أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (17) ..عصاية وشوكولاتاية

رجل اليوم .. دوماً رجل

إن كان امرأة.. سيفشل

هكذا علمنا السوق، شاغل وظيفة اليوم لابد من أن يكون رجلاً، واثقاً في نفسه، لديه قميص أبيض ناصع البياض، وبنطلون جينز كحلي، ولابد أن يكون مشغولاً على الدوام، يحمل هاتفاً محمولاً باهظ الثمن، وطبعاً يمتلك I PAD … فهو رئيس المحطة.

ما سبق كان فقط لتقريب صورة رئيس المحطة على مستوى الشكل، فهو أبداً ليس الرجل الذي يرتدي بذلة كاملة، وهو ليس بالرجل السهل الساذج، وهو بالفعل دوماً يمتلك I PAD .. وصحيح أن الكثيرين منا يمتلكون هذا الإختراع، لكن صدقني، في يديه يتحول الـ I PAD إلى I PAD له هيبة.

الرجل هو الأقرب “للزغلول الكبير” صاحب المحطة، هو الذي يتلقى منه الأوامر والتعليمات، التي تتماشى مع مصالحه (المالية والسياسية) وينقلها بحزم وصرامة لعدد محدود جداً من الموظفين اللذين يشغلون مناصب إدارية عليا كمدير إدارة الانتاج وزعيم المخرجين وزعيم البروضيوصرز وزعيم الفنيين وهكذا.

يقضي رئيس المحطة معظم يومه في Meeting ، ولذلك فهو دوماً غير متاح، دوماً لا يرد على هاتفه، دوماً لا يتعامل إلا مع القلة المختارة من الموظفين / الزعماء، ودوماً ما يتسم بالحزم والصرامة.

والشهادة لله، لم أقابل في حياتي رئيس محطة ساذج، أو ضعيف الشخصية، أو جاهل بخبايا (الشغلانة).. وجميع من قابلتهم في حياتي يتصفون بالقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة والسريعة في أصعب الظروف، وأعتقد أن ذلك أحد أهم أسباب وجودهم في هذا المنصب الحساس، والذي يحتاج بجانب الصفات سالفة الذكر أن يكون هذا الشخص، مرن ومطيع لأوامر صاحب المكان، وفي المقابل يختار فريقاً مرناً، مطيعاً لأوامره.

الناس في المحطات الفضائية ليسوا سعداء دوماً، ودوماً ما تدور جلسات النميمة حول قرار نراه غريباً، اتخذه رئيس المحطة، أو قرار اتخذه مجموعة الزعماء بعد اجتماع من الاجتماعات التي لا تنتهي، ولم أقابل بعد شخصاً واحداً يتعامل مع مرؤوسيه بشفافية ووضوح مخبراً إياهم بالأسباب الحقيقية لأي قرار، ولأن كل منا يتخيل نفسه قادر على إدارة المحطة (بصباع رجله) فدوماً ما تصيب رؤساء المحطات سهام النقد والنميمة والسباب أحيانا، المغلفة طبعاً باتهامات الغباء وانعدام الموهبة، وفقر المؤهلات اللهم إلا من قميص أبيض ناصع وبنطلون جينز كحلي و I PAD .. وهو المظهر الذي يبدو أنه من أساسيات المهنة!

رئيس المحطة يمتلك (عصاية) يعاقب بها أي فرد مهما كانت مكانته ورتبته بالمكان، يعاقب بها خصماً أو توبيخاً أو فصلاً من العمل، ليظل محافظاً على هيبته ووقاره أمام الجميع، مبدياً سطوته وقت الحاجة.

كما يحمل (شوكولاتاية) من كلمات المديح، والمكافآت المادية، وتوزيع الابتسامات – التي لا تظهر على وجهه إلا نادراً- والتي أشهد أنها توزعت أمامي دوماً بالحق، فرغم أنني اندهشت مرات من تعيين زميلاً لي في منصب أعلى لا يستحقه في رأيي، إلا انني وبمرور الوقت كنت أتأكد أن لرئيس المحطة دوماً رؤية تمكنه من الحكم على الأشخاص والمور، وتسهل له قيادته لسفينة المحطة بهدوء وبدون مشاكل جسيمة، كنت أندهش في صغري مثلاً من رفع مرتب فلان أو إلغاء برنامج كنت أراه رائعاً أو إضافة شئ على خريطة البرامج أراه سخيفاً ، ودوماً ما يظهر مع الوقت حُسن إدارة رئيس المحطة، وشمولية رؤيته المستقبلية.

أما عن حب موظفيه وتقديرهم له، فهي مسألة ربانية بحتة، فمنهم من تغلفه هالة من الاحترام، تجبرني كموظف صغير بالمكان على احترام الرجل وتقديره، وبالتالي زيادة محبته في قلبي مع الوقت، وهناك من تحيطه هالة من الاستعلاء والعنجهية، لا يمكن أن تتجاهلها كموظف صعير، فتصبح مشاعر بغضك للرجل هي المسيطرة بجموح.

لا يتبقى إلا أن اقول أن رئيس المحطة لا يظهر في الكونترول رووم إلا في أضيق الحدود، وقت إطلاق برنامج جديد، وقت إذاعة شئ (غاية) في الأهمية، وقت تغطية حدث جلل … وفي بقية الأوقات هو مختفي تماماً .. نسمع عنه ولا نراه .. نختبر ضربة العصا أو نتذوق الشوكولاتة .. فقط لا غير.

 

لكم المودة بلا حدود.

تواصل مع الكاتب عبر فيسبوك من هنا

تواصل مع الكاتب عبر تويتر من هنا

اقرأ أيضًا:

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (16) .. الزغلول الكبير

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (15).. المخلصاتي

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (14).. حــلَال الــعُـقَد

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (13).. سكان الـ M.C.R .. الصنف الثاني

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (12).. سكان الـ M.C.R .. الصنف الأول

.

تابعونا على تويتر من هنا 

تابعونا على الفيس بوك من هنا