الجارديان: يوسف شاهين عملاق السينما الكلاسيكية

محمد إسماعيل الحلواني

نشرت صحيفة الجارديان البريطانية أحدث حلقة في سلسلتها التي تسلط فيها الضوء على الأفلام الأقل شهرة في المملكة المتحدة والغرب والمتاحة عبر خدمات البث وهي في الغالب دراما اجتماعية ذات تفكير تقدمي، سابق لعصره، ولكن بحافة أو مسحة من العنف.

وتحت عنوان “جوهرة التاج في عالم البث.. لماذا يجب أن تشاهد “باب الحديد؟”، كتب “بروجان موريس” إنه يعتبر فيلم “باب الحديد” بمثابة جوهرة السينما الكلاسيكية المعروضة عبر كافة خدمات البث، من وجهة نظره الخاصة، ومضى موريس موضحًا للقارئ: “لماذا يجب أن يشاهد هذا الفيلم تحديدًا وأن يتنفس بارتياح أثناء مشاهدته”.

نرشح لك: بسبب الانتخابات.. فوربس: ترامب أنفق على الإعلانات الرقمية أكثر من بايدن

وأكد موريس أن الأمر كان مثيرًا للاهتمام إلى حد الصدمة، عندما أضافت نتفيلكس مؤخرًا إلى منصتها كتالوجًا من الأفلام الكلاسيكية في الشرق الأوسط، بما في ذلك عشرات الأفلام لعملاق السينما العربية الذي حظيت أعماله من قبل باهتمام ضئيل في الغرب، ويقصد مجموعة يوسف شاهين على نتفيلكس التي ليست مجرد تفريغ عشوائي لأفلام المخرج المصري الراحل، وهذا ما وجد موريس: إنها بانوراما منسقة جيدًا لمسيرة مهنية انتقائية، وغالبًا ما تكون صعبة مثل السير على الأشواك، تمتد لنحو 57 عامًا. وهناك ميلودراما اجتماعية عميقة؛ ثم هناك ملحمة الحروب الصليبية؛ في فيلم “الناصر صلاح الدين”، والتي كان خروجها إلى النور بدعم قوي من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتعزيزًا لخط القومية العربية الذي تبناه ناصر.

امتلأت أعمال شاهين بموسيقى ما بعد الحداثة، في فيلم “عودة الابن الضال”، القصة الرمزية المريرة حول إخفاقات مشروع عبد الناصر وثلاثية من أفلام السير الذاتية الغريبة، التي يعد أفضلها على الإطلاق “باب الحديد”.

ولفت موريس إلى أنه بالنسبة لأي شخص يبحث عن فيلم تمهيدي عن السينما الكلاسيكية في عصر الوسائط الرقمية، قد لا يكون ما يسمى بـ”الثلاثة الكبار”: نتفيلكس وأمازون وهولو المكان المثالي للبدء. خذ نتفيلكس كمثال: من بين ما يقرب من 6000 فيلم متوفر حاليًا على المنصة، هناك أقل من 20 فيلمًا روائيًا تم إصداره قبل عام 1970. وفي الوقت نفسه، اقتصر اهتمام نتفيلكس بالمؤلفين إلى حد كبير على هوليوود المعاصرة.

ومع استمرار خدمات البث، فإن مجمل الأفلام الكلاسيكية الغربية على المنصات تعادل مكتبة هزيلة لا تحتوي إلا على روايات غامضة لحوادث قتل – بعضها جيد، وبعضها رديء، ولكن كل شيء من عناصرها متشابه – ورف واحد مترب في الخلف لكل شيء آخر.

ويوصي موريس القارئ والمشاهد بنقطة دخول ذهبية يمكن الوصول إليها إلى فيلم سينمائي كلاسيكي متنوع يمزج كثيرًا بين الأذواق بطرق مدهشة، ويتميز “باب الحديد” لعام 1958 بإحساس الدراما الإيطالية الجديدة التي تتحول إلى مسرحية تحمل بصمة أو على الأقل تأثير هيتشكوك.

