ما الذي يحمله العقد المقبل للصحافة؟

نقلًا عن منتدى المحررين المصريين
إيهاب الزلاقي

شهد العقد الماضى العديد من التطورات والانعطافات الكبيرة التى أعادت تشكيل أوضاع الإعلام وفى القلب منها الصحافة، من الطفرة الضخمة لأجهزة الموبايل الذكية التى أثرت على أساليب وطرق استهلاك المحتوى الإعلامى، إلى التحول الملحوظ فى نماذج الأعمال حيث تبحث المؤسسات الإعلامية عن طرق جديدة للحصول على الأموال بديلا عن إيرادات الإعلانات المتراجعة. ولكن ما الذى يحمله العقد الجديد الذى بدأ منذ أيام قليلة لهذه الصناعة؟

موقع “جورناليزم” البريطانى المتخصص فى شؤون الإعلام تحدث إلى عدد من الخبراء فى المجال عن توقعاتهم للصناعة فى السنوات المقبلة، ورغم أن هذه التوقعات تتعلق أكثر بالسوق البريطانية، إلا أنها بشكل عام صالحة للتأمل فى باقى المناطق مثل مصر، حيث أن الأطر العامة التى تحكم صناعة الإعلام أصبحت متجاوزة لفكرة خصوصية السوق إلا فى بعض التفاصيل الدقيقة، وفى السطور المقبلة نرصد أهم التوقعات.

المعلومات المضللة

جذبت تقنيات التزييف العميق Deepfakes اهتماما عالميا كبيرا على مدار الأعوام القليلة الماضية، باعتبارها أكبر تهديد سوف يواجه الصحافة خلال السنوات المقبلة، والأمثلة التى طورتها وكالة رويترز حول هذه التقنيات تقدم لمحة مقلقة عما قد تطرحه التحديات الجديدة للمعلومات المضللة على الصحافة فى السنوات المقبلة.

ورغم ذلك، يقول “آلاستير ريد” المحرر الرقمى فى مؤسسة “فيرست درافت” أن وصول تقنيات التزييف العميق إلى مستوى الاستخدام الجماهيرى الواسع أمامه بعض الوقت وهو ما يمنح الفرصة للصحافة لكى تستعد لمواجهة ذلك التحدى، قائلا: “كل شخص لديه خوف كبير بشأن التزييف العميق، ولكن لا يوجد قفزة جديدة فيما يتعلق بتزييف مقاطع الفيديو والتلاعب بها والتى شهدها العالم”.

ويضيف: “نحن نشاهد الكثير من المقاطع التى يطلق عليها الخبراء اسم “التزييف الضحل”، وهذا النوع الذى يسهل كشفه هو الأكثر انتشارا وحضورا، وما تحتاجه الصناعة فى الفترة المقبلة هو تغيير بشكل جماعى حول الأساليب التى نتعامل بها مع تلك التقنيات، ولكن هذا الأمر سوف يستغرق بعض الوقت”.

يوافق “مات نافارا” الخبير فى شبكات التواصل الاجتماعى على وجود أسباب تدعو إلى التفاؤل فى المعركة التى يخوضها الإعلام ضد انتشار المعلومات المضللة، قائلا: “أعتقد أن هناك حالة من ارتفاع الوعى بالموضوع، كما أن العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى توحد الجهود لمواجهة هذا الخطر”.

ورغم ذلك يقول ريد إن مشاكل المعلومات المضللة والزائفة سوف تزداد سوءا قبل أن تتحسن: “أمامنا العديد من نقاط الهبوط فى هذا الموضوع قبل أن نضرب مرة أخرى”.

التكنولوجيا

جلين مولكاهى صحفى الموبايل يرى أن هناك العديد من التطورات التكنولوجية المقبلة والتى تنطوى على إمكانيات هائلة لسرد القصص، ولكنها تأتى مصحوبة ببعض المخاطر، وعلى سبيل المثال، فهناك تكنولوجيا الواقع المعزز AR التى تعتبر مجالا رئيسيا يمكن أن تزدهر فيها أساليب رواية القصص بطريقة جديدة لإشراك الجماهير، ومع ذلك فهناك شكوك كبيرة حول استفادة الإعلام بشكل كبير من تقنيات مثل الحقيقة الافتراضية لأنها تتطلب الكثير والكثير من المعدات الإضافية والتجهيزات.

ويقول مولكاهى: “تجربة تطبيقات مثل بوكيمون جو تظهر أن الجمهور لديه شهية مفتوحة لتكنولوجيا الواقع المعزز لأنها تقنيات سهلة الاستهلاك، وهذه هى المشكلة التى تواجهها تقنيات مثل التصوير بالزوايا الكاملة 360 درجة، والحقيقة الافتراضية VR لأن المستهلك فى هذا الوضع يحتاج إلى أجهزة ومعدات إضافية، بينما على العكس فى حالة الواقع المعزز حيث يمكن استهلاكها باستخدام الجهاز العادى الذى يمتلكه المستخدم”.

