زيارة خاصة لمنزل شادية.. كواليس الاعتزال وأسرار السنوات الأخيرة

أمنية الغنام

قصة آذان الفجر الذي جعلها تقرر الاعتزال

لماذا أصاب شادية الاكتئاب؟

ما وصية الشيخ الشعراوي لها لتتقبل وفاة والدتها بصبر؟

بكاء وانهيار كمال الشناوي على الهاتف بسبب شادية

هل كانت شادية “حماة” صعبة؟

من الفنانة التي كانت “تعشق” تمثيلها وتصفها بالتلقائية؟

ماذا قالت عن سمية الخشاب وحال الفن حاليًا؟

كيف انتقمت لكرامتها من فريد الأطرش؟ ولمَ تزوجت غيره بعدما اشترت فستان زفافها منه؟

من هو حب حياتها؟

ما مصير فستانها الأحمر الشهير التي غنت فيه “يا حبيبتي يا مصر”؟

ما قصة حفنة الرمل التي أهداها لها أمير عربي واحتفظت بها حتى وفاتها؟

وصية شادية قبل وفاتها.. وعلاقة علم مصر بها

ما سر الأسماء المدونة في دفتر صغير بجوار أجندة هاتفها؟

ما الاسم الذي أوصت حفيدها بأن يطلقه على ابنته؟

اللاعب الوحيد الذي سمحت له شادية بزيارتها في المستشفى عام 2012

شادية.. لوحت بالعلم للناس من شرفتها في ثورتين

من هو الطبيب الذي أنقذ حياتها مرات عدة لمدة 28 عامًا؟

لا أدري كيف لي أن أكتب مقدمة حوار كثيرا ما تمنيت أن تتاح لي الفرصة لإجرائه، فقد غابت عني الكلمات والتعبيرات وتداعت في ذاكرتي مشاهد جنازتها التي قمت بتغطيتها العام الماضي، فهل أصف سعادتي بلقاء أفراد أسرتها في المنزل الذي قضت فيه آخر 6 سنوات من عمرها؟ أم أعبر عن فرحتي لتواجدي في مكان شهد أحاديثها وضحكاتها؟ مكان ربما لم تفتح أبوابه من قبل أمام عالم الصحافة. أم أعبر عن امتناني لرب العالمين بأن وافق موعد اللقاء يوم المولد النبوي الشريف ليكون الحديث عنها في ذكراها الأولى مشابها لآخر لقاء لها بجمهورها في الليلة المحمدية منذ أكثر من 30 عاما قبل اعتزالها؟

قبل الموعد المحدد بنصف الساعة كنت أقف أمام مدخل إحدى عمارات شارع الجيزة بحي الدقي المزدحم بالمارة وضجيج السيارات، في انتظار تلك الفرصة النادرة الحدوث وربما النادرة التكرار لأطل على المكان الذي عاشت فيه معبودة الجماهير.. شادية.

حان الموعد.. في تمام الثامنة مساء كنت أدق جرس الباب الحديد للشقة الكائنة بالطابق الثاني يمين المصعد، وما هي إلا ثوانٍ معدودة وكانت في استقبالي بكل الود والترحاب أسرة الفنانة الراحلة شادية -ابن أخوها خالد طاهر شاكر والسيدة زوجته سحر شاكر- ليتم اللقاء في منزلهم الذي أقامت فيه شادية إقامة كاملة منذ 2011 حتى رحيلها في 28 نوفمبر 2017.

نرشح لك: تسجيل صوتي لـ شادية يُذاع لأول مرة

رغم حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وفخامة الأثاث وديكورات الشقة، إلا أن غياب أي صورة أو بورتريه لشوشو -الاسم الذي كانت تحب أن تنادى به- لفت نظري من الوهلة الأولى، لكن ما علمته بعد ذلك من الحديث أنها لم تكن تحب وضع صور لها.

بعد حوالي 15 دقيقة من بداية حواري مع سحر شاكر في الصالون الذي شهد تجمع الأسرة حول الفنانة شادية كل يوم جمعة، دخل علينا ابنها يوسف خالد شاكر؛ شاب في العشرينيات من عمره بالمرحلة الجامعية يحمل كثيرا من ملامح شادية ويتسم بأدب جم. أتى قادما من تدريبه الرياضي خصيصا، مؤكدا على والدته رغبته في لقائي ليحكي لي قليلا عن ذكرياته عن شادية وعن حبه وارتباطه الشديد بها. وهكذا بدأ حوار ثلاثي مع الخزائن الوحيدة لأسرار معبودة الجماهير طوال العقود الثلاثة الأخيرة من حياتها بعد الاعتزال، والتي لم يخرج منها للنور سوى القليل جدا، ليكشفوا للإعلام ولأول مرة، بعض تفاصيل تلك الفترة.

