سعيد الشحات: هذا ما يميز "ذات يوم" عن غيره من الكتابات التاريخية

حوار: طاهر عبد الرحمن

سمير صبري أخبرني أنه يتمنى تحويل “ذات يوم” لمادة تلفزيونية

الكتابة التاريخية تعاني من عدم التوثيق

كٌتاب وباحثون استعانوا بـ “ذات يوم” كمرجع لكتاباتهم

عبد الله السناوي أشاد بطريقة كتابة “ذات يوم”

خالد صلاح قدم كل العون لتنفيذ “ذات يوم”

يٌعد باب “ذات يوم” الذي يكتبه الكاتب الصحفي الكبير، سعيد الشحات، في جريدة “اليوم السابع”، منذ عام 2014، واحدًا من أهم وأبرز الأبواب في الصحافة المصرية هذه الأيام، حيث استطاع الكاتب تطوير فكرة الكتابة عن “الحدث التاريخي”، فلم يقدمها بالطريقة التقليدية والمعروفة “بحدث في مثل هذا اليوم”، وأصبح الباب – رغم صغره النسبي – بحثًا تاريخيًا في الواقعة أو الحدث، مستعينًا بكم هائل من المراجع والشهادات، والتي تدل على مجهود غير عادي من الكاتب.

عن فكرة “ذات يوم” وكيف تحولت إلى موسوعة تاريخية، وطريقة كتابتها وردود الأفعال، أجرى “إعلام دوت كوم” حوارًا مع “الشحات” يتحدث عنها وعن مشروعه الأدبي المُقبل، وذلك فيما يلي:

كيف بدأت فكرة “ذات يوم “؟

الفكرة عاشت معي منذ سنوات طويلة، ولا أبالغ إن قلت أنها بدأت معي منذ بداياتي الصحفية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وأساسها أنني أعشق قراءة التاريخ والسير الشخصية منذ أن وعيت للقراءة، وكانت كتابات قامات صحفية تجذبني وهي تحقق أحداثا تاريخية، أو تستدعي قصة تاريخية لتقديمها بطريقة سهلة وميسرة للقراءة، وأذكر في ذلك أحمد بهاء الدين في كتابه “أيام لها تاريخ “، ومحمود السعدني في كتابه “مصر من تاني”، وصلاح عيسى في كتابه “حكايات من دفتر الوطن”، ومحمود عوض في كتابه “أفكار ضد الرصاص”، وأبو المعاطي أبو النجا في روايته “العودة من المنفى” التي تحكي سيرة عبد الله النديم.

كنت كلما أقرأ لواحد من هؤلاء في هذه الكتب وغيرها، يداعبني الأمل في أن أحذو حذوهم في هذا المجال من الكتابة، حتى جاءت الفرصة عام 2014 لتحقيق هذا الأمل، حيث تقدمت بفكرة “ذات يوم” إلي رئيس تحرير “اليوم السابع” الصديق الأستاذ خالد صلاح، فتحمس لها جدا، وقدم كل العون خاصة في شراء المراجع اللازمة، والفكرة هي ببساطة، إعادة تقديم وقراءة حدث وقع في نفس اليوم الذي أكتبه فيه، وقد يكون هذا الحدث مضى عليه ألف عام وأكثر.

لكن هذه الفكرة موجودة منذ سنوات طويلة، تحت مسميات مختلفة أشهرها “حدث في مثل هذا اليوم”، فما الجديد الذي قدمته في “ذات يوم” وتختلف به عما قبل؟

هذا سؤال مهم، وبالفعل فإن الصحافة المصرية والعربية منذ ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي تنشر فكرة “حدث في مثل هذا اليوم”، وكان أمامي اختيارين، الأول: إما أن أقدم فكرتي بنفس طريقة السابقين وبالتالي فلن أضيف شيئا، والثاني: أن أبحث عن طريقة جديدة تكون بمثابة إضافة حقيقية، وهذا ماحدث.

