مريم نعوم: الرقابة لم تسجن أي مبدع.. والمواطن "بيفش غله" في الفنانين

محمود مجدي

 

  • المواطن المحمل بالضغوط “بيفش غله” في الفن والفنانين.

  • أصيبت بحالة اكتئاب شديدة بعد “سجن النسا”.

  • أصبحت صوتًا لنساء كثيرات، لأني أحب الكتابة عن المقهورين، والمرأة في مصر “مقهورة”.

  • أي “سيناريست” يرفض التدخل في السيناريو من أي طرف “يكتب رواية أحسن له”.

  • الرقابة لم تسجن أي مبدع طوال تاريخها، السجن يأتي دائمًا عن طريق الأفراد.

 

السيناريو هو العمود الفقري للعمل الفني، والسيناريست يلعب دورًا أساسيًا في صناعة الفيلم أو المسلسل، هو رب العمل الفني الحقيقي حتى لو لم تسلط عليه الأضواء بالشكل الكافي. واعترافاً منا بقيمة ومكانة السيناريو قررنا فتح هذا الملف ومحاورة أهم رموز ورواد كتابة السيناريو في مصر، والحديث معهم عن أهم أعمالهم، والصعاب التي واجهوها في مشوارهم، وتفاصيل صناعتهم للعمل الفني، ومناقشتهم كذلك في العديد من القضايا الفنية التي تدور على الساحة حالياً، ونستضيف اليوم الكاتبة مريم نعوم.

 

خضتِ رحلة طويلة من دراسة الاقتصاد في فرنسا إلى دراسة السيناريو في مصر، حدثينا عن تفاصيل هذه الرحلة؟

قرار العودة إلى مصر كان مبكراً للغاية، حيث اتخذته وأنا أدرس في المرحلة الثانوية في فرنسا، فأنا كنت أدرّس مادة الرياضيات لزملائي في المدرسة لتفوقي فيها وفي نفس الوقت لم يكن لدي أصدقاء هناك، وعندما جاءت إجازة الصيف وعدت إلى مصر اتخذت قراراً بعدم العودة إلى فرنسا مجدداً، وبالفعل ذهبت إلى الإدارة التعليمية في العباسية، وأنجزت كل الإجراءات اللازمة لنقل أوراقي من المدرسة الثانوية في فرنسا إلى المدرسة الثانوية في مصر، بدون علم والديّ الذين تفاجئا بهذا القرار لكنهما لم يعترضا، وكنت أتمنى في ذلك الوقت الالتحاق بكلية الهندسة قسم عمارة لكنني لم أحصل على المجموع الذي يؤهلني لذلك، فعدت إلى فرنسا مرة أخرى لكي ألتحق بمعهد الهندسة وبدأت في دراسة الرياضة البحتة، لكن نظرًا لصعوبة مادة الفيزياء اتخذت قراراً بدراسة الاقتصاد.

لم ينته المشوارعند هذا الحد، فطوال دراستي هناك كنت أفضل الذهاب للسينما عن الذهاب للجامعة، وبعد إتمام الامتحان الأول لمادة الاقتصاد، قررت العودة إلى مصر وإنهاء مشوار دراستي بدراسة السيناريو في معهد السينما.

 

ما الذي دفعك لترك حياة مستقرة وآمنة في فرنسا، والعودة إلى مصر وإقتحام مجال غير مضمون ويعتمد بنسبة كبيرة على الحظ والتوفيق مثل السينما؟

أنا كنت في سن التكوين، وكنت أريد العمل في السينما كي أستطيع التعبير من خلالها عن قضايا مجتمعي، فإذا عشت خارج مصر “هاكتب عنها إزاي؟!”، كان يجب أن أعود إلى مصر، وأشتبك مع هموم وقضايا مجتمعي حتى أستطيع التعبير عنها بشكل واقعي.

 

هل تتذكرين أي قرارات اتخذتيها في فترة ما بعد تخرجك من معهد السينما، ساهمت في مشوارك الفني فيما بعد؟

بالتأكيد، فأنا تركت عملي في شركة دعاية وإعلان، والذي كان يوفر لي أجراً محترماً جداً، بسبب أنني لم أستطع التوفيق بينه وبين الكتابة، فاخترت الكتابة وتركت العمل، وجلست فترة طويلة في المنزل، بدون دخل، على الرغم من أنني “متعودة على الشغل” منذ وجودي في فرنسا، ولكن كان لدي هدفاً واضحاً هو أنني أريد احتراف الكتابة، وبالتالي أي قرار سأتخذه يجب أن أتحمله في سبيل الوصول إلى هدفي.

