بشير الديك: ندمت على ترك حقي في "الهروب".. و"زعلان" من عاطف الطيب

 

  • لا أعرف ما سر تهميش دوري في فيلم “الحريف”، وأن ينسب العمل لمحمد خان فقط.

  • ندمت على ترك حقي الأدبي والمعنوي في فيلم “الهروب”.

  • عاطف الطيب أخفى مرضه بالقلب على الجميع حتى لا يستبعده المنتجون.

  • لولا تغير السوق السينمائي بعد نجاح “إسماعيلية رايح جاي” لما تركت السينما.

  • لم أكتب في حياتي لشخص بعينه سوى أحمد زكي.

  • ورش الكتابة تلتهم المميزين في هذا الجيل، ولا تفرز كاتبًا مخلصًا لمهنته.

  • تعاهدت مع عاطف الطيب على أن “اللي يموت الأول، لازم يزور اللي عايش”، لكنه لم يزرني حتى الآن.

حوار: محمود مجدي

 

السيناريو هو العمود الفقري للعمل الفني، والسيناريست يلعب دورًا أساسيًا في صناعة الفيلم أو المسلسل، هو رب العمل الفني الحقيقي حتى لو لم تسلط عليه الأضواء بالشكل الكافي. واعترافًا منّا بقيمة ومكانة السيناريو قررنا فتح هذا الملف ومحاورة أهم رموز ورواد كتابة السيناريو في مصر، والحديث معهم عن أهم أعمالهم، والصعاب التي واجهوها في مشوارهم، وتفاصيل صناعتهم للعمل الفني، ومناقشتهم كذلك في العديد من القضايا الفنية التي تدور على الساحة حالياً، ونستضيف اليوم السيناريست بشير الديك.

 

حدثتنا عن الظروف التي أدخلتك عالم السينما؟

أنا من دمياط، جئت إلى القاهرة لأكتب في الدوريات وأشارك في المنتديات والجمعيات الأدبية لكتابة القصة القصيرة، كنت قارئًا جيدًا وأحب الأدب، لكن ظل حبي وشغفي بالسينما أكبر، وقادتني الصدفة إلى بيت مصطفى محرم وعرضت عليه قصة من 60 صفحة، فأعجبته، وقال إنها تصلح لسيناريو سينمائي، وكانت هذه القصة التي أعجبته هي فيلمي الأول “مع سبق الإصرار” الذي أخرجه أشرف فهمي، وانطلقت من هنا.

 

لو انتقلنا للحديث عن أهم أعمالك وبدأنا بـ”سواق الأتوبيس”، كيف جاءت فكرة هذا العمل؟

الفيلم بدأ بفكرة لمحمد خان عن سائق تاكسي يشعر بالغيظ والضيق وأمام ذلك يقوم بإشعال النار فى سيارته التاكسي ويتركه، وكان الفيلم اسمه “حطمت قيودي”، فاستحضرت شخصيات دمياطية عاصرتها أثناء معيشتي هناك منهم الحاج سلطان أبو العلا صاحب ورشة النجارة الميكانيكية، والذي جسده الفنان الراحل عماد حمدي وهو شخصية حقيقية، وهو والد صديقي الراحل جمعة سلطان الذى كانت وفاته غريبة، حيث مات من الضحك أثناء حديثه مع بعض أصدقائه، وقام نور الشريف بشخصية حسن وهو الشاب الذى أنهى خدمته فىيالجيش ويعمل سائقا للأتوبيس، وهي شخصية تمثل جيل شباب 1973، والذين  يتميزون بـ “الدم الحامي”، وكان معروفاً عنهم حرصهم على تجميل كابينة الأتوبيس الذي يقودونه، وكان عاجبني في هذا النموذج كفاحه، وبالفعل أعطى محمد خان السيناريو لعاطف الطيب وهو من أبناء منطقة شعبية وهي بولاق الدكرور، وأدى خدمته في الجيش، مما جعله أقرب للواقع وأبرز من يستطيع التعبير عنه أمام الكاميرات، وعرض الفيلم بالفعل وحقق نجاحا كبيراً.

