دراسة علمية: الصحفيون الرقميون.. أبناء غير شرعيين لصاحبة الجلالة

ترجمة وتحرير: محمد إسماعيل الحلواني

نشرت مجموعة تايلور آند فرانسس البريطانية في مجلتها العلمية “الصحافة الرقمية” دراسة علمية محكمة للدكتورة حنان بدر بكلية الإعلام جامعة القاهرة، ومعهد دراسات الإعلام والاتصال التابع لجامعة برلين الحرة في ألمانيا، حول كفاح الصحفيين الإلكترونيين والمستقلين في ظل بيئة عمل لا تخلو من القيود والمحددات القانونية التي تدفعهم دفعًا إلى هامش المهنة وفقاً للقانون، حيث لا تزال نقابة الصحفيين المصرية تقبل وتعترف فقط بالصحفيين العاملين بالصحف المطبوعة، في ظل واقع ساعد على تقسيم الصحفيين إلى طبقة متميزة تحظى باعتراف رسمي وأخرى مهمشة ينقصها الاعتراف ويمارس المنتمون إليها عملهم في ظروف غير مستقرة. وبالتالي، تتفاوت القيود القانونية والممارسات الفعلية بما يؤدي إلى غياب الطمأنينة، على نحو ساهم في خلق اختلال في موازين القوى ما بين الموروث الإعلامي والرابطة المهنية نتيجة وضع الصحفيين الإلكترونيين ضمن فئة أقل مرتبة من العاملين في الصحف المطبوعة ويساهم ذلك في انقسام المجتمع المهني وإضافة المزيد من التعقيد والصعوبة لكيفية فهم طبيعة الصحافة ودورها في العصر الرقمي.

نرشح لك: 6 نصائح لصناعة الصحافة الرقمية

 

مقاومة التغيير

وفقاً لبيانات الدراسة التي استندت إلى المقابلات المتعمقة يقف أعضاء النقابة أنفسهم عقبة في وجه الإصلاحات عبر رفض تغيير اللائحة بدافع الحفاظ على التقاليد المهنية والاستقرار والخوف من توسع أعداد الأعضاء، وبالتالي يرددون أصداء الخطاب الذي تتبناه السلطات التنظيمية الإعلامية المكلفة بضبط أداء وسائل الإعلام. ولفتت الدكتورة حنان بدر إلى أن أزمة نقابة الصحفيين في عام 2016 كانت أحد الأعراض البارزة لعدم التوازن الناتج عن التعريف القانوني الصارم لمن يمكن اعتباره “صحفيًا”.

إزاحة الحدود لا هدمها

وفي مسيرة المطالبة من أجل دفع الحدود للأمام بحيث تكون قادرة على استيعاب العاملين في الصحافة الرقمية والصحفيين المستقلين، أصبحت النقابة ساحةً وموضوعًا للنزاع على العناصر الجوهرية لمقومات المهنة، وبدوره ساعد استمرار ذلك الوضع على إضعاف موقف الصحفيين الرقميين والمستقلين، مما يطيل أمد ضعفهم ويحد من استقلال الصحافة – لأسباب من بينها: القوة غير المتكافئة والتبعية المالية والهياكل المؤسسية المترهلة.

وكشفت نتائج المطالبة بتغيير المحددات القانونية الحاكمة لممارسة مهنة الصحافة عن إطارين منفصلين: الإطار الأول هو الداعي إلى التغيير والثاني هو الاتجاه المؤيد لبقاء الوضع على ما هو عليه من أجل تعزيز الاستقرار، وظلا يسيطران على طيف واسع من الآراء بما أدى لساحة من الاستقطاب بدون مطالبة بإصلاح لوائح وأنظمة النقابة أو إثارة الأسئلة المهمة حول وضعها المتميز. واقتصر النزاع على طرد الفاعلين غير التقليديين وحماية الاستقلال الذاتي للنقابة مع عدم ظهور مساحة لحلول الوسط أو التيار النقدي، وتطورت الآراء المتباينة حول استقلال ونقاء المهنة إلى إنكار متبادل من كل فئة لشرعية الفئة الأخرى، لا سيما فيما يتعلق بمسألة من الذي اختطف النقابة، هل هي السلطة أم الصحفيين غير الأعضاء.

السؤال الغائب

وأهملت الفئتان؛ الصحفيون التقليديون والرقميون الخيار الجذري الثالث المتعلق بتوسيع الساحة الصحفية، كحل مهم وفعال لإزاحة الحدود وتحريكها ما يعني تغيير الإطار التقليدي عن طريق زيادة عدد الصحفيين الذين يزاولون المهنة بشكل شرعي وقانوني والحد من المزايا الانتقائية التي يجنيها أعضاء النقابة الحاليين وحدهم.