قرار الاعتزال

اتخذت شادية قرار اعتزالها قبل إحيائها الليلة المحمدية سنة 1986 التي تغنت فيها برائِعتها “خد بإيدي” للشاعرة علية الجعّار، لكنها أرادت أن تكون تلك الليلة هي ختام أعمالها الفنية، فعلى حد تعبيرها كانت تقول عنها: “كنت حاسة إن في جوايا نور”، ولم تكن هذه الليلة استثنائية لشادية فقط ولكن أيضا لسحر شاكر التي حضرت إحدى بروفاتها في أستوديو الإذاعة المصرية بصحبة شادية وفوجئت بها تلتفت إليّها وتسألها أمام الموسيقيين عن رأيها، وكانت سحر لا تعرف في الموسيقى جيداً لكنها ردت بتلقائية وسرعة “فُل يا شوشو” فضَحِكَت شادية.

بعد الليلة المحمدية ذهبت مباشرة لأداء العمرة لتعود إنسانة مختلفة تماماً متمسكة بقرارها لدرجة أن عرضت عليها إحدى الإذاعيات الشهيرات في الإذاعة المصرية أن تسجّل بصوتها أدعية دينية فقط فكان ردها عليها: “أخاف إني أقولك آه ويجرفني التيار تاني، أنا مشيت في طريق ومش هرجع فيه”.

نرشح لك: أسرار عن كفن شادية ووصيتها وزيارتها للشعراوي

صحيح أن شادية اعتزلت وغابت عن الصحافة والإعلام وهي في قمة نجاحها بالعرض المسرحي “ريا وسكينة”، لكن زوجة ابن شقيقها وجهت لها سؤالاً واضحاً ومباشراً عن السبب الحقيقي وراء اعتزالها وهي في قمة نجاحها، فكان ردها “كنت في أحد الأيام معزومة على العشاء في منزل المنتج المسرحي سمير خفاجة بعد الانتهاء من أحد عروض مسرحية ريا وسكينة في الأسكندرية -كانوا دائماً ما يجتمعون عنده أو في سان جيوفاني- وكان عددنا كبيرًا، وسمعت آذان الفجر وكنت أسمعه يوميًا لكن هذه المرة سمعته بشكل مختلف وشعرت أنه لا بد وأن يتوقف شيء ما في حياتي لأبدأ حياة مختلفة تماماً”، عندها بيّتت شادية النية للاعتزال بمجرد الانتهاء من آخر التزاماتها الفنية في تصوير بعض المشاهد المتبقية من فيلم “لا تسألني من أنا”، وكانت وقتها قد أنهت آخر عروض مسرحية ريا وسكينة للموسم الصيفي.

تنقل سحر شاكر عنها تكرار تلقيها العروض للمشاركة في أعمال فنية مرة أخرى، لكن كان رد شادية الدائم هو “ساعدوني علشان أقدر أكمّل مشواري”، لتودّع الغناء والتمثيل بكامل إرادتها، وغير صحيح ما وصفها به البعض بأنها تركت طريق الضلال لطريق الحق فقد كانت طوال عمرها تصلي أثناء عملها وهي في فترة التصوير وكانت تحرص على الصيام ودائماً ما كانت تمتلك شيئا ربّانيا بداخلها، ربما لمولدها في ليلة القدر، وكان عندها يقين بأن الله تقبل لجوءها إليه، وليس رجوعها كما يعتقد الناس.

بعد اعتزالها وسفرها للعمرة، استأجّرت شقة في البلوك الثاني في نفس العمارة التي كانت تسكن بها في الجيزة، وقام مهندس الديكور السينمائي نهاد بهجت بتنسيقها ليجعل من نصف مساحة الشقة تقريبا، جناحا خاصا مستقلا بها، يتضمن ركنَ السرير مع الكومود وترابيزة للأدوية وأدراج لأشياء بسيطة، وركنا مخصصا للصلاة وقراءة القرآن، وركنا آخر به جهاز تليفزيون مع أنتريه تجتمع به الأسرة يوم الجمعة، بالإضافة لدولاب بلاكار مكون من ١٢ ضلفة، وأخيراً مطبخا صغيرا وحماما خاصا. هذه الشقة غادرتها شادية في 2011 لتنتقل حتى رحيلها للإقامة مع ابن شقيقها خالد شاكر، بعدما زاد المرض عليها، لتقيم في غرفة ابنيه مصطفى ويوسف بعد إعدادها لتكون غرفة مستقلة خاصة بها؛ أصغر بالتأكيد من الجناح الذي عاشت فيه.