 

هل كنت تتوقع أن يعيش فيلم “الحريف” في وجدان الملايين ويعاد اكتشافه والكتابة عنه من الأجيال الجديدة كما يحدث الآن؟

لا، لم يكن في ذهني ذلك عندما كتبت الفيلم، فأنا اعتمدت في كتابته على التفاصيل الدقيقة من دون توقف، عبر نموذج البطل فارس “اللامنتمي”، وغير المثقف الذي أراد لعب كرة القدم فقط، وحين يسأله ابنه في النهاية “ألن تلعب مرة أخرى؟!” يجيبه قائلا: “زمن اللعب راح يا بكر” والمقصود به زمن البراءة والمتعة، واللعب في الشارع بين الناس، حيث اتجه عوضاً عن اللعب إلى العمل في تهريب السيارات في إشارة واضحة إلى مرحلة “الانفتاح” حيث انهيار المجتمع.

في رأيي أن نجاح “الحريف” وانتشاره حالياً بسبب أن الجيل الحالي جيل غير تقليدي، ثوري، متمرد، والفيلم كذلك، فالفيلم ثوري وغير تقليدي من كل النواحي، رسم الشخصيات، والحبكة غير القائمة على صراع تقليدي، فالصراع في الفيلم كان جديداً ومختلفاً، ليس صراعًا مع أشخاص، أو كيانات، بل هو صراع مع الحياة، ففارس طول الفيلم كان يصارع الحياة، واستسلم لها ولقوانينها الجديدة في النهاية، فالفيلم روحه تتشابه مع روح الجيل الحالي وبالتالي حقق هذا الانتشارالكبير.

 

هل يحزنك عدم التقدير الجماهيري والإعلامي لمجهودك في هذا الفيلم؟

بالتأكيد، فمن غير المقبول أن ينسب العمل لـ”خان” كأنه صانعه الأوحد، فهذا العمل بذلت فيه مجهوداً كبيراً، وبعض المشاهد كتبتها وأنا أبكي، مثل مشهد (حديث فارس مع والده فوق السطوح).ولا أعرف حقيقةً ما سر تهميش دوري في الفيلم بهذا الشكل.

 

لماذا لم تتعاون مع عادل إمام في أفلام أخرى غير “الحريف”؟

“سواق الأتوبيس” عرض في البداية على عادل إمام ورفضه بحجة أن الشخصية سلبية، وأقول لك سراً، أثناء عودتنا أنا والمخرج محمد عبد العزيز والمنتج محمد السبكي والفنان محمد هنيدي من جلسة تحضير فيلم” حلق حوش” في الساحل الشمالي، شاهدنا الزعيم في استراحة الطريق، وعاد بسيارته للسلام علينا ومعرفة سر اجتماع هذه المجموعة سوياً، وبعدها حدثني تليفونياً وأخبرني برغبته في قراءة سيناريو “حلق حوش”، فأرسلته له، وبعدما انتهى من قراءته، أخبرني أنه لم يضحك منذ فترة طويلة مثلما ضحك في هذا السيناريو، لكنه سألني “أين دوري؟” فاعتذرت له لأنني طوال حياتي لا أحب تفصيل سيناريو على مقاس النجم.

 

لماذا توقفت عن التعاون مع خان بعد فيلم “الحريف”؟

خان كان متعجلاً وقلقاً طول الوقت، وأنا أحب أن أخذ وقتي في الكتابة، سأحكي لك شيئاً، زارني خان بعد “الحريف” في المنزل، وطلب مني كتابة سيناريو عن “بنتين بيحبوا بعض ونفسهم يروحوا اسكندرية وفي أخر الفيلم بيروحوا اسكندرية”، فقلت له “بس كدا؟!” فقال لي “أيوه” فأخبرته بأنى مشغول في كتابة فيلم آخر، وعلينا أن ننتظر حتى ننتهى منه، فنظر إلىّ متعجباً وخرج وهو عاقد العزم على التعاون مع كاتب آخر، لتترجم هذه الفكرة المجنونة إلى فيلم من أشهر أفلامه “أحلام هند وكاميليا”.

