أزمة الصحافة المقبلة.. ماذا تفعل غرف الأخبار لحماية الصحة العقلية للمراسلين؟

محمد إسماعيل الحلواني

نادرًا ما تفكر غرف الأخبار في كيفية حماية الصحة العقلية للمراسلين من التلف بسبب القصص والأحداث التي يتولون تغطيتها. وتعتقد أوليفيا جيمس مستشارة القلق والأداء والصدمات أنه قد حان الوقت لتغيير ذلك. واستندت “جيمس” إلى تجربتها الشخصية التي تعيشها مع الصدمات والأشخاص المصابين بالإضافة إلى تجربتها الإكلينيكية في علاج الصدمات واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

تتضمن الصدمة غير المباشرة مشاهدة أشخاص آخرين في معاناة أو رؤيتهم أثناء مرورهم بمواقف عصيبة. يمكن أن تتسبب زيارة الصحفي إلى مسرح الجريمة، والتغطية الميدانية، والمستشفيات، ومناطق الحروب، والكوارث الإنسانية في حدوث صدمة غير مباشرة. يمكن أن يحدث هذا أيضًا عندما يقابل صحفي ضحايا المآسي أو الحوادث أو حوادث العنف أو الحروب أو الكوارث.

نرشح لك: بعد المناظرة الرئاسية.. الخاسر الأكبر: الصحافة الجديرة بالثقة

الصدمة غير المباشرة ليست كالإرهاق أو انتقال الشعور بالإعياء إلى الصحفي أو المراسل، ولكن يمكن أن تكون مرتبطة بهذا الشعور. إن أي صدمة يتعرض لها الصحفي أو المراسل أو يشاهدها في حياته المهنية هي بالطبع إضافة إلى الصدمات التي قد يكون قد تعرض لها في حياته الشخصية وهذا يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في قدرته على التكيف.

المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الصدمة

“الصدمة يمكن علاجها بالحديث عنها.. فقط تناول مشروبًا قويًا وستكون بخير”
“إذا كنت مرنًا، فلن تؤثر عليك الصدمة”
“الوقت كفيل بمداواة كل الجروح”
“أنت فقط لا تريد تجاوزها. أنت تفتقر إلى قوة الإرادة”

تؤكد “أوليفيا جيمس” أنها عبارات غير دقيقة، وتقول: “كنت أتمنى أن يكون كل هذا صحيحًا، فلو صحت تلك العبارات الشائعة لهونت علينا مهمتنا ولأمكننا تجنب الكثير من المعاناة. ومع ذلك، فإن الأمور ليست بهذه البساطة. البشر لا ينجح معهم هذا التبسيط المخل للغاية”.

كيف يمكنك التعرف على علامات اضطراب ما بعد الصدمة؟

يمكن أن يحدث اضطراب ما بعد الصدمة في أعقاب حدث أو أحداث متعددة تنطوي على تهديد للحياة. على سبيل المثال، الموت أو الإصابة أو الأذى الجسيم. والسمة الأبرز للصدمة هي العجز والارتباك والشعور بالخوف والرعب. وقد يعاني المصاب من تذكر تجربة الحدث الأليم من خلال الصور المتطفلة التي يراها متدفقة بدون استئذان في ذهنه وتداعي الأفكار المتطفلة على الذهن والكوابيس وذكريات الماضي والأعراض النفسية أو الفسيولوجية مثل الذعر.

هل يأتي العلاج بنتيجة مؤكدة؟

يمكن أن يساعدك حضور الجلسات العلاجية والتحدث عن تجربتك غير السارة، خاصة إذا كان مستشارك قد عاش تجربة من نوع الصدمة التي تعرضت لها أو على دراية تامة بآثارها. يمكن أن يكون الفهم المنطقي لسبب اضطرابك مفيدًا ولكنه لن يمنع معاناتك من الحدوث مرة أخرى.

أحد الأمثلة الحديثة على ذلك هو قصة المحارب المخضرم “بريت سافاج” الذي كان يستعيد ذكريات الماضي وتثيره الأصوات والروائح بعد عودته من أفغانستان، لقد انتحر عندما بلغ عمر 32 سنة فقط.

أوضحت والدته: “قال الطبيب إنه يمكن أن يسير في الشارع وقد يكون المثير ضجيجًا أو رائحة تثير ذكرياته الأليمة وفي نهاية المطاف لم يستطع السيطرة”.

وتقول أوليفيا جيمس إن هذا رد فعل يحدث أسفل العقل الواعي. لا يستطيع العقل التحكم في ردود الفعل؛ لذا فإن الاستشارة التقليدية لن تساعد في الأعراض التي كان يعاني منها “سافاج”.

إن جزءً كبير من علاج الصدمات يعتمد على خفض القلق وإخراج الجهاز العصبي من حالة الحرب والهروب الشديد. يحتاج العقل والجسد إلى فهم الرسالة بأن الخطر قد انتهى. غالبًا ما يظل النظام في حالة تأهب قصوى (اليقظة المفرطة) لفترة طويلة بعد زوال الخطر.

كيف تعتني بصحتك العقلية

يجب على الصحفي أن يحصل فقط على القدر الذي يحتاجه عن القصة أو الخبر ويجب أن يخفض من تعرضه للصدمات قدر الإمكان أثناء قيامه بعمله. إذا وجد أنه يخشى حقًا المقابلة التالية، فهذا مؤشر على أنك قد تواجه مشكلة. إذا أراد أحد الزملاء التخلص من تفاصيل الصدمة التي شاهدها، دعه لا يسترسل إذا كان الاستماع إليه سيؤثر على صحتك العقلية.

الأعراض وآليات التأقلم

عند حدوث الصدمة، قد نسعى جاهدين لتجنب المواقف المماثلة، أو نشعر بالخدر وتنميل الأطراف (الشعور بالانفصال والتباعد)، والإثارة المفرطة (الشعور بعدم الأمان)، ومشاكل النوم، وتقلب المزاج (بما في ذلك نوبات خوف من العنف) ومشاكل التركيز.

يمكننا أيضًا أن نعاني من اليقظة المفرطة (الشعور باستمرار بأننا في حالة تأهب قصوى) وردود الفعل المفاجئة المبالغ فيها (على سبيل المثال القفز إذا تسلل شخص ما خلفك وربت بيده على كتفك).

قد يستغرق ظهور الأعراض بعض الوقت. لذلك في بعض الأحيان لا تعرف ما هو الحادث الذي تسبب في الصدمة بدقة. يمكن أن تشمل طرق التكيف: الإفراط في تناول الكحول وتعاطي المخدرات والتطبيب الذاتي والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر ومشاكل في العلاقات مع الأصدقاء والعلاقة مع شريك الحياة.

ماذا نفعل لمواجهة اضطراب ما بعد الصدمة؟

الخطوة الأولى هي الذهاب إلى طبيبك العام. من المحتمل أن تتم إحالتك للتقييم. قد يُعرض عليك دواء أو يوضع على قائمة انتظار للاستشارة أو العلاج الجماعي أو العلاج السلوكي المعرفي (CBT). قد يستغرق هذا شهورًا، حتى لفترة أطول بالنسبة للعلاج المعرفي السلوكي الذي يركز على الصدمات. ولكن قد يكون من الجيد أن تطلب المساعدة المتخصصة في أسرع وقت ممكن.