اتصلت شادية في أحد الأيام قبل سنوات طويلة بمنزل ابن شقيقها خالد شاكر ولم تكن زوجته سحر موجودة وأخبرتها الخادمة بوجود خالد فقط، فأنهت المكالمة دون أن تحدثه لتحدث سحر عبر المحمول وتقول لها “يا سحر أنا تعبانة”؛ كلمات كانت قاسية على شادية فهي لا تُصرّح بذلك لمخلوق إلاّ وهي فعلاً تشعر بالتعب الشديد. هذه الصفة يقول عنها خالد شاكر “إن شادية كان لديها عزة نفس عالية جداً وكان الهدف الأسمى بالنسبة لها هو أن تكون مستورة ومحتفظة بكرامتها، وقد كرمها الله بهذه النعمة فظلت كذلك حتى آخر يوم في عمرها”.

ما محبة إلا بعد عداوة

يرجع تعرف شادية على زوجة ابن شقيقها خالد شاكر إلى عام 1984، حيث شهدت السنوات الأربع الأولى من تعارفهما توتراً في العلاقة بينهما، فخالد بالنسبة لها الابن الذي لم تنجبه، فعندما أخذته والدته التركية التي تزوجت “طاهر” شقيق “شادية” لمدة ثلاث سنواتٍ، وسافرت به إلى إسطنبول لسبب ما دون رجعة، أرسلت شادية لإحضاره لمصر وعمره سنتين ونصف، ليعيش معها، وظل مقيماً لديها إقامة كاملة، لدرجة أنها بعد زواجها من الفنان صلاح ذو الفقار وحدوث الحمل أكثر من مرة، ظلت في إحداها ملازمة للفراش دون حركة تماماً لمدة ٦ أشهر، لكن الحمل للأسف لم يكتمل، فطلب منها طاهر أخوها أن يأخذ خالد عنده في تلك الفترة، لكنها رفضت بشدة وكانت تقول فيما معناه إذا أنجبت السيدة طفلا آخر هل معنى ذلك أن تفرط في ابنها الأول؟ وأكدت عليه: “ده ابني ومش هاتخده”.

عاش خالد مع شادية ولم يفارقها حتى زواجه عام 1984، وتشير سحر الى أنه ربما كان ذلك سبب التوتر في بداية علاقتها مع شادية التي كانت بمثابة حماتها الفعلية، وربما شعور الأمومة الذي شعرت به تجاه خالد وإحساسها بأن هناك زوجة ستشاركها فيه أو ربما للعلاقات المضطربة التي عانت منها، جعلتها لا تأمن لأي شخص بسهولة. هذه العلاقة أخذت منحنا آخر في عام 1987 حينما اشتدت الشيخوخة على والدة شادية السيدة، خديجة، أو “أنّا” كما كانت تدعوها، وكانت تقيم مع شادية في بيتها وكان لابد من نقلها للمستشفى، وكانت سحر متواجدة هناك بالصدفة فبدأت بإجراء الاتصالات مع الإسعاف والتعامل مع الأطباء وعمل جدول لها بمواعيد الأدوية، وبدأت في إدارة الأمور، هُنا شعرت شادية بأنها أمام شخصية مختلفة وبدأت جسور الثقة بينهما حتى رحيلها. تصف سحر نفسها بأنها شخصية قيادية حرة فيما تفعله طالما لا تؤذي أحدا وهذا ما احترمته شادية فيها، فمثلا هي كثيرا ما تدخن السجائر -كذلك كانت شادية قبل امتناعها عنها بعد عودتها من الحج-وعندما كانت تخبرها أنها ستدخن في المطبخ كانت ترد عليها شادية مبتسمة مداعبة “كده وبتقوليها في وشي”.