 

ما الفرق بين بشير الديك مع عاطف الطيب وبشير الديك مع محمد خان؟

الاختلاف كبير بدون شك، فأنا مع “عاطف” أكثر تعبيراً عن شخصيتي السينمائية، بينما مع “خان” أنا في حالة قراءة وترجمة لأعماقه وهواجسه وأفكاره، فأبطال عاطف الطيب ليس لهم علاقة بقضية الحرية، لأنهم أحرار بالفعل، يفعلون ما يريدون دون أن يشعروا أن أحداً أو قانون يحدهم، بينما أبطال “خان”، يشعرون بالقيود التي يتحركون فيها، ويحاولون القفز فوق أسوار العادات والتقاليد، والعرف والقانون لأنهم يشعرون بوطأة تلك العوائق، أكبر مثال على هذه الفوارق، مشهديّ محاكمة منتصر في فيلم “الهروب” ومشهد خيانة فارس لعصمت في “طائر على الطريق”؛ في “الهروب” مُنتصر أراد أن يحضر جنازة أمه، لم يفكر طويلاً، أحضر مسدساً وهرب على الفور من قاعة المحكمة، بينما فارس في “طائر على الطريق”، يترك عصمت الفتاة الجميلة التي تحبه، من أجل أن يحظى بالمرأة المتزوجة “فوزية” التي تبدو له أكثر إثارة، حيث يبدو من نظراتها أنها تعاني جنسياً، هذا هو الفارق، منتصر بطل ملحمي يقفز فوق الأسوار ويتحدى القانون الذي يعيقه عن أداء الواجب الإنساني، بينما فارس شاب متهوور مهووس بفكرة جنسية وغريزية بحتة.

 

هل نستطيع أن نقول أنك مع عاطف الطيب كنت في حالة “كتابة”، بينما مع خان كنت في حالة “قراءة”؟

صحيح.

 

ماذا عن تجربتك مع الفنانة نادية الجندي؟

فى هذا الوقت كنت كاتباً مشهوراً يتكالب الجميع على العمل معه، وأصبحت مطلوبا من العاملين فى صناعة السينما كافة، ومن ضمنهم الفنانة نادية الجندي وزوجها فى ذالك الوقت محمد مختار، والذى عرض علي رواية للكاتبة حسن شاه وكانت بعنوان “الضائعة” والتى شهدت تحولاً هائلاً فى التناول النقدي غير المسبوق إزاء أعمال نادية الجندي فى ذلك الوقت، وكان في ذهني أن أقدم أعمالا جيدة قد لا ترقى لمستوى الحلم الذي أبغيه، لكنها في ذات الوقت ليست أعمالاً غير مقبولة، ونجحت بالفعل في نقل “نادية” إلى مناطق درامية جديدة عليها تماماً، ودّعت فيها دور المرأة المسترجلة الذي كانت تتميز به قبل العمل معي، لدرجة أن زوجها المنتج محمد مختار كان يداعبني قائلاً: “نادية قربت تبقى شيوعية بسببك”. وبالمناسبة، كل أبناء الواقعية الجديدة كانوا يسعون للعمل مع نادية الجندي، فهي كانت نجمة الشباك الأولى في مصر في هذا الوقت.

 

هل ندمت على ترك حقك الأدبي والمعنوي في فيلم “الهروب”؟

صحيح، فالفيلم كتبه مصطفى محرم في البداية لكن لم يعجب “عاطف” فأرسله لي وطلب مني كتابته مرة أخرى، ونفذت ذلك بالفعل، بل واخترت الموسيقى التصويرية الشهيرة للفيلم، لكنني فوجئت بخلاف شديد بين عاطف الطيب ومدحت الشريف منتج الفيلم ومصطفى محرم، فاحتراماً لصداقتي بـ”مصطفى” في ذلك الوقت وأنه كان سبباً في دخولي لعالم السينما، طلبت عدم كتابة اسمي على التترات، بعدما أعدت كتابة الفيلم من البداية، وبكى عاطف الطيب بسبب ما فعلته، لكنني الآن ندمان بالفعل، وكلما شاهدت الفيلم أتألم بشدة فعلاقة “منتصر” بأمه فى الفيلم هي نفس علاقتي بأمي الله يرحمها في الحقيقة.

