“بنت الجيران”.. لماذا ينحاز الجمهور للأغاني الشعبية؟

تخطَّت أغنية “بنت الجيران” التي غُنِّيَت بمهرجان شعبي في مصر يحمل الاسم ذاته، الـ100 مليون مشاهدة على موقع “يوتيوب” في أقل من شهرين، للمغني المصري حسن شاكوش، والذي مُنع من الغناء بقرار صادر من نقابة المهن الموسيقية المصرية، بعد أن حقَّقت الأغنية انتشارًا واسعًا في الوطن العربي.

وهذه ليست المرة الأولى، فعادةً ما تحصد أغاني المهرجانات المصرية ملايين المشاهدات؛ مثل أغنية “وداع يا دنيا وداع” للمغني حمو بيكا. وبينما تصل أعمال موسيقيِّي الموسيقى النخبوية؛ مثل زياد الرحباني وعمر خيرت وغيرهما، إلى مئات أو عشرات الآلاف من المشاهدات فقط، تثير هذه المقارنة السؤال عن سبب نجاح الأغاني الخفيفة وانتشارها سريعًا في العالم وليس في الوطن العربي فقط.

صيغة مشتركة

في دراسة أجرتها جامعة فيينا الطبية، في النمسا، تناولت 500000 ألبوم موسيقي شعبي (pop music) كعينة للبحث، قام باحثون خلالها بتقييم مدى تعقيد النوع الموسيقي الذي تعتمد عليه الموسيقى الشعبية بمرور الزمن، فدرسوا مثلًا جزيئات الصوت والاختلافات الصوتية، ووجدوا أنه في كل الحالات -المشمولة في الدراسة- تقريبًا، الموسيقى المستخدمة عامة ومألوفة.

وفي سبيل تفسير ذلك، يوضح الباحثون أن الموسيقى في حالة الأغاني الشعبية تتفرَّد بصيغتها؛ لأنها متشابهة وذات تنوع منخفض، ولأن موسيقييها يمتلكون مهارات مماثلة؛ لذلك يلجأ الناس إلى الموسيقى الشعبية؛ لأنهم معتادون عليها، ويفضلون الابتعاد عن التعقيد الذي تتسم به أنواع الموسيقى الأخرى.

إضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أنه عند ظهور أغنية ذات صدى؛ فإن الإذاعات تستخدمها لضمان الاتصال مع الجمهور عبر الموسيقى، فتبدأ بإذاعة الأغنية مرارًا وتكرارًا؛ الأمر الذي يتيح لها ذيوعًا أوسع، معتمدين بذلك على إحدى الفرضيات التي تقول إن الأجزاء المسؤولة عن الانفعالات؛ خصوصًا مراكز المكافآت في الأدمغة، تستجيب بفاعلية أكبر للأغاني التي تعرفها، مقارنةً مع استجابتها لتلك غير المعتادة.

لماذا “بنت الجيران” تحديدًا؟

استنادًا إلى ما سبق، فإن لحن أغنية “بنت الجيران” سيكون مكررًا ومألوفًا بالنسبة إلى الجمهور الذي يميل، وَفقًا للدراسة، إلى الموسيقى الاعتيادية التي تعتمد على صيغ متشابهة، ويبتعد عن التعقيد الذي تتبناه الموسيقى الكلاسيكية مثلًا، وهذا هو السبب الأول لشيوعها.

أما السبب الثاني فيمكن نسبه إلى موضوع الأغنية، فوَفقًا لورقة بحثية أعدها الباحثان جونا بيرغر وجرانت باكارد، ونُشرت في مجلة “Psychological Science”، استخدما خلالها تصنيفات التنزيل الرقمي لـ”بيلبورد”؛ وهي مجلة أمريكية أسبوعية متخصصة في مجال صناعة الموسيقى. وضمت الورقة 4200 أغنية.

قام الباحثان برصد الكلمات المشتركة في الأغاني، وبناءً عليه حدَّدَا مواضيع شائعة؛ منها “الحب غير المؤكد” و”الحب الناري”. والحب في الأغاني العربية هو الموضوع الأكثر شيوعًا، وهذا ينطبق على موضوع أغنية “بنت الجيران”، التي يمكن تصنيفها بأنها تضم الموضوعَين.

وأخيرًا الكلمات، فيمكن اعتبارها سببًا مهمًّا أدَّى إلى تفوُّقها؛ حيث استوقفت كلماتها المستمعين الذين اقتبسوا جملها ونشروها على مواقع التواصل الاجتماعي، فمن الدارج أن يتغزل المغني بحبيبته فيقول: “قمرين دول وَلَّا عينيك” أو تقول المطربة “يا حبيبي كل حاجة بحبها حبيتها بك” أي من خلال حبِّي لك؛ لكن ليس من المعتاد أن يتغزل شخص بحبيبته فيصفها قائلًا: “سكر محلِّي محطوط على كريمة” أو “يا جمال مراية العين”! فالوصف والتشبيهات في الكلمات مباشر وواضح؛ ولكنه مبتكر إذا جاز الوصف، ما أعطى الأغنية طابعًا فنتازيًّا.

موسيقى مغمورة

إذا أخذنا الموسيقى الكلاسيكية على سبيل المثال سنجد أنه على مدى العقدَين الماضيين انخفضت مبيعات تذاكرها، التي وصلت إلى 3٪ من إجمالي التذاكر التي بيعت خلال عام 2008. وعلى العكس من الموسيقى الشعبية، فإن الموسيقى الكلاسيكية مركبة ومتنوعة؛ لذلك تلقَى رواجًا أقل، لأنه وَفقًا للدراسة السابقة فإن أدمغتنا تميل إلى الموسيقى المألوفة.

وفي ما يتعلق بالموسيقى والأغاني النخبوية وموسيقى الفن البديل، فإن مواضيعها عادةً تناقش قضايا اجتماعية وإنسانية وسياسية، يمكن وصفها بالمعقَّدَة، ولا تلقى اهتمام الشريحة العظمى التي تنحاز لمواضيع أخرى أكثر بساطةً كالحب والرقص، خلاف المواضيع التي تهتم بها النخب.

مع تطور التكنولوجيا وظهور الأجهزة الذكية باتت الحياة سريعة؛ لذلك يفضل الجمهور السرعة حتى في الموسيقى، فالأمتع بالنسبة إلى شريحة كبيرة منه أن تستمع إلى أغنية طولها 4 دقائق، أما المقطوعات الموسيقية فقد تمتد إلى ساعة، كما هي الحال بالنسبة إلى أغاني أم كلثوم؛ حيث باتت غير مستحبَّة السماع لجمهور زماننا هذا.

المصدر: كيو بوست