تعلقت شادية في حياتها -كما تروي عنها زوجة ابن شقيقها- بأبناء أشقائها، خاصة وأنها لم تنجب، فلم يكن ارتباطها الشديد بخالد شاكر فقط ولكن أيضا بـ”ليلى” ابنة أختها سعاد، والتي كانت تعتبرها بمثابة ابنتها، فكانت تحبها كثيراً وتدلّلها، حتى إنها في يوم ما بعد انتهائها من تصوير مشاهد أحد أعمالها -وكانت الساعة قاربت على ٣ صباحاً-توجهت لمنزل أختها وأخذت تطرق الباب ودخلت لتوقظ ليلى من نومها وتنهال عليها بالقبلات والأحضان، وكثيراً ما حرصت على اصطحابها معها في الأستوديو والمصايف.

اكتئاب وعلاج نفسي

برغم شخصيتها التي تجمع المتناقضات إلا أنها كانت في غاية الذكاء وتستطيع قراءة الشخص بمجرد دخوله عليها ولا تثق مباشرة بمن حولها، ومع أنها حساسة جداً من داخلها إلا أنها لا تحب أن تُظهر ضعفها لمخلوق، بل تحاول دائما إظهار القوة والجدية. هذه الصفات في معبودة الجماهير، ومع تزايد المرض على والدتها، تسببت في دخولها في حالة اكتئاب شديد، ومرت بحالة نفسية صعبة طوال سنة و10 أشهر هي الأخيرة من عمر والدتها، شعرت معها بالعجز لعدم رفع المعاناة عنها.

نرشح لك: سبب هوس شادية بشراء “العرائس”

هوّن عليها فترة مرض والدتها -التي حرصت على خدمتها ورعايتها بنفسها بل والغناء لها أحيانا-وجود أختها سعاد بجوارها وهي أخت غير شقيقة (من الأم) بالاضافة لتلقّيها اتصالات هاتفية من الفنانة هدى سلطان -التي حزنت شادية جداً عند وفاتها- الفنانة ليلى فوزي، تحية كاريوكا، فاتن حمامة وبالطبع الفنان كمال الشناوي، فقد كان يحبها جداً وزوجته، ويسألان عنها باستمرار، وفي إحدى المرات عندما أجرت شادية عملية “المياه البيضاء” في العين اتصل بها وهو في حالة انهيار وبكاء للاطمئنان عليها.

صورة نادرة لصباح وشادية بعد اعتزالها

رحلت والدة شادية عام 1993 عن عمر يناهز 96 عاماً لكن الحالة النفسية للفنانة المعتزلة آنذاك قد بدأت بالتحسن، وبدأت شادية في الخروج من الاكتئاب بعدما كتب لها الدكتور عبد العزيز الشريف أدوية مهدئة تخفف من إحساسها باليأس، بالإضافة إلى تواصلها مع الشيخ الشعراوي الذي كان ينصحها بقراءة أحاديث وآيات معينة من القرآن “كوِرْد يومي”، لذلك جاء استقبالها لوفاة والدتها هادئاً، وتلك ملكَة كانت تتمتع بها، فدائمًا ما كانت تستقبل الأمر الواقع بمنتهى الرضا

 

حياة عادية

عاشت شادية بعيدة عن الفن نحو 33 عاماً، لم تندم أبداً ولا في أي يوم من الأيام على اعتزالها الفن، عاشت على نفس الوتيرة والإيقاع، حيث كانت مواظبة على صلاة الفجر وقراءة القرآن، ثم النوم لتستيقظ ٩ صباحاً فتصلّي ركعتين ثم تتناول طعام الإفطار وتقرأ الجرائد وتقوم بحل الكلمات المتقاطعة، بعد ذلك تصلي الضحى وتقرأ القرآن، وبعد صلاة الظهر يبدأ يومها فتُجري بعض الاتصالات التليفونية أو تشاهد التلفزيون أو تتابع شئون البيت مع من يقوم عليها حتى صلاة العصر، بعدها تتناول طعام الغذاء ثم تنام وتستيقظ قبل المغرب وتنتظره للصلاة، وما بين المغرب والعشاء كان الوقت مخصصا بالكامل لقراءة القرآن الكريم ولا يجرؤ أحد أيّا كان على مقاطعتها فيه، فقد اعتادت قراءته بصوت خافت، وكانت تقرأ من ثلاث مصاحف تحديدا من مجمل 7 مصاحف لديها. وبعد العشاء كانت تحرص على مشاهدة بعض المسلسلات، ثم تذهب للنوم للاستيقاظ قبل الفجر بنصف ساعة، فكانت تستيقظ مبكراً تنتظر الأذان وتبرر استيقاظها قبل الأذان قائلة: “إحنا نستنى الأذان مش الأذان اللي يستنّانا”، فيما حافظت على صيام يومي الاثنين والخميس دون انقطاع منذ الاعتزال حتى 2006، عندما اضطرت للتوقف بأمر الطبيب.