واسترسل موريس مؤكدًا أن الأمر في هذا الفيلم يبدأ بشكل مخادع إلى حد ما باعتباره صورة تجسد مركز التقاء خطوط السكك الحديدية، حيث يعمل الشيالون الساخطون، بما في ذلك العضو النقابي المحتمل أبو سريع (فريد شوقي)، وبائعي المياه الغازية الذين لا يحملون ترخيص عمل بقيادة هنومة (هند رستم)، عروس أبو سريع، والتي تكافح ويطاردها أصحاب المحلات المرخصة بينما تحلم بحياة أفضل. لكن قناوي، وهو بائع صحف معاق جسديًا – يلعب دوره يوسف شاهين نفسه – يشتهي هنومة ويحبها حبًا من طرف واحد، فهو نموذج لشخص خلق ليبقى على الهامش، وقد أدى خجله ورجله “العرجاء” بعمال المحطة الآخرين إلى السخرية منه والشفقة عليه والاستخفاف في نهاية المطاف به.

على الرغم من أنه يعرض على منصة البث كجزء واحد في ملف ومكان واحد ومدته 73 دقيقة فقط، وهو نوع مرحب به اقتصاديًا في عصر السينما المتضخمة، فإن “باب الحديد” وجد من الوقت الكثير ليخصصه لفحص المجتمع الأوسع في زمانه ومكانه.

يقدم فيلم شاهين نظرة إلى عالم غريب ليس فقط على عيون الغرب اليوم: فهذه هي القاهرة ما بعد الاستعمار والتي حصلت على الاستقلال حديثًا وأصبحت تقف على أعتاب الحداثة، حيث لا تزال رمال إحدى أقدم الحضارات ترى في الشوارع، وحيث أنواع العمل المناسبة، تعج بباعة الصحف الذين يرتدون ملابس بالية.

يقع الفيلم في مكان ما بين الحاضر التطلعي والماضي الأكثر تحفظًا. أما العنف على الشاشة فهو نادر طوال الفيلم، رغم أنه دموي بشكل مفاجئ عندما يحدث، لكن خط الإثارة والإغراء في الفيلم هو الأكثر بروزًا بالنظر إلى عمر أبطال الفيلم.

ويعتبر موريس الفيلم نموذجًا لسينما شاهين، الذي أمضى حياته المهنية في إيجاد حلول إبداعية لتحدي الرقابة المصرية، في وقت ما في “باب الحديد” يمنحنا مشهدًا ساخنًا حيث يظل عناق الحبيبيْن خارج الشاشة تمامًا. بينما يختفي أبو سريع وهنومة معًا في مخزن هادئ، وتتحول المشاجرة الساخنة بينهما إلى ضحكة غزلية يتبعها صمت مشحون، يشاهد قناوي المتربص قطارًا يمر بالخارج، ومسارات السكك الحديدية تنحني في إشارة تلمح إلى العنف ببطء متنامي الإيقاع.

على الرغم من أن عزيمة الواقعية الجديدة تضع الفيلم بطريقة أسلوبية في الخمسينيات من القرن الماضي، باعتباره صورة لعلم نفس الرجل المضطرب، إلا أن “باب الحديد” يقدم مقطعًا عرضيًا في دماغ شاهين، الذي تدرب في الأصل كممثل قبل أن يتحول إلى الإخراج، تولى دور البطولة بنفسه كما يشاع لأنه لم يجرؤ أي ممثل آخر على أداء دور قناوي بصفته شخصًا منعزلًا مضطربًا ومقموعًا جنسيًا، ويواجه الجمهور تحديًا للتعاطف معه على الرغم من نواياه البغيضة.

وعن شاهين، قال موريس: إنه مصري فخور بوطنه – أو على الأقل رجل وطني يفتخر ويباهي بما يمكن أن تكون عليه مصر – مع ذلك كان شاهين دائمًا ينتقد سياسات وثقافة بلاده في أعماله؛ هنا في تصويره لكل من قناوي الساخط وأبو سريع النقابي والشخصيات الذكورية الأخرى في الفيلم، يعتقد الكثير منهم أنهم يستحقون النساء كغنيمة لهم، بينما يلقون في الوقت نفسه باللوم على النساء وتحميلهن دائمًا مسؤولية أي اهتمام غير مرغوب فيه من الرجال.