 

تسع سنوات هي المسافة ما بين تخرجك وظهور أول أعمالك “واحد صفر”.. حدثينا عن تلك السنوات؟

كانت سنوات صعبة بالطبع، لكن كان لدي إصرار على الوصول، ولو كنت فقدت الأمل لحظة واحدة لما جلست تحاورني الآن، والحمد لله كانت النتيجة مرضية بالنسبة لي وسنوات الانتظار “ماراحتش هدر”، وبعدما كنت أبحث عن فرصة عمل داخل الوسط، أصبح الوسط كله يبحث عني، بفضل هذه السنوات التي اكتسبت فيها خبرات كبيرة ساهمت في نضجي، وساعدتني وقت احتراف الكتابة، وجعلتني أعرف “أنا باكتب إيه”.

 

تناولت في “واحد صفر” موضوع الفوارق الطبقية بين الطبقات المختلفة، هل تعتقدين أن طبقات المجتمع المختلفة حالياً تعيش في جزر منعزلة، بمعنى أن كل طبقة تعيش بمعزل عن الطبقة الأخرى؟

بالتأكيد، فالفوارق بين الطبقات اتسعت للغاية، ولكن المشكلة ليست في أننا أصبحنا منعزلين فقط، المشكلة الأكبر تكمن في غياب الإحساس بالأخر، فالناس فقدت القدرة على التعاطف مع الأضعف والأكثر إحتياجاً، وبالتالي من لديه رفاهية أكثر أصبح مكروهاً ومتهمًا دائماً بأنه لا يشعر بالناس من حوله، كما أن الطبقة الوسطى التي كانت بمثابة رمانة الميزان في المجتمع تواجه ضغوطًا اقتصادية واجتماعية شديدة القسوة حالياً، فنحن مجتمع يعيش على التكافل الاجتماعي من قديم الزمان، والطبقة الوسطى هي التي كانت مسئولة دائماً عن “شيل نفسها وشيل الطبقات الأقل” ومع تزايد الضغوط الاقتصادية عليها، سيقل بالتأكيد مفهوم التكافل، وكل طبقة ستتكفل بهمومها ولن تشغل بالها بمآسى ومشاكل أي طبقة أخرى.

 

إذا انتقلنا للحديث عن أهم أعمالك التلفزيونية؛ مسلسل “ذات” ماذا يمثل لك؟

تجربة هامة جداً، “ذات” أول عمل يقربني للجمهور التلفزيون، كما أنها أول رواية أحولها إلى نص درامي، حيث تتناول الرواية  فترة زمنية من منتصف السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات، فى حين أنني فضلت كتابة السيناريو فى الفترة من 1952 وحتى اندلاع ثورة 25 يناير 2011، حيث أخذت الرواية كقلب للمسلسل ثم أضفت عليها فترة سابقة وفترة لاحقة، الأمر الذى تطلب إضافة شخصيات رئيسية مثل شقيق “ذات” وزوجته والجيران، بالإضافة إلى الشخصيات الموجودة فى المسلسل مثل “ذات” نفسها وأبنائها الذين كانوا أطفالا فى الرواية فى حين أنهم فى المسلسل يمرون بمراحل عمرية مختلفة. وتحدثت مع الروائى صنع الله إبراهيم حول هذه التغييرات واستأذنته ووافق عليها، لدرايته بالفارق بين العمل الروائي والعمل التليفزيوني.

ماذا عن مسلسل “موجة حارة”؟

تجربة هامة وشاقة جداً أيضاً، حيث تبرز صعوبة هذه التجربة كون الرواية تعتمد على “الفلاش باك” بشكل رئيسي، من خلال الانتقال بين زمنين الماضي والحاضر، مما استلزم حدوث العديد من التغيرات على نص الرواية. كما أن أعمال أسامة أنور عكاشة تتميز بالتفاصيل الدقيقة، التي ترسم معالم الشخصيات، فضلاً عن كون أحداث الرواية الأصلية تدور في عام 2000، وهو ما اقتضى مني تغيير بعض ملامح الشخصيات، كالتعديل الذي أدخلتُه على شخصية الشاب الشيوعي في الرواية، وذلك نظراً لعدم تواجد هذا النموذج في المرحلة السابقة للثورة، كما أنني استمتعت بتجربة العمل مع الفريق الذى شارك فى كتابة المسلسل والذي تكون من نادين شمس، ووائل حمدى، وإسلام أدهم، وهالة الزغندى، إضافة إلى عمرو الدالى، ونجلاء الحديني الذين شاركوا فى كتابة حلقتين فقط.