نرشح لك: نجوى فؤاد: “شادية كانت بتخلص أجر أفلامها على العمال”

الحياة الروتينية التي عاشتها شادية كان يتخللها بعض الذكريات اللطيفة من هنا وهناك، فكانت تتذكر نفسها وهي طفلة تقطف الفاكهة من الشجر وترمي بها في القناية ليلتقطها الأطفال من الجهة المقابلة، وتلومها والدتها على ذلك، وتتذكر أيضا وهي تضحك أثناء تصويرها أحد الأفلام مع إسماعيل ياسين، كيف أنها ذهبت بصحبة المخرج ومدير التصوير لتناول طعام الغذاء في مطعم خريستوا ونسوا تماما اصطحاب إسماعيل معهم وعند عودتهم فوجئوا به يقول لهم “إيه خريستوا لييه؟”، كما تخللت حياتها زيارة من بعض الأصدقاء مثل زوجة الدكتور رمضان الشرّاح من الكويت وابنتيها نور ونيرة وأخته عند قدومهن لمصر كل عام، ويُعتبرن من الغرباء القلائل الذين فتحت لهن شادية بيتها نظراً لعلاقتهن القوية بالكاتب محمد سعيد الذي كانت تعزه وتقدره كثيراً.

الفن بعد الاعتزال

لم تتوقف شادية عن متابعة الفن بعد الاعتزال، فمن المسلسلات التي كانت تتابعها مسلسل “ريا وسكينة”، وكانت تعشق الفنانة عبلة كامل وتصفها بالتلقائية والطبيعية الشديدة، كما كانت ترى في الفنانة سمية الخشاب قدرات تمثيلية ممتازة، وكانت تحب الفنانة منى زكي في مسلسل الضوء الشارد ولم يكن يفوتها عمل للفنان لطفي لبيب “كانت بتتفرج عليه دائماً خاصة مسلسل أزمة سكر”، وكانت ترى الحالة الفنية في هبوط مستمر وتقول: “ما فيش ورق”. وكانت ضد الأعمال الدرامية التي تتناول سيرة الفنان وتعتبرها خرقا لخصوصيته.

كانت معتادة على أن يتسلم عنها مدير أعمالها محمد حافظ -الذي كان بمثابة أخ لها- جميع التكريمات الممنوحة لها، إلا أنها قررت بعد الاعتزال بحوالي 4 سنوات أن يتسلّم خالد التكريم المقدم لها من مهرجان القاهرة السينمائي برئاسة سعد الدين وهبة، لكن وصلت لها معلومة ما قبل الفعاليات بيوم جعلتها تتراجع عن قبول الجائزة ورفضت ذهاب خالد للحفل، فما كان من وهبة سوى نشر مناشدة لها في جريدة الأهرام على مساحة نصف صفحة ومع ذلك أصرت على الرفض.

من التكريمات التي كانت عزيزة على قلب شادية حصولها على الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون، حيث زارتها الدكتورة أحلام يونس رئيس الأكاديمية في المنزل لتسلمها درع التكريم، والتكريم الآخر هو وسام النيل الذي منحها إياه الرئيس الأسبق المستشار عدلي منصور وتسلّم الوسام خالد شاكر. وعن الكلمة المسجلة التي أذيعت لها خلال التكريم تتذكر سحر أن شادية كانت قلقة ومترددة في تسجيلها إلاّ أنها قامت بتشجيعها واصفة لها التكريم بأنه من مصر وبالتالي ليس بالضرورة أن تكون كلماتها موجهة للرئيس عدلي منصور بقدر ما هي موجهة لمصر وبالفعل خرجت الكلمات من قلبها وتم التسجيل بعد إعادته حوالي ٥ مرات نظراً لضعف صوتها.