 

ما كواليس فيلم “ضد الحكومة”؟

استقيت “ضد الحكومة” من قصة حقيقية حين قتل 22 طفلاً تحت عجلات أحد القطارات، فوظفت الحادث وجمعت التفاصيل المتناثرة ووضعتها في السياق. وأردت عبر الفيلم تقديم مرثية للزمن الفائت، وفترة الزهو القومي، بعدما جاء الانفتاح و”اتباع” كل شيء.

 

يدور في الكواليس أنك تدخلت في كل سيناريوهات أفلام عاطف الطيب التي لم تكتبها، هل هذا صحيح؟

تدخلي كان بالرأي والنصيحة ليس أكثر، وهو ما حدث في فيلم “دماء على الإسفلت”، حيث كان هناك حوالي 50 مشهد لسرد قصة الحب بين البطل والبطلة، رأيت أنهم غير ضرورين ويمكن تعويضهم بمشهد واحد فقط، واقتنع أسامة أنور عكاشة بوجهة نظري، وشكرني على هذا الأمر.

 

جيل الواقعية الجديدة سيطر على السينما منذ بداية الثمانينات وحتى منتصف التسعينات، كيف كان شعور بشير الديك وعاطف الطيب في تلك الفترة وهما أبرز أبناء هذا الجيل؟

كنا سعداء للغاية، فأهم نجوم مصر كانوا يريدون العمل معنا، فاتن حمامة طلبتنا بعد “سواق الأتوبيس”، وكنا سنقدم مشروعاً سينمائياً لكنه توقف لأسباب إنتاجية، وكنا سنقدم مسرحية “ميوزيكال” مع نادية الجندي، لكن المشروع توقف بسبب مرض “عاطف”، عادل إمام كلما شاهدنا في مناسبة ما، كان يقول لنا “يا جماعة كل زمايلكم بيكسبوا من ورايا، أنتوا مش عايزين تكسبوا ليه؟!”، كنا “شغييلة” نعشق العمل، “عاطف” كان يعمل لمدة 16 ساعة رغم مرضه بالقلب، وأخفى مرضه على الجميع وأولهم أنا لمدة أربع سنوات، حتى يتمكن من العمل ولا يستبعده المنتجون بسبب مرضه، ورغم كل هذا الاحتفاء والتحقق، كنت أشعر بأنها فترة مؤقتة، وأننا لو لم ننفذ كل مشاريعنا التي نحلم بها في تلك الفترة، لن تتاح لنا الفرصة كي ننفذها مستقبلاً، وللأسف حدث ما توقعته.

 

ما أسباب تميز وتفرد جيل الواقعية الجديدة من وجهة نظرك؟

الدراسة، فأغلب أبناء هذا الجيل خريجين معهد السينما “فمتأسسين سينمائياً صح”، بالإضافة إلى الهم الاجتماعي، فنحن أبناء زمن جمال عبد الناصر فكنا نقدم مرثية لهذا الزمن الجميل، وننتقد سياسات مبارك والسادات بكل قوة، وخاصة الانفتاح الاقتصادي، فضلاً عن فهمنا العميق للشخصية المصرية، فالشخصية المصرية غنية ومتعددة الطبقات، ونحن كجيل استطعنا أن نلمس روح وعمق هذه الشخصية بشكل كبير، وقدمنا الواقع بصورة شاعرية رومانسية وليس بشكل فج، فإذا تأملت كل أعمالنا ستجدها تتناول الهامش الشعري للواقع، وهو ما أعطى لجيلنا هذا التأثير الكبير في وجدان الكثيرين.

