فاطمة خير تكتب: أمينة النقاش ونبيل زكي.. شكرا

“اشتغلي”

“أنتِ إنسانة تقدري تعملي أي حاجة أنتِ عايزاها”

هل تريدون أن تعلموا كيف أثرت في هاتان الجملتان؟ حسنًا لنبدأ..

“اشتغلي” كانت الكلمة الأكثر تكرارًا على مسامعي من الأستاذة أمينة النقاش الكاتبة والصحفية والمسئولة عن الأقسام التي بدأت التدريب والعمل فيها في جريدة “الأهالي”، حيث تعلمت الصحافة، وحصلت على عضوية نقابة الصحفيين، وتشربت أخلاق المهنة، وقابلت مبدعين وأساتذة كبار. لم تكن تجربتي حينها سهلة، على مدار خمسة عشر عامًا من التدريب والعمل بلا توقف، كانت التحديات كبيرة للغاية. تبدو أكبر من قدرة تلك الفتاة الصغيرة التي قررت أن تقتحم وحدها قلعة صحفية صعبة المراس حينها، لكن حظي الجيد (وأنا أؤمن بأني محظوظة نوعاً ما) وضعني في طريق هذهِ السيدة العظيمة، التي تقبض على أخلاق مهنتها كالقابض على الجمر، وتمتلك أدوات المهنة بكل عمق، وتعتد بذاتها وبمهنيتها بتواضع شديد لا يتعارض مع إيمانها بنفسها ورسالتها.

نرشح لك: مهرجان الجونة VS فيلم هندي.. الجونة يخسر!

وعلى مدار سنوات طويلة، كبرت الفتاة التي تخرجت للتو، وتنقلت بين الأقسام، حتى وصلت للإشراف على صفحات، وأصبحت زوجةً وأمًا، وطوال الرحلة كان زادي تشجيع الأستاذة أمينة، التي كان ردها حاضرًا وقت التحديات كلها كبيرها وصغيرها: “اشتغلي”، “شغلك هو الرد الوحيد”، “شغلك هو الحاجة اللي هتنفعك”، كانت تشملني بعطفها دون التخلي عن حزم المديرة، علمتني كيف أدير معاركي، واكتسبت ثقتي مبكرًا ويا له من أمرٍ صعب! حتى أن أبي رحمه الله، كان يلجأ إليها أحيانًا ولآخر يوم في عمره لإقناعي بأي أمرٍ أرفض نقاشه.

الأستاذة أمينة علمتني كيف أعمل لآخر نفس دون أن أفقد إنسانيتي وحياتي الخاصة، طالما نبهتني وبإلحاح في أحيان كثيرة، كي لا أقع في فخ إدمان العمل وتجاهل حياتي الخاصة، وعلمتني أن أكتب ما بين السطورتمامًا كما أكتب السطور ذاتها، دون ابتذال ولا غلط، أن أنجح دون “شلة” حتى وإن دفعت الثمن.

في واحد من أهم دروسها، قالت لي بعفوية وأنا أهنئها بعيد ميلادها الستين، بأنها ترغب في التفكير بمستقبلها لذا قررت تزويد مهاراتها بالالتحاق بدراسة جامعية جديدة! في الحقيقة أذهلتني، وهي الجملة التي لا تزال تحفزني حتى اليوم، صحيح أنا لم أخبرها بذلك؛ لكني الآن أفعل، وبالعزيمة نفسها التي تحتفي بها بالحياة، كان اتخاذها لأمر الدراسة بجدية مبعثاً لاندهاشي حتى تخرجها!.وحتى الآن, وهي تخوض معركة تعرف أنها بلا أفق؛ كرئيس تحرير للجريدة التي أفنت عمرها فيها، بلا أي إمكانات مادية، لكنها تصر على الاستمرار إيمانًا منها بقيم لا تقدمها سوى هذه الصفحات، وإحساسًا بالمسئولية نحو رحلة عطاء وتضحية ممن سبقوها؛ فهي تقدم لي درسًا في القتال لأجل القيمة حتى وإن تخلى عنك العالم.

