شهرزاد العصر الحديث.. شريهان

إسلام سيد

وردة لا تذبل أبدًا عرفناها فتاة عشرينية خفيفة الظل خفيفة الحركة تتشكل بأي شكل تريد كأنها قطعة صلصال، مرور الزمن لم يفقدها بريقها وبهائها بل أضّاف إليها هيبة ونضج سيدة خمسينية، فقد تربت في مدرسة الكبار، لتمثل ما تبقى من جيل العظماء. ألا وهي الفنانة القديرة شريهان، التي نحتفي اليوم بعيد ميلادها.

صاحب الفضل في نشأتها هو أخوها الملحن عمر خورشيد الذي حل محل والدها، والملهم الذي اكتشف فيها الموهبة وأتاح لها عالمًا فنيًا خاصًا نبتت فيه بين الأساطير لتقترب من عبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش، وأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وذلك بحكم عمله، فتشبعت روحها بحب الفن وأثمرت موهبتها حتى جاءت اللحظة التى خرجت فيها الفراشة من الشرنقة على يد الأستاذ فؤاد المهندس في مسرحية “سك على بناتك”، وتخرجت من مدرسته المسرحية، فكانت بمثابة ابنة له يعاملها كما يعامل أولاده.

أميرة الحكايات

من مميزات الشعب المصري أنه يُضيف طابعا خاصا لكل المناسبات، فقد جعل لرمضان طعما ورائحة ولونا وصوتا؛ طعم “القطايف والكنافة”، ولون الزينة وصوت المدفع وطبلة المسحراتي كلها علامات ترتبط بالصورة الذهنية لقدوم الشهر الكريم، وفي الثمانينات انطلقت فوازير رمضان على مدار عشرين عامًا لتُصبح علامة رمضانية، تولى تنفيذ الفكرة تلفزيونيًا المخرج العبقري فهمي عبد الحميد، بدأها بفوازير نيللي ثم سمير غانم ثم شريهان.. الأساطير الثلاثة للفوازير. في 1985 قدم فوازير “ألف ليلة وليلة” ليُضيف إليها نكهة الحكايات الخيالية الشعبية التي تُضفي أجواء من الونس والتشويق، لتُحقق نجاحا منقطع النظير، فأصبح أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر اسم شريهان هو “ألف ليلة وليلة”، لتتوج بأفضل أعمالها على الإطلاق كأميرة الحكايات في الوطن العربي، فكان الخيار الأمثل للعودة من نفس البوابة التي دخلت منها إلى قلوب ووجدان الوطن العربي وهي الحكايات.

رحلة الألم والأمل

مرت شريهان بأزمات ومعاناة جعلت من حياتها ملحمة درامية تفوق الدراما التي قدمتها على الشاشة، بدءًا من فقد والدها قبل أن تراه، ثم فراق أخيها عمر خورشيد في حادث سير شهير، مرورًا بالحادثة التي أقعدّتها مدة عام كامل جثة هامدة على فراش المرض لا تستطيع الحركة، بعد 3 سنوات من العلاج إثر حادث سير أدى إلى كسر في الحوض، وقطع في عصب اليد اليمنى وتفتت عظم الظهر، لتسافر إلى باريس لتجري جراحة استغرقت 6 ساعات، ثم قضت 6 أشهر يمنعها الألم من النوم والحركة، و6 أشهر أخرى تحاول أن تقف على قدميها، لتتعافى وتخضع للعلاج الطبيعى وظلت تُعاند المرض حتى استعادت لياقتها، ليصف الطبيب الفرنسي ما حدث بالمعجزة الطبية بعد أن شاهدها على المسرح في مسرحية “شارع محمد علي”.