 

لك تجربة مهمة في التلفزيون، وشكلت مع المخرج نادر جلال ثنائي عظيم قدم العديد من الأعمال المهمة في الشاشة الصغيرة، ورغم ذلك أشعر أنك تفضل السينما عنها وتعتز بتجربتك فيها كثيراً، هل كلامي صحيح؟

صحيح، فالسينما فن الإيحاء، الإيجاز، التكثيف، بينما الدراما فن البوح، الحكي، الاستطراد، السينما مثل الكتاب تستطيع تذكره بعد 60 عاماً، بينما من الصعب أن تتذكر 30 حلقة بعد نفس المدة، فأنا ابن السينما وكنت أعمل في الدراما بروح وتكنيك وشغف السينما ولولا تغير السوق السينمائي بعد نجاح “إسماعيلية رايح جاي” لما تركت السينما من الأساس.

 

بمناسبة التلفزيون، ما رأيك في مسلسل “الطوفان” الذي كتبه المؤلفان الشابان وائل حمدي ومحمد رجاء؟

المسلسل عجبني جداً، وقد جاءا لي في البداية وكانا متحمسين، فأعجبني حماسهما، ووافقت فوراً على طلبهما، وكانت النتيجة ممتازة.

 

إذا انتقلنا للحديث عن السيناريو، هل كانت طبيعة عملك تتوقف على كتابة السيناريو وتسليمه للجهة الإنتاجية أم كنت تتدخل وتبدي رأيك في الإخراج والموسيقى وبقية عناصر العمل؟

كل تفصيلة في العمل “ملكي”، فأنا مثل أحمد زكي في التمثيل تماماً، أتعايش مع العمل بكل تفاصيله، لو تطلب مني السيناريو الذهاب إلى القرى والنجوع، أذهب إلى هناك كي أشاهد وأتعايش مع الحالة كي أنقلها على الورق، وأبدي رأيي في الإخراج، وأتابع مونتاج الفيلم، واختار المزيكا، فأنا صانع عمل ولست صانع سيناريو، ومسئول عنه بداية من اختيار الفكرة وحتى خروجها للمشاهد.

 

ما أهم الأشياء التي تحرص عليها في أي سيناريو تكتبه؟

الدهشة، أن أفاجئ المتفرج دائماً “بتويستات” ومفاجآت، حتى أسيطر على المشاهد ولا ينصرف عن عملي، وأن يحمل السيناريو رسالة ما أريد توصيلها للمشاهد بشكل شاعري ورومانسي، ويكون صادقاً وبسيطاً فالصدق هو أقرب طريق للتأثير في وجدان المتفرج. كما أنني أذكر نفسي دائماً بأنني أنا الذي أقود المتفرج بمعنى أنني أجذبه إلى ما أريد أن أقوله وأطرحه، فأنا الذي أقوده وليس هو الذي يقودني، ونقطة هامة هنا أريد الحديث عنها هي أن أهم شيء بالنسبة لي عند كتابة أي سيناريو، السطر الأول للموضوع أو كما يسمى “باللوج لين”، يجب أن أعرف الحدث المفجر الذي ستنطلق منه الأحداث، إذا عرفته أسير معه، وأطلق الحرية التامة لشخصياتي بأن تعبر عن نفسها كما تريد، وكل دوري أن أوفر لها الحيز الذي ستدور وتنطلق فيه، وليس مهماً أن أحدد النهاية منذ البداية، فالنهاية تأتي معي على حسب طريقة سرد الموضوع.

 

هل تستكتب نفسك أم تكتب عندما تأتيك الكتابة ؟

أنا لست موظفاً، فالفن بالنسبة لي ليس لمجرد الوجود، أو “السبوبة”، لا بد أن تكون هناك أشياء تلح عليَّ كي أكتب، فأنا حتى الآن أبكي عند كتابة أي مشهد مؤثر، وأبكي أيضاً عند مشاهدة أعمالي، فأنا أتوحد مع شخصياتي وعوالمي، فهي جزء من روحي ولا تنفصل عني أبداً، كما أن الكتابة عمرها ما كانت “فلوس حلوة” بالنسبة لي، فأنا لم أكن شغوفاً بالمال، فبعد كل عقد كنت أوقعه، كنت أحتفظ بالعربون في منزلي ولا أصرفه، تحسباً لإعادته فى حالة عدم استمراري في العمل لأي سببب من الأسباب، فالكتابة عندي أقرب للصوفية، لها وجد ومذاق وسحر وعشق وطقوس روحية خاصة للغاية، فأنا أشعر بالتطهر والسمو كلما مسكت القلم وكتبت.

