أحمد فرغلي رضوان يكتب: في كفرناحوم.. البحث عن حقوق الإنسان

هو فيلم اجتماعي “مؤلم” للغاية وبسبب تعاطفك مع بطله الطفل الصغير الذي يتسلل إلى قلبك بملامحه البريئة وعيونه الحزينة المعبرة والذكية، يتزايد تأثرك بشدة مع قضية مثل هؤلاء الباحثين عن أقل القليل من حقوق الإنسان، هم المهمشين والذين من السهل أن تجدهم في أكثر من مكان في العالم العربي وليس لبنان فقط.

الفيلم اللبنانى كفرناحوم

يحسب للمخرجة الواعية نادين لبكي اختيارها لأبطال حقيقيين وتحويلهم لممثلين لفيلمها وعلى رأسهم الصبي زين الرفاعي “مفاجأة الفيلم”، والعاملة الإثيوبية “يوردانوس”، وهو ما جعل أدائهم رائع وأعطى الفيلم “ملمح” الأفلام التسجيلية إلى جانب أماكن التصوير الواقعية.. فـ السينما تساعدنا على النظر إلى العالم الذي نعيش فيه وفهمه وليس ترفيهًا فقط.

في فيلمها “كفرناحوم” تستمر نادين في رحلتها لكشف الوجوه والشخصيات الكثيرة التي تعرف كيف ترسم ملامحها وتحركها أمام الكاميرا بداية من فيلمها الأول “كارميل”، ولكن هذه المرة بعيدًا عن القضايا النسوية لتتحدث عن جملة مشاكل اجتماعية، بالطبع هي من المخرجين الذي يملكون تكوين صورة جيدة جدًا ومعبرة وأيضًا جرأة في الاختيار والتناول لموضوعات اجتماعية حساسة، في هذا الفيلم أصبحت نادين ناضجة وقادرة على رواية فيلمها بشكل رائع، وبالفعل وصلت رسالته للمشاهدين في كل مكان، بالرغم من أنها ابتعدت عن توضيح تفاصيل أكثر عن المكان وشخصياته واكتفت بالطفل “زين” ورحلته ما بين أهله وعلاقته مع العمالة الغير شرعية، لم تعطنا المخرجة فرصة فقدمت “حزمة” مشكلات تعاني منها لبنان منذ سنوات طويلة وقذفت بها في وجه المشاهدين مرة واحدة فقر وبؤس ولاجئين، عمالة أجنبية غير شرعية، اتجار بالبشر، غياب العدالة الاجتماعية حتى زواج القاصرات وتجارة المخدرات!؛ لذلك كان الفيلم “قاسي” بما يكفي لانتزاع دموع المشاهدين في لحظات كثيرة، هي مشكلات متراكمة وعصية الحل في دولة مثل لبنان “السياسيين” لا زالوا فرقاء والأولويات لمصالحهم فقط، في دولة وضعها القدر لتعيش عند مفترق الطرق لصراعات الشرق الأوسط!.

اللافت أن الفيلم يوجه النقد للأهل أكثر من توجيهه للنظام الذي يترك هؤلاء المحرومين هكذا دون إصلاح مشاكلهم!، وكذلك المشكلة التي تعاني منها لبنان مؤخرًا وممكن القول “أنها تنوب فيها عن الشرق الأوسط” هي مشكلة اللاجئين “أكثر من مليون لاجئ سوري!”، نزحوا إليها مما ترتب عليه مشكلات اجتماعية وصحية لا تستوعبها المُنشأت اللبنانية.

كفرناحوم “الحي المنسي” هو محاولة لتسليط الضوء وتوعية المواطنين بالوضع الاجتماعي لهؤلاء المحرومين، في عالم مزعج ومحزن ويبدو خارج مجال إدراك الكثيرين خاصة الغرب، ولذلك كانت صدمة كبيرة للمشاهدين في المهرجانات العالمية.

نجحت المخرجة في تصوير العلاقة بين زين والطفل الرضيع “يونس”، وبين زين والعاملة الاثيوبية “رحيل” بمشاعر وأحاسيس عالية جدًا وأداء صادق منهم، خاصة زين الذي يجذبك بشدة بنظراته البريئة “الحزينة” والتي تحمل هموم “رجال” وأحيانًا بخفة ظله مع يونس، زين صبي تمنى أن يعيش طفولته وحلم أن يصبح شاب و يحيا حياة طبيعية، ولكنه تحمل مسؤوليات تفوق قدرته كطفل طوال الأحداث نشاهده دون “شكوى” إلى أن يصل به الحال لارتكاب جناية ويفاجيء الجميع بمقاضاة والديه لأنهما انجباه في هذه الحياة القاسية!.

ورغم محاولة المخرجة ختام الفيلم بابتسامة سعيدة لـ “زين” نشاهدها ترتسم فوق وجهه لأول مرة لكن الحقيقة التي تعرفها المخرجة جيدًا أن النهايات ليست سعيدة على الإطلاق لمثل هؤلاء المنسيين المحرومين من أقل القليل من حقوق الإنسان، ربما يعيد العالم النظر في مساعدة هؤلاء، بالطبع نجحت نادين لبكي في قطع خطوات سينمائية مهمة في مشوارها وننتظر منها تجارب جديدة وأتمنى أن يكون القادم عمل مبهج.

نرشح لك: أحمد فرغلي رضوان يكتب: كلينت إيستوود.. السينما تمشي على قدمين

شاهد: يوم #مش_عادي في ضيافة الإعلامية سالي عبد السلام