الأستاذة أمينة النقاش، المقاتلة الشرسة، والمرأة الرقيقة الحالمة، والإنسانة المثابرة المؤمنة بقيم العمل والإخلاص والأخلاق الحميدة.. شكرًا على العلم والحنو والصحبة.

نرشح لك: الكتب الأكثر مبيعًا في 10 مكتبات خلال سبتمبر 2018

“أنتِ إنسانة تقدري تعملي أي حاجة أنتِ عايزاها”.. كانت الجملة التي أجاب بها الأستاذ نبيل زكي على سؤالي، حين ذهبت لزيارته أطلب النصيحة، أصحب ابنتي وابني، وأسأله كيف لي أن أنجح في مهمة عمل كبيرة توليتها، كنت خائفة برغم إقدامي، وبرغم قبولي للوظيفة، ولم أجد بدًا من الذهاب لاستشارة أستاذ آمن بي حين كنت لا أزال صحفية مر على عملي عدة سنوات دون أمل في التعيين، وهو رئيس تحرير جديد للأهالي، وجاء الرد الواضح والمباشر والصريح من الأستاذ نبيل: “يا فاطمة .. أنتِ إنسانة تقدري تعملي أي حاجة أنتِ عايزاها”. لم تسعني الدنيا من الفرحة، فأنا طفلة أمام إطراء أساتذتي لا أزل؛ خاصةً وإن كانوا شحيحين في إبداء إعجابهم (وهي سمة كل من تعلمت على أيديهم)، كان رده قاطعاً بأنه مهما كانت المهمة سأستطيع إنجازها لأنه يعرفني جيداً، وحين تأكد من ارتياحي بعد سماع رأيه الواثق في؛ بدأ في شرح نصائح مهنية ترشدني لأداء دوري الجديد.

يومها كان يتحدث معي، وينظر لابنتي وابني بإعجاب، كان يخشى على نجاحي المهني من الزواج والإنجاب، وكان وهو رئيس التحرير الذي يصر على أنني سأجلس يوماً لا بد على كرسي رئيس تحرير (في زمن كان هذا منصب حقيقي وصعب المنال) يعلن بوضوح قلقه على مستقبلي حين تمت خطبتي، وحين احتجت لأخذ إجازة الزواج لم أجرؤ على طلبها منه، دخلت زميلتي للحصول على الإمضاء؛ فلم يتردد لكنه قال يا خسارة كانت صحفية كويسة!

نرشح لك: جدول حفلات ساقية الصاوي خلال أكتوبر 2018

لكنه هو نفسه المدير الذي لم يخذلني حين عدت من إجازة وضع طفلتي وطلبت استثناءات في الحضور والانصراف (وكان ذلك أمراً جللاً) لم يتردد على منحي إياه، فكان ذلك إنقاذاً لي للمرة الثانية من أن أخسر مسيرتي المهنية، كانت الأولى حين أصر على تعييني في الجريدة برغم صغر سني مقارنةً بزملائي، وحين علمني صنعة الديسك، وكيف أكتب صفحة للمنوعات، وكيف أحصل على الخبر من الإنترنت؛ هذا الوحش الذي سيغير وجه المهنة، كان داعمًا من الدرجة الأولى، ولولا إصراره على إلحاقي بنقابة الصحفيين ربما كنت فقدت صبري وغيرت مساري، ولولا تفهمه لوضعي الجديد كأم، ما كنت سأستطيع التوفيق ما بين رعايتي لطفلتي الأولى والاحتفاظ بعملي.

الأستاذ نبيل زكي، الصحفي الذي لم يتخل عن دهشته، والكاتب الذي يكتشف الموهبة ويقدرها، ورئيس التحرير الذي كان يناديني بـ”رئيسة التحرير”، والرجل الذي احتفى بقدرتي على الصحافة والأمومة معًا..شكراً .. لولاك ما كنت هنا.

لا أحد ينجح بمفرده.. ملف خاص عن “الأستاذ”