 

هل كتبت أعمالًا خاصة لأشخاص بأعينهم طوال تاريخك الفني؟

لم أكتب فى حياتى لشخص بعينه سوى للراحل أحمد زكى، فعند كتابتي كان يدور في ذهني أن يكون هو، ولم يكن الأمر بناءً على اتقاق مسبق بيننا، وذلك لأنه كان في هذه الفترة فتى الشاشة الأول، وكان مثالًا للشاب الجدع والشهم والإيجابي، وعقب انتهائي من الكتابة أجده أصلح ممثل للدور بالفعل، وباستثناء “زكى”، لم أكتب لأحد بعينه، فأنا أكتب العمل، ثم بعدها أبحث عن بطل مناسب له، وليس العكس.

 

طوال تاريخك هل تعاملت مع ممثلين يفهمون ويقدرون قيمة السيناريو؟

بالتأكيد، نور الشريف، يعد من أهم الممثلين الذين يفهمون في السيناريو، ويفهم ألاعيب كتاب السيناريو الدرامية، يقرأ أفكارك، ويثريها بثقافته العالية وإطلاعه على كافة المدارس الأدبية في العالم، وكان لديه كراسة يسميها “كراسة الحياة” هي عبارة عن ملاحظات عن الشخصيات التي شاهدها في حياته، كان يستعين بها لأخذ تفاصيل تتعلق بالشخصية التي سيؤديها، وأخذ منها لزمة الرقبة الشهيرة في فيلم العار، وبمجرد رضاءه على  نسخة السيناريو، يلتزم به تماماً داخل التصوير، ونادراً ما يغير شيئاً،  لكنه كان يتعامل مع السيناريو بعقله أولاً، على عكس نموذج مثل أحمد زكي، كان يعشق الشخصية، وتجذبه الشخصية المصنوعة “حلو” حتى لو لم يكن السيناريو على نفس المستوى من “الحلاوة”، ويناقشك في تاريخها وتفاصيل حياتها “ماذا تأكل، وماذا تشرب، وكيف كان وضعه وهو طفل؟، يحللها نفسياً ويذوب بداخلها، هو لم يكن في مستوى ثقافة نور الشريف بالتأكيد، لكنه كان يتعامل مع النص بقلبه، بينما كان يتعامل “نور” مع النص بعقله.

 

ذكرت بأنك صانع فيلم ولست صانع سيناريو حيث تشرف على كافة تفاصيل العمل، ونفس الأمر كان مع محسن زايد، ووحيد حامد، ومصطفى محرم في السينما، وأسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبد القوي ويسري الجندي في التلفزيون، فما سر هذه القوة والشخصية التي تمتع بها جيلكم من وجهة نظرك؟

سر القوة بببساطة بشديدة جداً، أننا كنا أصحاب مشروع فني وفكري، نمتلك من الثقافة والذكاء والخبرة للتعامل مع النجوم والمنتجين، بالإضافة أننا كنا متحققين على المستوى العملي، وأعمالنا كانت تجد رواجاً كبيراً، فأنا ووحيد حامد كنا الأعلى أجراً طوال فترة عملنا، وبالتالي كنا نُطلب للعمل من أهم نجوم مصر، وأي نجم كان يفرح بشدة إذا جسد عملاً من تأليفنا، كل هذه العوامل جعلتنا نعمل مع النجم وليس تحت إدارته.