ويستطرد: “على الرغم من أن تقنية التصوير بـ 360 درجة ما تزال تنمو، ومن المحتمل أن تشهد تطورا كبيرا، إلا أن صداها ما يزال محدودا مع الجمهور، كما أن استخدام أجهزة مشاهدة الحقيقة الافتراضية ما يزال أقل بكثير مما كان متوقعا قبل ثلاثة سنوات فقط”.

وعلى الرغم من الإمكانيات الكبيرة المحتملة لرواية القصص باستخدام الواقع المعزز، إلا أن هذا المحتوى ما يزال يحتاج إلى عمل كبير من ناحية البرمجة، ولا توجد منصة سهلة لعرضه. ومع ذلك، ومع نمو الطلب على استهلاك مثل هذا المحتوى قد تساعد تقنيات تعلم الآلة فى تقليل الوقت والجهد اللازمين لإنشاء مشاريع الواقع المعزز.

يحمل المستقبل أيضا أنواع أخرى من التكنولوجيا لغرف الأخبار، ومنها أنظمة التحقق التلقائى من المعلومات وهى الأنظمة التى يتم تجريبها حاليا، وكذلك تقنيات 5G للموبايل والتى ستساهم فى تعزيز البث المباشر للأحداث، وعدد من الأدوات الأخرى مثل Adobe Sensei التى تستخدم تقنيات تعلم الآلة للمساعدة فى إنجاز المشروعات بما فى ذلك تحويل مقاطع الفيديو التقليدية إلى لقطات رأسية مثالية للتشغيل على أجهزة الموبايل.

التمثيل والتنوع

من المحتمل أن يشهد العقد المقبل تحولا كبيرا فى كيفية عمل غرف الأخبار نفسها، حيث سيصل مواليد الألفية إلى المناصب الإدارية العليا فى المؤسسات الإعلامية. ويقول بولى كورتيس المحرر فى تورتويز ميديا: “أعتقد أن جيلى، والجيل الذى تعملت منه يشعر بإحساس مختلف حول أساليب عمله، مقارنة بالأجيال الجديدة التى تأتى إلى غرف الأخبار، هذه الفوراق تتعلق بكيفية العمل نفسه، والرغبة فى التحرك أكثر، واختلاف الدوافع”.

العام المقبل أيضا سوف يشهد قرار فيس بوك بالاستمرار فى تمويل مشروع الصحافة المجتمعية فى بريطانيا من عدمه مع اقتراب فترة التجربة من نهايتها، ومع نجاح المشروع فى جلب مجموعة متنوعة من المواهب إلى الصناعة، يأمل المجلس الوطنى البريطانى للصحافة فى استمرار دعم المنصة للمشروع لأن الأمر مفيد ليس فقط لغرف الأخبار فى الصحف المحلية، ولكن أيضا لجمهور المستهلكين.

نماذج التمويل

على الرغم من الحاجة إلى مواصلة تنويع مصار الدخل لوسائل الإعلام مع استمرار انخفاض عائدات الإعلانات، إلا أن الخبراء لا يتوقعون اختفاء المحتوى الإخبارى المجانى. وتبدو التوقعات أكثر فى اتجاه نظام ثنائى لتوزيع الأخبار يتنوع بين القادرين على الدفع مقابل المحتوى، والمواد المجانية.

ويبدو القلق الأساسى فى هذا الإطار متعلقا بالوضع الأخلاقى بالمقام الأول، حيث أن هناك قطاعات واسعة من الجمهور لن يتمكن من الدفع مقابل الأخبار، بالتالى سينتهى المطاف بمجموعة قليلة قادرة على الدفع وستحصل فى المقابل على جودة أعلى وأعلى، وإذا استمر الحال فى هذا الاتجاه فربما لن يبقى أمام مستهلكى المحتوى المجانى إلا المحتوى منخفض الجودة.

ويل جور، مدير التحرير السابق فى جريدة الاندبندنت، يتوقع أن هناك العديد المؤسسات الإعلامية ستجد نفسها مضطرة للصدور على الإنترنت والتخلى عن الصدور الورقى، مؤكدا: “الغالبية العظمى من المؤسسات لن تصل إلى هذا الوضع خلال سنة أو اثنين، ولكن من المتوقع بشدة أن يتسارع هذا الأمر خلال فترة خمس سنوات مقبلة”.

ويتفق خبير آخر مع هذا الطرح أيضا قائلا إن السنوات العشر القادمة ستكون محورية فى تحديد النموذج المستقبلى للمنظمات الإخبارية، “سواء كان التحول بالموت أو إعادة التكيف أو كليهما، ولكن فى كل الأحوال سوف يكتمل تحول الصناعة من قلاع الأمس إلى القلة الناجية وفق الأشكال الجديدة للصناعة”.

لمزيد من المتابعة على منتدى المحررين المصريين