 

ما هي هذه الطريقة؟

كتابة الحدث بطريقة قصصية تعتمد على السرد الروائي، وذلك لجذب القارئ، ويكون السرد أو الحكي وفقا لرؤية فكرية أو سياسية، ويعتمد على مراجع تاريخية موثقة، وبالتالي فإنه لامجال للتزييف، ويحضرني في هذا المقام، القول بأن أكبر نقطة ضعف شائعة في الكتابة التاريخية الصحفية، أنها تذكر الحدث أو القصة التاريخية بلا مراجع، فيبدو كاتبها وكأنه هو المرجع، وتلك مصيبة كبرى أدت إلى كوارث في سرد التاريخ عبر موضوعات صحفية.. هل يعقل أن نرى ونقرأ صفحات كاملة تحكي عن حدث تاريخي بعيد أو حتى قريب دون الإشارة إلي أي مرجع، هل يعقل أن يكتب صحفي بهذه الطريقة البائسة ثم نجد استسهالًا بالنقل عنه دون التوقف أمام صحة أو خطأ ما يكتبه.

ولأني احترم الحقيقة، واحترم عقل القارئ، واسعي إلى المصداقية، أقدمت على الكتابة الموثقة، فلا أروي قصة حدث دون الإشارة إلى مراجعه، ولهذا يجد القارئ في قصتي اليومية الواحدة إما مرجع واحد، أو مرجعين أو ثلاثة، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلي خمس مراجع في القصة الواحدة التي تبلغ عدد كلماتها 600 كلمة يوميا.

 

كيف استقبل القراء هذه الطريقة في الكتابة؟

استقبلوها بترحاب بالغ وإعجاب شديد.. لمست اهتمامهم وإعجابهم في اتصالات بي عبر الجريدة تقترح أحداثا، وتناقش في بعض تفاصيل جاءت في الموضوع، وأخرى تعبر عن اندهاشها من حقائق يعرفونها لأول مرة. أذكر أن الفنان الكبير عبد العزيز مخيون اتصل بي كي يطلب مني مقابلة شباب من قبيلته الممتدة في البحيرة ومرسى مطروح ليمدوني بوثائق عن معركة خاضوها ببطولة نادرة في الحرب العالمية الثانية في العلمين، وقال لي أنه وهؤلاء الشباب تحمسوا لي بعد متابعتهم لـ “ذات يوم”.

كيف استقبلها الباحثون والصحفيون والمهتمون؟

كان الصدى عند الباحثين والصحفيين والمهتمين طيبا جدا، وعلى سبيل المثال، فإن المجلدين الصادرين باسم “ذات يوم “،  بالإضافة إلي باقي حلقات السلسلة المنشورة والتي لم يتم جمعها في كتب اعتمد عليهم زملاء كتاب محترمين كمراجع لبعض مؤلفاتهم، وراجعني بعض الذين يعدون رسائل للماجستير والدكتوراه في اختيار موضوعاتهم، وذلك دون سابق معرفة، كما وجدت سيلا من الكتابات الصحفية المرحبة بصدور المجلدين، أضف إلي ذلك فإنه حدثت بعض المواقف المعبرة عن هذا الترحيب، ففي عام 2015 زار الجريدة الدكتور مصطفي الفقي، وقال للأستاذ خالد صلاح رئيس التحرير: “فين سعيد اللي بيكتب ذات يوم ومساحتها أد كف اليد”، وفي اللقاء طرح أسئلة حول.. كيف أختار الحدث؟.. وكيف ألخصه بهذه الطريقة المكثفة ؟ وكيف أكتبه؟

في زيارة أيضا لليوم السابع، طلب الفنان سمير صبري أن يأتي إلى مكتبي ليشكرني عما أقدمه، وعبر لي عن أمله في أن يحول ما أكتبه إلي مادة تليفزيونية لأن طريقتي تصويرية في الكتابة، وسألني: “هو أنت أصلا كاتب سيناريو؟.. كما حدثني مؤرخون كبار أبرزهم الدكتور قاسم عبده قاسم، وكثيرا ما أشاد صديقي وأستاذي الكاتب الصحفي الكبير عبد الله السناوي، قائلا لي: “حدث في مثل هذا اليوم، باب موجود في الصحافة من زمان لكن يحسب لك أنك أحدثت نقلة فيه سيذكرها الباحثون، وهي التوثيق والرؤية وطريقة الكتابة”.