 

ما أسباب تحول عدد من كتاب السيناريو للعمل تحت إدارة النجم هذه الأيام من وجهة نظرك؟

الاستسهال، والرغبة الشديدة في جمع الأموال، فالمعاناة والشقى في صناعة عمل فني لم تعد موجودة بشكل كبير، وأصبحنا في زمن اللا اتقان، كما أن بعض كتاب السيناريو لا يعملون تحت إدارة النجم فقط، بل يعملون تحت إدارة قائد الورشة، فوورش الكتابة تلتهم المميزين في هذا الجيل، ولا تفرز كاتباً مخلصاً لمهنته، وأنا لست ضدها بشكل مطلق بل على العكس لو قدمت عملاً جيداً أشاهده وأشجعه وأشكرها عليه، لكنني حتى الآن لم أشاهد أي ورشة من الورش الموجودة على الساحة، قدمت فيلماً أو مسلسلاً عبقرياً.

لكن هذا لا يمنع من وجود عدد من الكتاب المميزين منهم مريم نعوم وعبد الرحيم كمال ووائل حمدي ومحمد رجاء، فهم مثقفين وعلى درجة كبيرة من الوعي والموهبة.

 

 السينما الأمريكية طوال عمرها هي البوصلة التي نسير عليها، وأهم الأفلام التي تتصدر شباك التذاكر في أمريكا حالياً هي أفلام مارفل ودي سي، وهي أعمال يغلب عليها الطابع الترفيهي أكثر من الطابع الفني، فما تحليلك لتحول السينما في العالم كله لهذا الشكل العنيف من التسلية؟

السياسات الاقتصادية والسياسية لها دور أساسي بدون شك، فنحن في زمن “الفجر الرأسمالي”، حيث كل شئ له ثمن، وأصبحت القيمة الوحيدة في حياتنا هي قيمة المال، والسينما تأثرت بهذه الأوضاع بالتأكيد، فأنا حتى الآن لا أفهم مغزى وجود سينما داخل مول؟! “سينما داخل موول يا نهار أسود” هذا الأمر يحولها إلى “خروجة وفسحة” ويفقدها قيمها الأساسية، فالسينما وعد ورسالة هذا ما تربينا عليه وجاهدنا من أجله طوال عمرنا.

الزميل محمود مجدي والسيناريست بشير الديك

 

الكتابة كم في المئة موهبة وكم في المئة حرفة؟

50% موهبة، و50% حرفة، فالموهبة بدون حرفة، مثل السيارة بدون وقود، مهما كانت قوتها ومتانتها لن تسير خطوة واحدة للأمام.

 

ما أهم ما يميز هذه الأسماء الثلاثة، وحيد حامد، محسن زايد، أسامة أنور عكاشة؟

وحيد حامد يجيد صناعة حبكة جيدة ومتماسكة، وحواره “حرّاق” وواقعي، كما أنني لا أنسى ما فعله معي قبل تصوير فيلم “سكة سفر”، فقد كان من المفترض أن يخرج العمل في البداية المخرج الكبير عاطف سالم وينتجه المنتج واصف فايز، وبعدما جمعتني بالمخرج أكثر من جلسة شعرت بأنه بعيد تماماً عن روح العمل، وأنه سيأخذه في سكة مختلفة عما أحلم به، فرغبت بإخراج هذا الفيلم، لكنني كنت في مشكلة كبيرة، فقد وقعت عقد وقبضت عربون، والمنتج متمسك تماماً بعاطف سالم، فطلبت من “وحيد” التدخل لصداقته بالمنتج، واستجاب “وحيد”، وأقنع “واصف” بأن يصرف نظر عن العمل، فأخذت السيناريو ونفذته مع شركة أخرى، فلو لم يفعل “وحيد” ما فعله لما أخرجت “سكة سفر”، و”الطوفان” من بعده. أما محسن زايد فأكثر أبناء جيلنا موهبة، وأفضل من تعامل مع النصوص الأدبية. وأسامة أنور عكاشة ملك الدراما بلا منازع.

وحيد حامد

 

ما تفسيرك لهجوم مصطفى محرم الدائم عليك أنت ووحيد حامد؟  

لا أعرف، فمصطفى لم يترك شخصاً إلا وهاجمه “ربنا يسهله”.