توالت النجاحات  لتصنع شريهان أسطورتها الذاتية وتحجز مكانها في قلوب الملايين، حتى بدأ فصل جديد في حكاية شهرزاد العصر، جاءت الفاجعة الكبرى التي صعقت قلوب محبيها؛ سرطان الغدد اللمفاوية، لتنطفئ الأضواء وتغلق الستار وتعيش في خلوة مع النفس، لتقاوم في صمت لأنها لا تحب ما وصفته بـ”تسول المشاعر”، ولكي لا تدخل الحزن إلى القلوب التى اعتادت أن تسعدها، فترة التجرد من كل شيء، عاشت في عزلة تامة عن الثروة والنجومية والشهرة، تحكي أنها أثناء مرضها ذهبت إلى لندن وباريس وسويسرا والحرم المكي بعد أن وصل وزنها 117 كيلو بسبب أدوية الكورتيزون، حاولت أن تقترب من شخصيتها المعروفة لكن بلا جدوى، فتقول: “حزنت على عدد الليالي اللي ماوقفتش فيها واستمتعت بحبي في قلب الناس”، لتعي  بأن الثروة والشهرة تفنى، وما يبقى هو حب الناس وهذا يفسر الكلمة التي تكتبها دائمًا “#حبكم_حياة”، كل هذه المحن شكلتها ونقشت شخصيتها لتصبح شريهان التي نراها الآن.

حضور لا يغيب

على الرغم من ندرة ظهورها في الإعلام، لكنها على “السوشيال ميديا” من الفنانين القلائل الذين لم يصيبهم مرض النجومية -الذي حول صفحاتهم على “السوشيال ميديا” إلى ساحة لاستعراض ممتلكاتهم وسياراتهم والمصايف في أجمل وأغلى الأماكن السياحية في العالم؛ والإطلالات المثيرة والغريبة التي دائمًا ما تُثير غضب وسخرية الجمهور- بل صار حضورها على “السوشيال ميديا” حضورًا راقيًا وإضافة لرصيدها من حب الناس، من خلال دعمها لأحد الفنانين الشباب أو شكر لأحد الصحفيين أو تعبير عن موقف وطني في ظل أحداث مشتعلة مما جعلها تنال مزيد من حب واحترام زملائها والصحفيين والجمهور على حد سواء.

مشهد العودة

أُقيم مؤتمر لإعلان مشروع مسرحي من تأليف مدحت العدل وإنتاج جمال العدل، فقد كثرت الشائعات على مدار 4 سنوات عن العودة بمشاريع أخرى مما أوجب الإعلان بشكل رسمي، ليتحول المؤتمر إلى لحظة درامية بامتياز خفتت الأضواء وظهر صوت أنغام “ألف ليلة وليلة” التي  تثير شجن الذكريات والنوستالجيا، وما أن وقفت على خشبة المسرح حتى ارتفعت أصوات التصفيق وصيحات الترحيب، لتصعق من طاقة الحب والاشتياق التي استقبلها بها الجمهور، في لحظة  تجمع بين الفرحة والرهبة بكت وهي تحيي الجمهور، ثم أمسكت الميكروفون لتتكلم بنضج امرأة عاشت تجربة قاسية بين الحياة والموت وإصرار محاربة هزمت أخبث عدو مرض السرطان، وتواضع فنانة عاشت في جيل العظماء، لتشكر كل من دعمها في يوم من الأيام سواء في مسيرتها الفنية أو في فترة المرض فترسل إليهم جميعًا باقة من الكلمات الرقيقة والمعبرة عن مشاعر الحب والعرفان..

دخل سمير خفاجي على كرسي متحرك الذي كان لها بمثابة الأب والأستاذ  فسرعان ما نزلت من على خشبة المسرح لتقبل يده ورأسه وتذكره بوقوفه بجانبها في مسيرتها الفنية وفي مرضها، قائلة له وهي تبكي “بحبك، أنا بيك هكمل”، لتقدم لحظة إنسانية عنوانها العرفان بالجميل، وتم الإعلان عن مشروع مسرحي جديد وصفته بـ”انحناءة شكر لسيدات عظماء في العالم من خلال الفن”، لتقدم سيرة كوكو شانيل ورابعة العدوية وشجرة الدر وغيرهن، مما يعني أننا على مشارف فصل جديد في مسيرة شهرزاد العصر.

نرشح لك – شريهان.. قصة من ألف ليلة وليلة