وأخيرا فإن التفاعل الذي يعبر عن كافة درجات الوعي، أجده في المناقشات التي تتم يوميا عبر الصفحة التي أنشأتها باسم “ذات يوم” على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”.

أعيد عليك سؤال الدكتور مصطفي الفقي: علي أي أساس يتم اختيار حدث اليوم؟

أنا في هذا الأمر كالتلميذ الذي يذاكر واجباته استعدادا للامتحانات.. لدي أجندات بلغ عددهم أربعة منذ بدأت تنفيذ فكرتي، وفي كل صفحة مخصصة ليوم معين أقوم بالتدوين فيها لأي تاريخ مكتوب يقابلني أثناء قراءاتي، وللتوضيح أعطيك مثالا هو أنني قرأت في كتاب “الأزهر جامع وجامعة”، الجزء الثاني، للدكتور عبد العزيز الشناوي: “أهل القاهرة انتفضوا ضد سياسة محمد علي باشا الضريبية يوم 29 مارس 1822″، فأكتب في صفحة 22 مارس بالأجندة هذا الحدث بسنته واسم المرجع الذي أخذته منه، وهكذا في كل الشهور، وحين استعد لكتابة الزاوية أعود لهذه الأجندة، وأفتح علي التاريخ الذي سأكتب عنه، واختار من بين مجموعة الأحداث المدونة في صفحته الحدث الذي أكتب عنه، ثم استعين بالمراجع الموجودة في مكتبتي التي تناولته، ويستغرق ذلك مني ساعات طويلة يوميا في جمع المادة من مصادرها ثم كتابتها.

 

طالما يكون أمامك أكثر من حدث، فماهي المعايير التي ترجح اختيارك لحدث دون غيره؟

أولًا، ترجيحي يكون للحدث المحلي، ثم العربي، فالعالمي، وأوازن في النشر بين ماهو سياسي وثقافي وفكري واجتماعي، حتى تكون هناك واجبة تاريخية متكاملة في كافة المجالات.

ثانيا، تشدني الأحداث غير الشائعة، ويشدني غير الشائع في الحدث المعروف، وثالثا، أبحث عن المسكوت عنه، فحين أتحدث مثلا عن حروب مصر يجذبني ما هو غير معروف عن أبطالها وقادتها، وبطولات الجنود العاديين، وتجذبني سيرة الشهداء عامة، والشهداء الذين لم يذكرهم التاريخ رغم بطولاتهم النادرة.

وحين أتحدث عن الدكتور طه حسين مثلا، يستوقفني خفقان قلبه حين استمع لأول مرة إلي صوت مي زيادة، فأذهب إلي هذا الحدث بنفس الحماس الذي أذهب فيه إلى المعركة التي نشبت ضده بسبب كتابه “الشعر الجاهلي”.. وحين أكتب عن أم كلثوم، يشدني كيف تعذب العبقري محمد القصبجي في حبها، وكيف أحبت الموسيقار محمود الشريف، في نفس الوقت أبحث عن كيف دارت هذه السيدة العظيمة في محافظات مصر وعواصم عربية وعالمية لتقديم حفلاتها دعما للمجهود الحربي بعد نكسة 5 يونية 1967.

نرشح لك: 8 نصائح لمدمني القراءة للتغلب على تهديدات “كورونا”

هل يمكن تكرار الكتابة عن يوم مرتين إذا ظهرت وثائق جديدة؟

نعم، وأفعل ذلك، إما في حالة ظهور وثائق جديدة، وإما لعدم أخذ الحدث حقه، وعلى سبيل المثال، كنت أكتب في البداية “عام 2014 ” الحدث يوم وقوعه أي يوم ذروته، وفيما بعد اكتشفت مثلا أن يوم وقوع الحدث يسبقه مقدمات، ثم يترتب عليه نتائج، ومن هنا جاءتني فكرة كتابة الحدث الواحد على أكثر من يوم، ففي حدث وصول الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش إلي مصر عام 1971 للبقاء فيها قادما من موسكو في عملية سرية، قسمته إلي يوم وصوله، ثم يوم انعقاد مؤتمر صحفي عالمي في مبنى الإذاعة والتليفزيون بحضور وزير الإعلام محمد فايق للإعلان عن يوم وصوله، وهكذا في أحداث أخرى.

