محمد حسن: توابع فوائد القرنفل

بعد كتابة مقال السبت الماضي “فوائد القرنفل”

ومراجعة التعليقات في ذهني ظل التعليق الأبرز من أحد الصديقات “انت كويس بس لازم تتجنن ، لو اتجننت هيفرق معاك كتير”

تركتني بعد التعليق فيما يبدو غارقاً من فرط العُمق ، لكني تسألت : طب إزاي ؟

تركتني للمصير المجهول ، في تلك المرحلة أشعر بأن الجنان أحد أهم المكتسبات التي لاغني عنها ، اتفق معها تماماً الجنان وانت
بكامل عقلك مُمتع ، ربما تدريب علي ما سيكون حقيقياً بعد ، فكرت وتطلعت ماذا سأفعل ؟

بعد آخر مباراة لعبتها مع الأصدقاء وتعرضت للإنتقاد اللاذع علي ضياع الفرص السهلة وكأن الحياة توبخني ، انسحبت بهدوء “خطوة للخلف” رغم ارتدائي لقميص “السيدة العجوز” يوفنتوس المتأهل حديثاً لنهائي دوري الأبطال ، لعب الكرة سيظل أحد الأشياء المألوفة وليس خروجاً عن الإطار أو تمهيداً “للجنان”

بدأت أُعيد ترتيب الأوراق ، استقريت علي “الجري بمفردي”

تبدو رياضة وتنفيس منطقي ليس ببعيد عن الكرة ، لكنها العكس تماماً بواقع الخبرة الضئيلة ، إنها عين “الجنان” بدءاً من الحذاء “الكوتشي القديم المتمرد علي واقعه الأليم” مروراً بترينج التسعينات “ماينفعش دا يتقال عليه تريننج سوت”
المرحلة الأخطر في رحلة الجري “خلع النظارة” والجري بدونها فيبدو كل شئ باهت مثل قنوات الأفلام المصرية الغريبة ، مثل بعض أوقات الحياة ، عدم تحديدك للملامح بعد نزول ستائر الليل الثقيلة ، فيبدو أحمد والحاج أحمد وحفيده من بعيد شخص واحد ، لن يستطيع أحد أن يُلقي عليك اللوم “انت عارف أنا مابشوفش من غير النضارة” وتترك لنفسك باقي الجُملة “ومبسوط” ، بداية الجري الخفيف ، ثم الركض بسرعة ، شعور انك تتحرك والعالم كله متوقف ليراقبك ، انت تتحرك وتركض والكثير متوقف أو جالساً علي الرصيف يدخن سيجارته “الكليوباترا” ومستعداً لمعركة الذهاب “لرمسيس” ، أو ينتظر الفتاة التي قررت أن تجمع المعلومات عن كليوباترا ورمسيس معاً لتُلقنه درس “التاريخ” مجاناً ، العالم يتغير مع الجري ، أشكال العمارات والبيوت والشوارع نظرات الناس الساخرة منك فقط لأن أحدهم امتد كرشه أمامه ولا يستطيع أن يفعل مثلك ولو ضربته علي رأسه لن يستطيع أن يجاملك بطوبة ثأراً لنفسه ، لقد اعتاد أن يثأر من كل شئ عبر طبيخ المدام ، حتي شريط الذكريات يركض معك ، تتذكر الوحدة أو الحزن وترفع رأسك بالصدفة البحتة فتجد أحدهم يشير إليك بعلامة النصر “لاتحزن” واستمر ، الوقوف فجأة لأن لياقتك ليست علي مايرام ، فتنظر حولك فتعتقد أن العالم وقف ليشمت فيك ويخرج لسانه فتنتبه أنك منتصف الليل وأنك تركض بمفردك ولا أحد حولك مطلقاً ، ربما تلك هي الأزمة أنك تركض دائماً بمفردك !

بائع الفاكهة المستأنس بصوت الست وكأن صوتها يُشع دفء علي الفواكه فيحفظها من الندي ذلك اللص الناجح دائماً في المساء ، الرجل الذي يرتدي عبائته البيضاء وزوجته التي ترتدي إسدال الصلاة يسيرون في مشهد بسيط خالي من المواد الحافظة ، منطلقين وكأنهم ملكوا الشارع بأسره ، وكأن أعمدة الإنارة ترضي عنهم وتحفظهم وتمنعهم من عيون السهرانين والناقمين والساخطين علي الحياة ، الثلاثة القابعين علي موتوسيكل ويمرون عليك مروراً ليس كمرور الكرام يخرج صوت المهرجان الشعبي من الموتوسيكل بشكل ضخم يُجبرك أن تسمعه ، حتي يقتربوا تحديداً عند جملة “دايماً بتحس الوحدة ، وانت لوحدك بالليل” فتعود لترفع معدل الركض ، متحاشياً النظر إليهم ، تعود للساوند كلاود في عملية تطهير سريع فتجد علي رأس القائمة فؤاد حداد بأيام العجب والموت “وادي أيام العجب والموت\جت بسرعة زي غمضة عين\ليه ماقولتش زي لمح البصر\كنت بتقلّب علي الجنبين”

تتراجع عن السماع ، كما يتراجع الكثير عن سماعك ، لكنك تُصر أن تُكمل الحوار و الركض حتي ولو بمفردك كالعادة ، تخيّل لو لم اعتبر دقائق الجري جنان ومغامرة ؟

وتخيل لو لم افكر ملياً في تعليق المقال السابق ؟

وقتها كنت ستحرم أنت كقارئ من كل تلك اللحظات المفعمة بالأمل واليأس والفرج والعقل والجنون !

اقرأ أيضًا:

 محمد حسن: اللص المدهش محمد صلاح  

 محمد حسن: مصر على الشيزلونج   

 محمد حسن: هل سمع صاحب “كلب شارع الأهرام “عن هاتشيكو؟  

 

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا