محمد أبومندور: الكبر فينا والعند مالينا

بعد تصريحات وزير العدل المقال/المستقيل – اياً كان الوضع لا يهم – التي تظهر ما فينا من كبر ونزق، اتضح أننا لا نرى من الغربال، فمن كان مؤيداً لتلك التصريحات بأن ابن الزبال لا يمكن أن يكون قاضياً وذلك أنه يأتي من بيئة اجتماعية (بيئة) منخفضة المستوى الاجتماعي وعينه فارغة وأن أول ما سيفعله عند دخوله السلك القضائي هو أن يقوم بتفييم (تسويد) زجاج سيارته ليتشبه بإبن المستشار مما يدل على عقدة النقص التي ستبقى ولن تزول.
هناك رأي آخر توغل في جلد المجتمع بأن سأل سؤالاً سرمدياً، ماذا لو تقدم لإبنك عريس ابن زبال فهل ستقبل به؟ وهو سؤال يعجز المجيب حيث أن الإجابة ستكون بلا مملؤة بالأسف والحيرة.
أما من كانوا على طرف النقيض من هذا التوجه فكانت طروحاتهم تأتي في إطار ثوري رافعين شعارات مثل – وكأن ثورة لم تقم – وما ذنب ابن الزبال الشاطر في كون ابوه زبال- الزبال مهنة شريفة أكثر من القاضي – ابن الزبال ممكن يكون أشطر من ابن المستشار- العبرة بالكفاءة – وبدأوا حملة اقيلوا وزير العدل والتي انتهت بتقديمه للاستقالة أو اجباره عليها لا أحد يدرى على وجه الدقة، فنحن لا نتمتع بقدر عالي من الشفافية يجعلنا نعرف بدقة ما جرى إما لموروث انعدام الثقة بين المجتمع والحكومة فيما تصدره من تصريحات من جهة، أو لقناعة الحرس القديم بأنها أمور لا يجب أن يطلع عليها الشعب من جهة، ربما!.
دائماً هناك طرفين للمعادلة، كل طرف في اتجاه معاكس للآخر، ويكمن الحل الجبري في طرح طرفي المعادلة لنحصل على نتيجة ما، في واقعنا لا يتم الوصول إلى حل فلا باستقالة الوزير حدث تغيير في العقيدة التي تحكم أي اختيار في المناصب العليا ولا اقتنع الرافضين بما آل إليه الأمر.
لا تندهش عندما تعرف أن الحل ليس بيد الحكومة – نعم ليس بيدها- الحل في التعليم وتكوين الوعي و التنشئة السليمة التي ينتج عنها البعد عن التطرف- فلا يصاب المجتمع بالهلع عند صدور تصريح مثل تصريح وزير العدل الذي كان صادماً للكثيرين لأنهم وإن استنكروه، يعرفون أنها حقيقة واقعة لكن لعظم الكبر فينا استنكرناه.
الآن بعد ترك وزير العدل لمنصبه، هل تغير شيء؟ هل فاز من نادوا بإقالته بشيء؟ هل تم تصحيح الأمور؟ – في واقع الأمر لم يكذب وزير العدل فهذا الوضع هو المعمول به من زمن وله أسبابه (وإن كان بعضه غير منطقي ومرفوض)، لكن من يريد تغيير هذا ينبغي عليه أن يبدأ بإصلاح منظومات أخرى أكثر أهمية وأكثر فاعلية في تحسين الواقع المعاش للمجتمعات، فلا ابن الزبال بوضعه الحالي وإن كان أشطر من ابن المستشار يصلح لتولي مهمة تتطلب التمتع بمواصفات علمية وشخصية يتكون جزء مهم منها في المجتمع الذي تنشأ فيه، وفي نفس الوقت لا يمكن قبول أن يتم اختيار ابن المستشار لنفس المنصب لمجرد كونه ابن مستشار فهذا ليس مصوغاً للعمل إلا في إقطاعية أو أبعدية يملكها السيد الوالد.
في كل وظائف العالم يكون هناك مواصفات ومعايير محددة لشغل الوظيفة ومن ضمنها اجتياز اختبارات مكتوبة وشفوية وأحياناً عملية وفي الوظائف الحساسة تكون تلك الاختبارات من الصعوبة بمكان لتضمن حسن الاختيار، بالرغم من ذلك هناك دائماً شواذ لكل قاعدة.
تجاوزنا أصل المشكلة وتمسكنا بالقشور فكل طرف ممتلء بنوع من الكبر والعند ولسان حالهم يجاهر بكونه ما زال يتمتع بضبط النفس عن التعرض للآخر، واقع لا يترجمه سوى حكمة قرأتها على ظهر توك توك “الكبر فينا .. بس ربنا هادينا”.
إصلاح المجتمع هو الحل…

اقرأ أيضًا:

محمد أبو مندور : إعلام “التكاتك” الموازي

محمد أبو مندور: إعلام مؤيد أم معارض

محمد أبو مندور: (طرق مصر).. يرصد، يعرض، يسخر، ويُبكي

محمد أبو مندور: أسمع كلامك أصدقك، وأسمع برامجك استغرب!

محمد أبومندور: ليت قومي يقرأون

 

تابعونا على تويتر من هنا 

تابعونا على فيسبوك من هنا