رجال في حياة شادية

صلاح ذو الفقار هو الحب الأساسي في حياة شادية، لكنه كان رجل ذو شكيمة وذو طبيعة عسكرية مع قوة شخصيتها جعلت الحياة بينهما صعبة وتسببت في الانفصال، أما الفنان فريد الأطرش فلم تتكلم عنه أبداً ولم تحب أن يتناول أحد سيرته أمامها، ولم تصرح يوماً برأيها فيه، فهي في فترة ما كانت على وشك الزواج به، واشترت بالفعل فستان الزفاف وتم تحديد موعده ولكن قبله بأسبوع اتصل بها فريد ليخبرها بأن تؤجل الزفاف لأنه مسافر ولا يعلم ظروفه، فما كان منها بعد أن أغلقت السماعة سوى الاتصال بعزيز فتحي وكان يرغب في الزواج منها وأخبرته أن يأتي بالمأذون فوراً، ثأراً لكرامتها من فريد الأطرش، وفعلاً كان خبر زواجها منشوراً على صفحات الجرائد في اليوم التالي، واستمر ذلك الزواج ٥ أشهر، أما رأيها في زوجها الأول الفنان عماد حمدي فكان أنه “أحسن رجل ممكن أن تتزوجه المرأة” لولا غيرته الشديدة.

جوانب إنسانية

أحبت شادية كثيراً لقب “يا سيدتي” الذي أطلقه عليها الدكتور الخاص عاصم عبد الرحمن زيادة، صاحب الفضل عليها في إنقاذ حياتها أكثر من مرة على مدار ٢٨ عاماً، وكانت دائماً كريمة ومعطاءة مع القريب والغريب، وكانت متكفلة تقريباً بكامل عائلتها ومن يقومون على خدمتها ورعايتها، فقامت بعلاج خادمتها الأولى فاطمة من مرض شديد بالقلب وكانت توصي عليها الطبيب، كذلك خادمتها أم جمال التي عاشت معها 11 سنة، ومن بساطتها كانت تداعب فتاة السوبرماركت فريال وهي تحدثها تليفونيا لطلب الحلوى لابني طاهر، وكان لديها دفتر تحتفظ به بجوار أجندة تليفوناتها؛ هذا الدفتر لم يحاول أحد أبداً معرفة ما بداخله حتى وقت قريب قبل وفاتها، فكان يضم بداخله قائمة من الأسامي أمامها مبالغ مالية غير قليلة تُصرف لهم شهرياً، وكان لهم الأولوية المُطلَقة سواء كانت ظروفها المادية تسمح أو لا، والذي كان يتابع ذلك الأمر وأمور أخرى مالية كانت تستأمنه عليها هو سائقها الخاص عمرو ابن الأسطى عزام سائقها الأول، حتى إن هذه المبالغ تم صرفها لأصحابها بالكامل في شهر نوفمبر الذي رحلت فيه.

نرشح لك: مفاجأة: صورة شادية المثيرة للجدل قديمة وهذا عمل صاحبها

تبرعت شادية بكل فساتينها ووزعتها على حياة عينها، بما فيهم فستانها الأحمر الشهير الذي غنت به يا حبيبتي يا مصر، وكانت تمتلك قطعة أرض عليها فيلا آخر شارع فيصل- قامت بهدمها بعد الاعتزال وبنت على نصف المساحة جامعا ومستوصفا، كما ساهمت في زيجات عديدة وسداد ديون الكثيرين، ودائما ما كانت تهتم بالأعمال الخيرية.

من الأشياء التي احتفظت بها شادية ولها معزة خاصة عندها وكانت تعني لها كثيرا وتحرص على وضعها في الركن الخاص بها للصلاة، حفنة من رمل جبل عرفات أرادت الحصول عليها أثناء أدائها أول عمرة لها بعد الاعتزال، فقام أحد الأمراء السعوديين بإهدائها إيّاها داخل فازة من الكريستال وما زالت موجودة حتى الآن، بينما تم التخلص من جميع رسائلها؛ بينها وبين صلاح ذو الفقار وبينها وبين حبها الأول وعمرها 17 سنة وكان مهندس طيران استشهد في حرب 48، وذلك ضمانا بألاّ يتم استغلالها بشكل مسيء، وتم الاحتفاظ فقط ببعض الرسائل التي لا تظهر خصوصية ما. كذلك تحتفظ الأسرة بشرائط كاسيت مسجل عليها بعض الجلسات واللقاءات الخاصة أثناء البروفات والتي لا تفكر إطلاقا في خروجها للعلن احتراما للطريق الذي اختارته شادية.