يبدو من هذه الطريقة أنها ساهمت في حل مشكلة مساحة الكتابة في “اليوم السابع؟

أستطيع أن أقول ذلك، هي بالفعل ساهمت في حل مشكلة المساحة، مع العلم أنني مقتنع بالمساحة المتاحة حاليا “600 كلمة “، حرصا على أن لا يصاب القراء بالملل، والحقيقة أن هناك من طالبني بزيادتها، وهناك من نصحني بالحفاظ عليها هكذا، وانحزت إلى الإبقاء على المساحة الحالية.

هل انحيازك السياسي يؤثر على كتاباتك للحدث؟

بطبيعة الحال أنا لي انحيازاتي السياسية، لكن أحاول قدر الإمكان تحري الدقة والموضوعية في الحدث التاريخي، غير أن هناك مسائل عندي من أساسيات انحيازاتي، فلا يعقل مثلا أن أكون منحازا للإرهابيين ضد الدولة تحت أي مسمى، ومن هنا لا أتبنى مطلقا روايات متهافتة ومغرضة مثل أكاذيب جماعة الإخوان بأن محاولتهم اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية عام 1954 تمثيلية، وأنهم براء من خططهم الإرهابية التي كان تنظيمهم يعتزم تنفيذها بزعامة سيد قطب عام 1965، أو إرهابهم منذ فترة السبعينيات من القرن الماضي والممتدة حتي الآن، ولا أنحاز لرؤية صداقة إسرائيل.

من الطبيعي أن للحدث الواحد روايات متعددة، فكيف تفاضل بينها وتختار واحدة منها؟

أنا أبحث عن القوام الرئيسي لرواية أي حدث، ثم أبحث عن التفاصيل، وأقارن بين مصادرها المختلفة، طبقا لمعايير موضوعية ومنطقية، وأعرض وجهات النظر المتعارضة، دون تدخل مني وأترك للقارئ الاختيار والمفاضلة.


ماذا عن الكتاب الجديد؟

هو مذكرات الفنان الراحل محمد رشدي كنت حصلت عليها عام 1990، وظلت حبيسة أدراجي طوال هذه السنوات، غير أنني قمت بتحقيقها وليس كتابتها بطريقة سردية منها، حيث عدت إلي نحو 40 مرجعا بين كتب ومجلات وجرائد، لتحقيق الحوادث التي يذكرها، مما أدي إلي أن يكون الكتاب وكأنه قصة عصر عاش فيه الفنان الراحل منذ مولده عام 1928 وحتى رحيله عام 2005.. الكتاب يتعرض بالتوثيق النشأة الأولى لمحمد رشدي في دسوق وكفاحه ومعاناته في ظل الفقر الذي كانت عليه أسرته، ثم مجيئه إلى القاهرة ورحلته التائهة فيها حتى عام 1961 حين قدم موال أدهم الشرقاوي، وبعدها انطلق ليصبح المطرب الشعبي الأول في مصر في فترة الستينيات، وقصته مع عبد الحليم حافظ وبليغ حمدي وعبد الرحمن الأبنودي وحلمي بكر، وجمال عبد الناصر وأنور السادات، ويحتوي على أسرار فنية وسياسية  كثيرة.. الكتاب كان مفروض طبعه أول أبريل لكن تأجل بسبب أزمة كورونا، وعنوانه “محمد رشدي.. موال أهل البلد غنوه”.


نرشح لك: 100 كتاب ورواية يرشحها لك المثقفون للقراءة خلال حظر التجول