 

فترة التحضير لمسلسل “سجن النسا” ومقابلة المسجونات والاستماع لمشاكلهن ومآسيهن، هل أثرت على مريم نعوم نفسياً؟

بالتأكيد، فبعد عرض المسلسل، أصيبت بحالة اكتئاب شديدة، لأنني لم أستطع مساعدة هؤلاء المسجونات، فالمسلسل نجح وكسر الدنيا، وأنا نجحت ووفقت في كتابته، ونلت إشادة الجميع، لكن هؤلاء المسجونات لم تتغير أحوالهن، وما زلن في السجن.

 

متى انتهت حالة اكتئاب ما بعد “سجن النساء”؟

بعد عرض المسلسل بفترة، عندما وفقني الله، واستطعت مساعدة هؤلاء المسجونات إنسانيا.

 

علمت أنك قابلت أكثر من ثلاثين مدمنا متعافى ومثلهم لم يتعافى أثناء التحضير لمسلسل “تحت السيطرة”، ماذا كان شعورك وقتها وما الذى تعلمتيه منهم؟

الحقيقة المتعافون هؤلاء أعتبرهم أبطالا، لديهم قدرة على المعافرة اليومية والصمود بشكل رائع، فأنا أحترمهم وأقدرهم، بالطبع قصصهم مؤلمة للغاية لكن عندما أصل لنقطة أنهم تعافوا بعد كل هذه الرحلة المؤلمة أشعر بالراحة والفخر، بالنسبة لقصص المدمنين فلم أشعر إلا بالألم فقط، لكن بشكل عام كانت حالتي النفسية جيدة للغاية بعد عرض العمل، لأن المسلسل ساهم في توعية الناس بخطورة قضية الإدمان، وعرف المحيطين بالمدمنين كيفية التعامل معهم واحتواء حالتهم.

 

ما سر اهتمامك الدائم بتحويل الروايات إلى أعمال فنية؟

أحب القراءة أكثر من المشاهدة، فكلما أعجبتني رواية أخذت القرار بتحويلها إلى سيناريو مباشرة.

 

وهو ما حدث مع رواية “أبو عمر المصري” التي قدمت تناولاً جديداً ومختلفاً للشخصية المتطرفة. هل تعتقدين أن هناك فصيلًا من المتطرفين مثل “فخر الدين” أم هي حالة مستقلة بذاتها؟

بالتأكيد، وداعش أكبر مثال على ذلك، فهي تقدم طريقة جديدة للإرهاب، حيث القتل بشكل احترافي وبشع للغاية، فداعش تقدم نموذجًا للقتلة المأجورين تحت شعار ديني.

 

هل تنزعجين من وصفك بـ”كاتبة المرأة”؟

قديماً، كنت أنزعج بشدة، واعتبره تصنيفاً وأنا لا أحب التصنيفات وكنت أتحدث عن أنني لست كاتبة نسوية، فأنا امرأة وبالتالي قدرتي على تناول مشاكل المرأة أفضل من قدرات زملائي الرجال، أما الآن فقد اعتدت على هذا الوصف واكتشفت أنني دون أن أخطط أصبحت صوتًا لنساء كثيرات يحتجن لمن يعبر عنهن، ولكن في جميع الأحوال أنا أحب الكتابة عن المقهورين، والمرأة في مصر “مقهورة”.

 

هل تعتبرين نفسك ناقدة اجتماعية؟

بالتأكيد لا، فأنا لست متخصصة في علم الاجتماع كي أدعي نظرات عن المجتمع، أنا أكتب من منطلق إنساني بحت، أراقب الناس، وأحاول الحكي عنهم والتعمق في مشاكلهم وحكايتهم، أتناولهم “من جواهم مش من براهم”، فأنا أعتبر نفسي مرآة للمجتمع، يهمنى ويشغلني الناس في المقام الأول.

