لكنها لا تجرح، هي عملية توازن خطيرة.. وبالضرورة تستحق المشاهدة.