يضيف هذا الرصد إضافة معرفية إلى الدراسات السابقة حول الصحافة في المجتمعات المهنية المنقسمة وسط قوانين تحتاج لتغييرات، وتضع النتائج في سياق دعم الصحفيين لسياسة منع أنماط من العاملين بالصحافة الجديدة من دخول الصحافة خوفًا من عواقب تخريبية مفترضة، وهذا ما يعتبره البحث تواطؤ وعدم قبول من داخل المجتمع الصحفي، مما يحافظ على بقاء الوضع على ما هو عليه، لصالح فئة دون أخرى، بشكل لا يبرر عدم المساواة الشديدة بين فئتين تمارسان نفس العمل دون اختلافات مهنية جوهرية، كأحد نواتج تعريفات قديمة للصحافة ترى الصحافة من خلال منظور قانوني ضيق، على نحو يصب في صالح الانتماء المؤسسي ويؤكده، ويتماشى مع ظروف العمل التعاقدية، ونوع الإنتاج الصحفي (عبر الإنترنت أو المطبوع). والمحصلة النهائية هي ترسيخ المحددات الصارمة ولكن مع استمرار الصحفيين الرقميين والمستقلين في العمل في ظل ممارسات غير واضحة، الأمر الذي يؤدي فقط إلى موقف ظل يراوح مكانه. مع هدوء الأزمة النقابية الحادة، ظهر الوضع الحالي الذي يعكس حالة التعايش مع الواقع دون اتخاذ أي إجراءات لتوسع قاعدة العاملين بالصحافة وفي ظل التناقض الحاد بين الأطر التنظيمية القديمة والديناميكيات غير الرسمية المتدفقة المصاحبة لنمو المنصات الإعلامية الرقمية ليصبح عدم الاستقرار متأصلاً في البيئة الصحفية ليس فقط لأن الصحفيين الرقميين يؤدون نفس المهام ولكن أيضًا لأنهم يتفوقون أحيانًا على أقرانهم في الصحف المطبوعة، واستخلص المقال أن أزمة النقابة في 2016 لم تحدث التغيير الجذري في التنظيم الهيكلي للمهنة؛ وبالتالي ظل الصحفيون الإلكترونيون والمستقلون مستبعدين قانونًا من ممارسة الصحافة وإلا يتهموا بانتحال المهنة، مؤكدًا أن النظام الراهن لا يتسبب في نقص الحماية فحسب، بل يضر كذلك بقدرة الصحافة على البقاء على المدى الطويل.

تكلفة باهظة على عاتق الصحافة

وأضاف بحث حنان بدر أن ثمة تكلفة باهظة لعدم توصل نقابة الصحفيين المصرية، من جهة، والصحافة الرقمية، من جهة أخرى، إلى الاتفاق على إزاحة الحدود لكي تستوعب الجميع تحت مظلتها،: تدفع التحديات الصحفيين الرقميين والصغار إلى الهامش ليظلوا في موقع الضعف، مما يؤدي غالبًا إلى تطبيق الرقابة الذاتية، والحرص على تجنب الخلافات، والتوفيق بين أماكن عمل متعددة وسط مخاطر تتعلق بالسلامة والصحة، بل وقرار العديد من الصحفيين ذوي الخبرة بترك المهنة في السنوات الأخيرة بسبب عدم اليقين السياسي والصعوبات المالية، والانتقال إلى مجالات أخرى مثل التدريب الإعلامي أو العلاقات العامة أو العمل بالأوساط الأكاديمية، مما أثر على جودة الصحافة المصرية وتنوعها.

وهكذا؛ ظل الإطار القانوني السياسي طاردًا للصحفيين غير التقليديين من المهنة، ولكن دون تطوير رؤية جديدة قابلة للتطبيق بالتوازي مع تقدم الصحافة الرقمية وتغلغلها في المجال العام، بما ينذر باحتمالات حدوث تصعيد متجدد في المستقبل طالما لا تستوعب منظومة الصحافة كافة أبنائها وبناتها من الممارسين. واستخلص المقال أن الإصرار على استبعاد الصحفيين الجدد والإلكترونيين والمستقلين، على الرغم من أعدادهم المتزايدة، يعكس عدم الرغبة الهيكلية في استيعاب التغيرات الأخيرة في مهنة الصحافة، ما يعني المزيد من تآكل رأس المال الاجتماعي للنقابة وتأثيرها، حيث يتحول المجتمع الصحفي إلى سلطات مهنية وطنية أو إقليمية أخرى يلجأ إليها هؤلاء من اجل نيل الاعتراف بهم، على سبيل المثال، من خلال تقديمهم في جوائز الصحافة، ويوضح البحث كيف بقي المجال الصحفي في مصر مغلقًا من وجهة النظر القانونية، ليس فقط أمام المدونين أو الصحفيين الإلكترونيين، ولكن حتى بالنسبة لصحفيين متفرغين، خاصة مع عدم إتاحة الفرصة لتأسيس كيان نقابي جديد يستوعي ويحمي المستبعدين، وبالتالي، لا تزال النصوص القانونية تشكل أدوات قوية لتحديد هوية الصحفيين، مما يفرض تحديات هائلة على الصحفيين غير التقليديين في الواقع العملي.

تجارب الدول الأخرى

وبينما تسلط هذه الدراسة الضوء على الصحافة في مصر ما بعد الربيع العربي، فإن آثاره تتجاوز الحالة المصرية بخصوصيتها. وقدم تحليلاً لأبعاد قابلة للمقارنة ببلدان أخرى تحاول موازنة تحولات الرقمنة، والخلاف حول المحددات القانونية، والتغيرات الديموغرافية والقدرة على استيعاب الأعداد الهائلة من الشباب، وتصاعد أهمية الوسائط الرقمية، والمستويات المتفاوتة من ممارسات الجهات التنظيمية، من جانب آخر تتشابه هذه المناقشات حول توسيع الحدود المهنية وتجديد الثقافة المهنية السائدة مع نظيراتها في دول أخرى عربية مثل أدوات الاحتواء الناعم التي تطبقها المملكة الأردنية الهاشمية، أو حالة التشرذم المهني بسبب الطائفية في لبنان أو العراق، بل وحتى في البلدان غير العربية، مثل اليونان، التي لم تضم نقابتها الكبرى بأثينا الصحفيين الإلكترونيين إلا مؤخرا في عام 2017.