نجيب المستكاوي.. شيخ النقاد الرياضيين

نقلًا عن “الشروق”

سيد محمود

بعد أن نشرت الأسبوع الماضى مقالي “أدب كرة القدم”، عاتبنى صديقى القديم د. ياسر ثابت، لأنى لم أشر لمؤلفاته تحت هذا العنوان وكلها سابقة على العناوين العربية، التى أشرت إليها وهو عتاب فى محله، ويكفي هنا أن أشير إلى كتاب وجدته في مكتبتي ونشره قبل عدة سنوات فى دار العين وعنوانه “حروب كرة القدم”، يوثق لكثير من النصوص التى كتبها مبدعون كبار، وتدور كلها حول الكرة وبفضل هذا العتاب عاودت مطالعة صفحته على مواقع التواصل الاجتماعى.

واكتشفت الجهد المبذول في سبيل السعي لترسيخ هذا النوع من الكتابة، وسألت نفسى: لماذا لم أنتبه لهذا الأمر من قبل فاكتشفت أن الأمر يعود لاستسلامي شأن الكثيرين لعقد التصنيف، وكان من نتيجة ذلك أنيّ اعتدت تلقي المواد التى تُكتب عن الكرة من مختصين فى هذا المجال، وبالتالي التغافل عن أسماء من خارج التخصص ربما كانت ذات مساهمات أفضل، لأنها غير متورطة تمامًا ولديها القدرة على اختراع المسافة التى تُمكنها دومًا من الاستبصار وبناء متخيل سردي هو نص إبداعي بذاته.

وهذه الملاحظة عادت بيّ لنصوص أخرى كتبها مثقف جليل، تم اختصار منجزه في الصحافة الرياضية وبفضل هوس التصنيف يتم النظر إليه دائمًا كناقد رياضي، فى حين أن مساهماته فى ثقافتنا المعاصرة أبعد من ذلك بكثير وأنا هنا أتحدث عن نجيب المستكاوي؛ الذي مر على ميلاده مائة عام دون أن تفكر مؤسسة رياضية أو ثقافية أو صحفية فى التذكير به وبدوره، ليس فقط فى مجال تنمية الثقافة الرياضية وإنما فى حياتنا الفكرية إجمالًا.

وكنت أتوقع أن تكون مؤسسة الأهرام التي أشرف بالانتماء إليها هي أحرص مؤسساتنا على إحياء ذكرى الرجل الذى أعطى فيها لأكثر من نصف قرن، فعلى صفحات الأهرام صاغ مصطلحاته الشهيرة التي ارتبطت بأندية ولاعبين فهو صاحب ألقاب “الدراويش، والهكسوس، والتتار، والشواكيش، والعناتيل”، وهو صاحب لقب فرقة رضا للفنون الكروية، ثم لقب فنانين إفريقيا، وألقاب أخرى منحها لمصطفى عبده الذى أصبح معه “المجرى” وفاروق جعفر، الذي أسماه “اوناسييس” الكرة المصرية، لسيطرته المطلقة على خطوط العطاء فى نصف الملعب.

نرشح لك: إلغاء كأس السوبر المصري السعودي

ولست متأكدًا إن كان “المستكاوي” هو من أعطى للكابتن حسن شحاتة لقب المعلم، لكن ما أعرفه جيدًا أن “المستكاوي” له وجه آخر أعرق من وجه الناقد الرياضي، بحاجة لإعادة قراءة أو اكتشاف وهو وجه المترجم وقبل شهور وقعت في يدي نسخة نادرة من كتاب حول مذبحة دنشواي، قام بترجمته مع شقيق أو قريب له اسمه علي المستكاوي المحامي.

وهو كتاب نادر تضمن ترجمات رائقة لكل المرافعات التي تضمنتها القضية الشهيرة، التي نغصت على الإنجليز فرص إقامتهم واحتلالهم لمصر، وفي الكتاب كذلك مرافعة إبراهيم الهلباوي الشهيرة التي غيرت حياته من داعية للتحرر من الاحتلال إلى مفسر لوجوده ومبرر لجرائمه بحق المدنيين، وهي دراما تاريخية فسرها الراحل صلاح عيسى بطريقته الفذة فى حكايات من دفتر الوطن.

وفي كتاب “المستكاوية” أيضًا مذكرة أحمد فتحي زغلول شقيق زعيم الأمة، بالإضافة لتعليقات فريدة على النص تكشف عن خلفية قانونية واضحة، وعن وعي عميق بطبيعة القضية الوطنية، والمدهش أن الكتاب كان مطبوعًا على نفقة المترجمين كمساهمة فى العمل الوطني.

وقُمت بإهداء هذه النسخة للأستاذ الكبير حسن المستكاوي، الذي حدثني يومها عن رغبته فى تصنيف تراث والده وإعادة نشر مؤلفاته وترجماته، ومنها كتاب عن جان جاك روسو، بالإضافة لترجمة كتاب أزمة الضمير الأوروبى ومؤلفات أخرى لم تعد متاحة، وأعتقد أن إتاحتها من جديد تساهم فى وصل ما انقطع بين الأجيال المعنية بذاكرة الكتابة فى مصر، ومن بينها أدب كرة القدم الذي يحتاج لاهتمام جاد لا ينظر للكرة على أنها لعبة والسلام.