 

إذا انتقلنا لتفاصيل كتابة مريم نعوم، نود أن نعرف أولاً، كيف تأقلمت على ظروف عمل كتاب السيناريو القاسية في الأعمال الرمضانية؟

أنا كاتبة محترفة وبالتالي يجب أن أتعامل مع أي وضع تحت أي ظروف، والموضوع أصبح طبيعياً ومعتاداً بالخبرة والممارسة بالتأكيد.

 

هل دورك ينتهي عند تسليم الحلقات أم يمتد لآخر يوم رمضان؟

بعد تسليم الحلقات أظل على أهبة الاستعداد حتى آخر يوم تصوير تحسباً لحدوث أي تغيرات في النص أثناء التصوير، وأسير في كل مكان برفقة اللاب توب، وهاتفي متاح 24 ساعة لتنفيذ أية تعديلات ضرورية أو إجراء تغييرات سريعة إذا تطلب العمل ذلك.

 

حدثينا عن تفاصيل كتابتك؟

أكتب بأسلوب الفيلم الطويل، وأتعامل مع العمل على أنه تفاصيل صغيرة توضع جنباً إلى جنب مثل فن الموزاييك، أدرس كل تفصيلة في أعمالي، أراقب كل شىء لا أسمع قصصا فقط، في “سجن النساء” و”تحت السيطرة” على سبيل المثال، وأثناء جلوسي مع المساجين والمتعافيين، كنت أراقب طريقة الكلام ونظرات العيون، متى تزوغ ومتى ترتبك، كيف يتحركن، متى ينفعلن ومتى يصيبهن الخوف، فى النهاية أنا أكتب عن بنى آدمين إذا لم أحس بهن لن أستطيع الكتابة عنهن أو التعبير عن شخصياتهن.

 

هل تفضلين أسلوب الكتابة المتدفقة بدون قيود أو ترتيب أم أسلوب الكتابة المدروسة والمنظمة والمحسوبة بالمشهد؟

السيناريو يختلف عن الأدب، بمعنى أن السيناريو يكتب كي ينفذ ويتحول إلى صورة مرئية، وبالتالي هناك أطراف كثيرة ستعمل من خلاله، فلا مجال للكتابة “بالمزاج”،  يجب أن يكون كل شئ محدد منذ البداية، وهذا ما أفعله، فأنا من أول لحظة في العمل” عارفة أنا رايحة فين وجاية منين” وكل خطوة في السيناريو محسوبة بدقة شديدة للغاية.

 

معروف عن مريم نعوم استعانتها بورش الكتابة في بعض أعمالها الدرامية، ماذا تستفيدين من الورشة وكيف تنجز العمل؟

الورشة أولاً تنجز الوقت، لأنه ربما لن أستطيع الانتهاء فى الوقت المحدد وأنا راضية عن العمل تماما بسبب ضيق الوقت، فالورشة تعطيني الفرصة للتجويد والمراجعة، ومساحة التجويد هي الأهم، والتجويد هنا يعني، وضع الحوار كاملاً بمعلوماته المنشودة، ثم أقوم في الخطوة التانية بتغييره وكتابته بإحساس، وبالتأكيد يجب أن يكون مكثفا ونابعا من الشخصية، أى أن نجعله مثل الحوار الطبيعي تماماً.

كما أن أعضاء الورشة تكون الورشة بمثابة تدريب وخبرة لهم لكي يقفوا على أقدام ثابتة ويقدموا أعمالًا بمفردهم، كما حدث مع هالة الزغندي، فهالة عملت في ورشة “موجة حارة” ثم “كتبت حوار “سجن النساء” ثم عملت بعد ذلك بشكل منفرد، وأعتقد أن العمل في الورشة أعطاها خبرة وثقة جعلها قادرة على كتابة أعمال درامية بمفردها، وهذا أفضل من خوض تجربة بدون خبرة لأن في حالة أي تعثر، الخطوات ترتبك وتتعطل بعد ذلك.

 

قفلة الكاتب من أكثر العقبات التي تواجه أي كاتب، ماذا تفعلين عندما تواجهين هذه العقبة؟

قديماً، كنت أنهار وأشعر بالعجز الشديد، وكلما اقترب موعد تسليم الحلقات أخاف بشدة، لكن حالياً عندما تصيبني هذه الحالة أبتعد عن الكتابة تماماً، وأمارس أي شئ آخر، أشاهد أفلام، أقرأ، أفصل عدة أيام من الكتابة، وأعود بعدها للعمل بشكل طبيعي.