حفنة رمال من جبل عرفات
حفنة رمال من جبل عرفات

رحلة مرض

دخلت شادية المستشفى ٤ مرات -أسبوع بمستشفى الصفا ويومين بمستشفى النيل بدراوي نتيجة أزمات بالرئة- منهم مرة عام ٢٠١٢ كانت سحر شاكر في طريقها للسفر لزوجها خالد في العين السخنة، وبعد وصولها بدقائق فوجئت باتصال تليفوني من شادية تقول فيه ” أنا تعبانة يا سحر”، “فأسرعت عائدة إليها لتصل في الساعة ١ صباحاً، دخلت عليها ووجدتها في حالة صعبة ولديها نزلة شعبية حادة فاتصلت بالطبيبة عالية عبد الفتاح، وكانت مقرّبة جداً لقلب شادية، فأتت إليها وبعد فحصها وجدوا نسبة ثاني أكسيد الكربون في دمها وصلت ٦٧٪؜، وأن هناك احتمال لوضعها تحت جهاز التنفس الصناعي.

رفضت سحر ذلك بشدة إلى أن علموا بوجود جهاز يشبه في عمله جهاز التنفس الصناعي وليس مثله، وبالفعل ظلت شادية في الإنعاش ١٢ يوماً أعقبها حوالي شهر كامل في غرفة المستشفى. يتذكر حفيدها يوسف خالد كيف ظل واقفا بغرفة الإنعاش وهي ممسكة بيده بالساعات لتشعر بالاطمئنان. لم تستغرب والدته سحر تصرفه هذا فقد سبقه إليه والده خالد عندما حكى لها كيف وهم في سن العاشرة أمسكت شادية بيده واستغرقت في النوم مدة الساعتين بعد طلاقها مباشرة من صلاح ذو الفقار.

شادية كانت أهلاوية متعصبة وكان لها عضوية عاملة ثم شرفية في النادي الأهلي، والوحيد الذي سمحت له بالدخول عليها وهي في المستشفى سنة ٢٠١٢ هو الكابتن محمود الخطيب وزوجته نيرڤين، وكانت أول مرة تراه أثناء تأديتها للعمرة ووصفته بالوجه البشوش ذو السماحة.

بعد شفائها ومع آخر يوم امتحانات ثانوية عامة لمصطفى خالد شاكر، اصطحبت سحر، الفنانة شادية والممرضات بالأجهزة بالسرير الطبي وسافروا الساحل الشمالي، حيث استضافهم السيد منصور عامر صديق خالد منذ الطفولة في جولف بورتو مارينا لقضاء فترة النقاهة، وكان ذلك قبل دخول رمضان بـ١٠ أيام فقضوا فيها رمضان كاملاً والعيد، وكانت هذه المرة الأولى التي تخرج فيها شادية منذ حوالي ٢٧ سنة، وكانت سعيدة بجلوسها في “التراس” والاستمتاع بالخضرة والهواء النقي.

صورة السيسي

في طريق عودته من ختام المنتدى العالمي الأول للشباب وقبل رحليها بأيام، توقف الرئيس عبد الفتاح السيسي والسيدة انتصار السيسي لزيارة الفنانة شادية في مستشفى الجلاء العسكري حيث كانت تخضع للعلاج في آخر أيام حياتها؛ صحيح أن هذا اللقاء هو الوحيد الذي جمعها مع الرئيس السيسي الذي لم تتعرف عليه في البداية لشدة مرضها، إلا أن شادية لم تنشغل يوماً عن وطنها، فكانت طوال الوقت مهمومة بالأوضاع السياسية، ففي ثورتي 25 يناير و30 يونيو كان أمام المنزل الذي تقيم فيه أحد المحال عند فتحة يقوم بتعليق الميكرفونات ويقوم بتشغيل أغاني “يا حبيبتي يا مصر” و”يا أم الصابرين”، فكانت سحر تأخذها من يدها وتخرج بها للبلكونة وهي ممسكة بعلم مصر وتلوّح به للناس الذين يلوّحون لها بالمقابل.

نرشح لك: نجوى فؤاد: “شادية كانت بتخلص أجر أفلامها على العمال”

يقول خالد شاكر عن علاقاتها بالسيسي “كان لها ارتباط غريب بالرئيس فعندما نزلنا في 30 يونيو وعدنا بصُورِه وكان وقتها مشيرًا طلبت منا أن نعلّق الصورة في مقابل مكان جلوسها، وبدأت تركز أكثر على ما يجري من أحداث، فاستيعابها لها لم يكن كاملاً، ونحن في المقابل لم نكن نضغط عليها بشرح ما يحدث بالرغم من حرصها على متابعة الأخبار، ولم تكن في وعيها عندما زارها الرئيس فقد كانت في شبه غيبوبة”. وتابعت سحر موضحة كيف كانت تحرص شادية على سماع خطبه وهي تقول “هو ده اللي أنقذ مصر”.