 

كيف استقبلت خبر وفاة عاطف الطيب؟

وفاة “عاطف” بلورت علاقتي مع الموت،  فالموت خطف ابني وهو لم يتجاوز الثالثة من عمره، وكانت وفاته مفاجأة شديدة وقاسية بالنسبة لي، ونفس الأمر تكرر مع “عاطف”، ففي اليوم السابق لوفاته، كنا نجلس مع المنتج، للاتفاق على تفاصيل فيلم “نزوة”، وأخبرته أنني سأسافر في رحلة عمل وسأعود بعدها لحضور تصوير الفيلم، وآخذ يضحك معي، وطلب مني إحضار هدايا له من الخارج، وطمأنني على العملية التي سيجريها في قلبه وأكد لي أنها ستنهي أزمة قلبه نهائياً، وكان في قمة إنسجامه وتألقه يومها، ليأتي يوم العملية، وأفاجأ أثناء جلوسي في الطيارة بخبر وفاته، علمت بوفاته مثل الأشخاص العاديون، مثلي مثل بقية أفراد الشعب، وأغلبهم عرف بخبر وفاته “قبلي” بالتأكيد، لم أكن بجواره في لحظاته الأخيرة كما كنا دائماً، “تخيل قسوة هذا الأمر؟!”، ومنذ لحظة علمي بوفاته تأكدت أن الموت يحبني بشدة، وأنه ضيف مفاجئ، لو لم يفاجئني ويخطفني شخصياً، فسيفاجئني بآخذ أقرب المقربين إلي، كما حدث مع ابني وعاطف الطيب.

 

ماذا فقدت بعد عاطف الطيب؟

فقدت الونس، فليس من السهل أن تجد صديقاً مثل عاطف الطيب، كما أنني “زعلان” منه بسبب أنه لم يفي بوعده لي، فقد كنا متعاهدين على أن “اللي يموت الأول، لازم يزور اللي عايش”، لكنه لم يزرني حتى الآن، فأنا انتظره كل يوم، وأمني نفسي بالزيارة، علَّ الزيارة تخفف من وحشة الفراق.

 

لماذا أنت غائب عن الساحة منذ 2011 وحتى الآن؟

أنا غائب بإرادتي، ورفضت العديد من الأعمال الفترة الأخيرة، لأنني لم أجد الفكرة التي تجذبني وتشدني وتجبرني على كتباتها.

 

ما أول سؤال توجهه لأي كاتب سيناريو يريد احتراف كتابة السيناريو؟

ماذا تريد أن تقول من خلال فيلمك، ما هي رسالتك وقضيتك التي تريد طرحها.

 

وما هي أول نصيحة؟

القراءة، لا يمكن لنحلة أن تفرز عسلًا إلا عندما تمر على مختلف الأنواع من الورود، النحلة لا تنتج عسلًا وهي جالسة في بيتها. فلا يوجد ما يسمى بالوحي أو الإلهام كي تكتب؛ الكتابة عمل شاق مجهد، يحتاج إلى قراءة بلا توقف، لا بد أن يمتلئ الكاتب بالثقافة والقراءات؛ لأن هذا هو السبيل الوحيد الذي يجعله يكتب رغمًا عنه.

 

ما أهم شئ كسبته خلال رحلتك مع الكتابة؟

حب الناس، أن أكون جالساً في إحدى الكافيهات ويتعرف علي شاب ويطلب التصوير معي، هذا موقف كبير جداً بالنسبة لي، أن تكون مشهوراً ويعرفك الناس، في مهنة أصحابها مشهورون في السوق السينمائي والإعلامي فقط، هذا شيء يشعرني بأنني لم أضيع عمري هدراً، وأديت رسالتي على أكمل وجه.

نرشح لك: تامر محسن: يزعجني تصنيفي كـ”مخرج غير جماهيري”.. وبعض المؤلفين “ترزية” للنجوم

تامر محسن: يزعجني تصنيفي كـ”مخرج غير جماهيري”.. وبعض المؤلفين “ترزية” للنجوم