 

نسمع حالياً عن تدخل النجوم في السيناريو بشكل مبالغ فيه إلى حد عمل بعض كتاب السيناريو كـ”ترزية” لطلبات النجوم، ما رأيك في هذا الأمر؟

النجم سيتدخل في السيناريو دائماً، وستكون له طلبات وملحوظات يريد تنفيذها، لكن مهارة وحنكة وذكاء أي كاتب سيناريو في ما الذي يأخذه من ملحوظاته، وما الذي يهمله، وبالمناسبة أنا مع مشاركة كل أطراف العمل الفني برأيهم في السيناريو لكن القرار النهائي للمؤلف والمخرج، وأي “سيناريست” كتب سيناريو ويرغب في عدم التدخل فيه من أي طرف “يكتب رواية أحسن”، فالسيناريو حجر أساسي لمبنى سيشارك في بناءه أطراف كثيرة جداً.

 

هل حدث معك طوال مشوارك أي تدخل من نجم أو منتج معين لفرض رأي مخالف لرأيك في نص من نصوصك؟

لا، لم يحدث ذلك لأنني عملت مع مخرجين مهمين وبالتالي ما اتفقنا عليه، هو الذي حدث، لكنني منفتحة على كل الآراء كما ذكرت لك، وأستمع لكل الملحوظات بتركيز شديد، فأنا أكتب مسلسل عن 50 شخصية، والممثل يركز في شخصية واحدة فقط، وبالتالي إذا أبدى أي ملحوظة أستمع لها باهتمام، والقرار لي في النهاية.

ما الفارق بين جيل “مريم نعوم ووائل حمدي، وعبد الرحيم كمال، وعمرو سمير عاطف، ومحمد أمين راضي” وجيل الشباب الحالي من كتاب السيناريو؟

نحن تربينا على أفلام الواقعية الجديدة، وتأثرنا بالسينما الأوروبية، وبقدر الأمكان نحاول نقل هموم مجتمعنا في أعمالنا، بينما الجيل الأصغر أو التالي لنا، متأثر بشدة بالسينما الأمريكية، وما يشغله هو الحبكة الجذابة والتشويق أكثر من حرفية السيناريو نفسها.

 

هل تعتقدين أن الجيل الحالي متأثر بثقافة الأفلام الهوليودية ليس في طريقة السرد فقط بل في المواضيع والقصص نفسها؟

بالتأكيد، وأنا لا أعيب عليهم في ذلك “ومفيش صح وغلط في الفن”، لكن من الممكن أن آخذ طريقة الحكي الأمريكاني، وأحكي حكايات مصرية، أتأثر بطريقة الحكي لا الحكايات نفسها.

 

هل تؤمنين بوجود حالة صراع داخل نفسية كل كاتب ما بين أحلامه الشخصية التي يحلم بتقديمها ومتطلبات السوق البعيدة عن أحلامه بعض الشيء؟

بالطبع، لكن في اعتقادي هناك صيغة وسطى دائماً للجمع ما بين أحلام الكاتب ومتطلبات السوق، بمعنى أن يقدم المبدع أحلامه ورؤيته بصيغة يفهمها ويحبها الجمهور، كما فعل الأساتذة وحيد حامد وعاطف الطيب وشريف عرفة على سبيل المثال.

 

هل تعتقدين أن السوق يحصرك داخل منطقتي قضايا المرأة والنصوص الأدبية؟

لا، فأنا عمري ما أجبرت على عمل شئ لا أريده.

 

هل رقابة الفرد على الفن أشد من رقابة أجهزة الرقابة؟

بالتأكيد، والسبب في ذلك قانون الحسبة، فالرقابة لم تسجن أي مبدع طوال تاريخها، السجن يأتي دائماً عن طريق الأفراد بسبب قانون الحسبة، فإذا أردنا بالفعل التخلص من رقابة الفرد علينا بإلغاء هذا القانون.

 

هل الخيال يخيف كيانات وأفراد داخل المجتمع؟

بالطبع، فالخيال بيعري، يضع الحالة تحت الميكرسكوب، وأشخاص وكيانات كثيرة لا تحب أن تظهر تحت الميكرسكوب فتحارب الخيال بالدعاوي القضائية والسب واللعن، وهذا الأمر من فترة طويلة جداً وليس جديداً علينا.