لم تبخل شادية يوما على مصر سواء بفنها أو مالها. تروي سحر أنها تلقت اتصالا هاتفيا من مكتب وزير الإسكان الأسبق حسب الله الكفراوي يريد التحدث لشادية، وكانت وقتها في زيارة للشيخ الشعراوي – زارته مرتين فقط في حياتها- وعاود المكتب الاتصال بنوع من الإلحاح، وعلمت بعد ذلك أن شادية كانت قد تبرعت بمبلغ من المال لصالح أحد المشاريع، وهذا المشروع قد توقف لسبب ما وكان يرغب أن تسترد ما تبرعت به.

وصية للحفيد

في الحوار جلس يوسف خالد شاكر الذي يعتبر بمثابة حفيد شادية يؤكد قائلا “علاقتي بشوشو -وهو الاسم الذي يناديها به الجميع دون استثناء- علاقة مختلفة، فدائماً ما كنا نتحدث وكثيراً ما سمعت مني، ومازلت أذكر كيف كانت تهتم بي بعد عودتي من المدرسة، بل وتحرص على أن تطمئن عليّ وقت الفجر وتقوم بتغطيتي في الفراش، وعندما جاءت سيرة وجودها في الإنعاش تذكرتها وهي ممسكة بيدي بالساعات دون أن تتركها ودون أن أتركها أنا الآخر واستمر ذلك طوال ثلاثة أيام حتى بدأت تفيق تدريجياً وقالت لنا بعد ذلك: “أنا كنت بفتح عيني أشوف يوسف أطّمن وأنام”، كنت أداعبها عند عودتي من الخارج فأناديها يا شادية فترد علي وهي ضاحكة، وكنا دائما ما نشاهد المسلسلات معاً وكنا نضحك كثيرا على مسلسل “أزمة سكر”، وكنت آتي لأضمها بقوة فتستنجد بوالدتي التي تأتي مسرعة وهي تقول “هموّته” فترد شادية “لأ خلاص إوعي تموّتيه”، بالمناسبة شادية كانت لا تحب أن تشاهد أعمالها إلاّ نادراً، وكانت تقول لي: “أنا طبعاً لن أرى زوجتك لكن إذا رزقت ببنت سميها فاطمة”، وهو الاسم الحقيقي لشادية، واسمها الفني اختاره لها الفنان الراحل عبد الوارث عسر.

الوداع

تتذكر سحر شاكر موقفا مع شادية أثناء مشاهدة التليفزيون، فعُرضت بعض المشاهد المتعلقة بالموت والغُسْل بعد الموت، فوجدت شادية تنظر لها وتقول: “بأمّنك لما أموت إنتي اللي تغسليني”، وردت عليها: “وأنا بأمنك بعد ما أموت محدش يدخل عليا غير أختي”، وبدأَت تقول تفاصيل منها: “يا سلام لو كمان غطتوني بعَلَم مصر”، واعتبرت كلامها وصية وفعلاً أحضرنا ٣ أعلام مختلفة الأحجام لاختيار الأنسب لتغطية النعش كما ظهر، وفي الخامسة من مساء الثلاثاء 28 نوفمبر 2017 بمستشفى الجلاء العسكري صعدت روحها لبارئها وقمت على غسلها بمساعدة الحاجة ياسمين الخيام التي وقفت بجوار الأسرة كثيراً وكانت خير عون، وحرصت يومياً على مدار الـ ٢٨ يوما الأخيرة في حياة شادية على زيارتها في المستشفى والاطمئنان عليها، حتى إنها من رافق نعشها في عربة الإسعاف، بل إن شادية تم تكفينها بالكفن الخاص بالحاجة ياسمين المطيب بالكافور والمزمزم بماء زمزم. وتحركت عربة الإسعاف تتقدمها سيارة شرطة و 2  دراجة بخارية لتفتح طريق صلاح سالم وصولا لمسجد السيدة نفيسة حيث صلاة الجنازة.

اختتمت سحر الحوار قائلة: شادية كانت من القناعة والرضا بحيث لم تتمنى شيئا معينا، وكان كل ما تتمناه من رب العالمين أن تظل بصحة وعافية لآخر لحظة من عمرها، ودائما ما كانت تردد: ” نفسي ماتوِجِعْش”.

نقدم لك: نجوم خطفهم الموت في سن صغيرة، لكنهم استطاعوا ترك بصماتهم في العديد من الأعمال