 

ما رأيك في حالة التعالي الموجود عند الأجيال الجديدة ضد الأعمال المصرية وتفاخرهم بعدم مشاهدة الأفلام والمسلسلات المصرية؟

سأبدأ الإحابة على سؤالك بالحديث عن جيلنا، فنحن كجيل كنا نعيش بدون إنترنت وكانت الوسائط الوحيدة المتاحة أمامنا لمشاهدة الأعمال الفنية هي شرائط الفيديو والسينما، وكنا نشاهد بشغف أفلام الواقعية الجديدة، ونتابع كذلك أفلام شريف عرفة وسمير سيف ونادر جلال، كان السوق المصري مفتوحًا وثريًا تستطيع أن تشاهد وتتابع ما يحلو لك، بجانب متابعتنا للسينما الأمريكية والأوروبية بالطبع، مع مجيء العولمة والانفتاح على العالم والثقافات المختلفة، من الطبيعي أن يشاهد الكثيرون الأعمال الأجنبية، لكن غير الطبيعي أننا لم يعد لدينا شئ أصيل نقدمه، فبالتالي ما الذي يدفع المشاهد لمشاهدة أفلام “أمريكاني” مضروبة تحت مسمى مصري، وهو من الممكن أن يشاهد أعمال أمريكية أصيلة “ويريح دماغه”؟!، لكن هذا لا يمنع من وجود أعمال كثيرة مصرية ظهرت في السبع سنوات الأخيرة دفعت بعض المشاهدين للأعمال الأجنبية لمتابعتها، وأنا شخصياً سمعت كثيراً عبارة “احنا مكناش بنتفرج على عربي قبل ما نشوف المسلسل بتاعك”.

 

هل تشعرين بوجود حالة من العدوانية والغلظة عند متفرج هذا العصر؟

حالة العدوانية موجودة عند المجتمع بأكمله وليست قاصرة على المتفرجين فقط، لكن دعنا نتفق أن كلما كان المواطن محملًا بالضغوط والأعباء اليومية كلما “فش غله” في الفن والفنانين.

 

كيف ستنتهى أزمة الدراما الحالية؟

من الصعب أن أجيبك على هذا السؤال، لأن لا أحد يعرف إجابة هذا السؤال بشكل دقيق، لكنني أظن أن هناك خطة غير معلنة يعمل عليها القائمون على الشأن الدرامي في مصر.

 

ما جديدك الفترة المقبلة؟

ملسسل “زي الشمس” من إخراج كاملة أبو ذكري، وإنتاج محمد مشيش”.

 

ورشة سرد، ورشتك الخاصة لكتابة وتسويق الأعمال الدرامية، لماذا لم تقدم سوى عملين فقط حتى الآن رغم مرور سنتين على إنشاءها؟

أنا إيقاعي بطيء عادة، ومتأنية للغاية، وأحب المشي خطوة خطوة، وأفعل الشيء “اللي أنا قده”، وبالتالي ورشة سرد تسير بشكل بطيء وخطواتها قليلة بعض الشيء، لأنني لست متفرغة لها، لكن لدي خطة للورشة في المرحلة القادمة أسير عليها، قد تكون بطيئة بالنسبة للآخرين لكنني ملتزمة بها، فأنا لا يهمني أن تقدم الورشة أعمالًا كثيرة، بقدر ما يهمني تكوين كيانًا يستطيع أن “يشيل نفسه حتى وأنا مش موجودة” وهذا الأمر يحتاج إلى تأسيس ضخم ومطول نوعاً ما.

 

تعليقك على مسلسل “كأنه إمبارح”؟

سعيدة جداً باستقبال الجمهور وفضولهم تجاه وجود جزء ثانٍ من عدمه، خاصة أنه مسلسل تم عرضه خارج رمضان.

 

ما أهم شئ تعلمتيه من الكتابة؟

عدم اليأس.

 

لو جاءك شاب يريد احتراف كتابة السيناريو، ماذا ستقولين له؟

الصبر والقراءة ومشاهدة أعمال متنوعة، فالكاتب يجب أن يكون على درجة كبيرة من النضج والثقافة كي يستمر لفترة طويلة.

نرشح لك: جائزتان لفيلم مريم نعوم في ختام مهرجان أسوان

شاهد: هبة الأباصيري في حلقة جديدة من برنامج “مش عادي”: “لا يمكن أن أرتبط بهذا الرجل”