"حتى لا تتكرر المأساة".. دروس من رحلتنا القصيرة إلى مونديال روسيا

أحمد إمام- أحمد شعبان

المكان: ستاد برج العرب في الإسكندرية

الزمان: مساء يوم 8 أكتوبر 2017

الدقائق الأخيرة من مباراة مصر والكونغو، في تصفيات كأس العالم، علامات الوجوم تسيطر على وجوه الجماهير التي ملأت أرجاء الملعب، حالة من التوتر والترقب، فبعد أن أحرزت مصر هدفها الأول واقتربت من تحقيق حلم الوصول للمونديال، اهتزت شباك الفراعنة بهدف قاتل، كاد أن يحطم كل الأماني والأحلام، إلى أن احتسبت ضربة جزاء للفراعنة، عاد الأمل من جديد، وخفقت قلوب الجماهير، وعلت أصوات الهتافات، بعد أن أحرز محمد صلاح الهدف الثاني لمصر، لم يكن هدفًا عاديًا، فقد عاد به الفراعنة للمشاركة في كأس العالم، بعد غياب دام 28 عامًا.

منذ ذلك الحين والمصريون في حالة ترقب، يتنظرون أولى مشاركات منتخبهم في كأس العالم بعد غياب طويل عن المحفل الدولي الأهم، شهور من التجهيزات والترتيبات، على مستويات عدة، من اتحاد الكرة ومسئوليه، والجهاز الفني واللاعبين، إلى الجمهور الذي ارتفعت أحلامه إلى عنان السماء، وبينهما شركات تنتظر الترويج لها ولمنتجاتها.

نرشح لك.. #كأس_العالم: دليل مباريات اليوم الأربعاء 27 يونيو 2018

مرت الأيام، جاءت اللحظة التي انتظرها المصريون بلهفة، مصر تلعب أولى مبارياتها أمام أوروجواي، أداء اللاعبين مرضيًا، رفع سقف توقعات الجمهور، رغم ضياع الثلاث نقاط من الفراعنة. جاءت المباراة الثانية، أمام روسيا، فرصة الفراعنة الأخيرة للصعود لدور الـ16 في كأس العالم، وعلى عكس التوقعات مُنيت مصر بهزيمة قاسية، خرجت مبكرًا من المونديال، وتحطمت الآمال والأحلام الكبرى، فيما بقي لمصر مباراة أخيرة أمام المنتخب السعودي، رآها كثيرون “تحصيل حاصل”، لكنها كانت أمل المصريين الأخير لتحقيق فوز أول تاريخي في كأس العالم، لكن خسرت مصر، وعادت بعثة المنتخب أمس الثلاثاء، بانكسار وخيبة أمل، بعد رحلة قصيرة إلى روسيا، استمرت 16 يومًا فقط، أصابت الجماهير باليأس والإحباط.

من رحلة المنتخب “القصيرة” يستخلص “إعلام دوت أورج” بعض الدروس، ويرصد أبرز الأزمات، وردود الفعل التي لم تكن على قدر الحدث، من الجميع، لاعبين وجهاز فني، واتحاد كرة، وشركات دعاية، ومشجعين أيضًا، متمنين أن لا تتكرر إن قُدّر لنا التأهل للمونديال مجددًا:

1- اتحاد الكرة والتنظيم.. فوضى وعدم مسؤولية

لم يكن اتحاد الكرة ومسؤولوه على قدر الحدث الكروي الأهم في العالم، أزمات لم يكن لها داعٍ، بيانات وتصريحات متضاربة؛ فقبل انطلاق المونديال بشهر تقريبًا، اندلعت أزمة بين نجم المنتخب ونادي ليفربول الإنجليزي محمد صلاح، واتحاد الكرة المصري بسبب الحقوق التسويقية والدعائية الخاصة باللاعب، حين اختار الاتحاد أن يضع صورة “صلاح” على الطائرة الخاصة التي ستقل المنتخب لكأس العالم بروسيا، بجوار شعار شركة اتصالات منافسة للشركة التي تمتلك حقوق تسويق المحترف المصري. استمرت الأزمة لما يقرب من أسبوع، قبل أن يخرج هاني أبو ريدة، رئيس الاتحاد، وخالد عبد العزيز وزير الشباب والرياضة السابق، معلنين انتهاء الأزمة وحلها، ورفْع صورة “صلاح”. أيضًا كان تعامل الاتحاد مع اللاعبين، على اعتبارهم سلعة، إعلانات كثيرة شاركوا بها، دون ضوابط أو معايير، وبدا الأمر كاحتفال بصعود مؤكد إلى الدور الثاني في المونديال، ولا نستطيع أن ننفي مسؤولية اللاعبين عن ذلك أيضًا.

 

قبل أقل من أسبوع على المباراة الأولى للفراعنة في المونديال، اختلق الاتحاد أزمة أخرى، حين قرر “أبو ريدة” استبعاد مجدي عبد الغني، عضو الاتحاد، من رئاسة البعثة المتجهة إلى روسيا، على خلفية اقتحام الأخير لمشروع الهدف بمدينة السادس من أكتوبر وتعدى على أحد العمال، من أجل الحصول على كمية من الملابس للمنتخب الأوليمبي دون إبداء أى أسباب لاستخدامها. تبادل الطرفان الاتهامات، “عبد الغني” يهدد بـ”كشف المستور”، وفجأة انتهت الأزمة، وسافر عبد الغني إلى روسيا، دون أن يعلم أحد ماذا حدث بالضبط؟!.

على ملعب استاد القاهرة، كان مران الفراعنة الأخير قبل سفرهم إلى روسيا بيوم واحد، وكان من المفترض أن يشهد المران حضورًا جماهيريًا كبيرًا، من أجل مساندة اللاعبين، لكن اقتصر الحضور على الفنانين وبعض الشخصيات العامة والإعلاميين، وقليل من الجماهير. وقبل مباراة هامة وحاسمة للمنتخب أمام البلد المستضيف، روسيا، سادت حالة من الصخب والفوضى، حيث تواجد الفنانين في فندق إقامة المنتخب، وبعض رجال الأعمال في معسكر المنتخب، في مشهد شبّهه كثيرون بـ”فرح العمدة”.

بسبب الأزمات الكثيرة التي حدثت في معسكر المنتخب، اضطر اتحاد الكرة لإصدار بيانات كثيرة، لتبرير وتوضيح بعض الأمور، في مشهد لا يليق بمشاركة مصر في كأس العالم بعد غياب 28 عامًا، فتارة يصدر بيانًا لتبرير اختيار جروزني كمقر لإقامة المنتخب، وأخرى لتوضيح مصير تذاكر مباريات المنتخب، التي بيعت بطرق غير رسمية، وثالثة تعليقًا على مقطع فيديو انتشر للاعبين محمود كهربا وسعد سمير من معسكر المنتخب، وأثار جدلًا كبيرًا، كذلك أصدر الاتحاد بيانًا ينفي فيه اعتزال محمد صلاح اللعب دوليًا، بعد الأزمة التي سببها له الاتحاد، حين استقبل رمضان قاديروف رئيس الشيشان صلاح وبعثة المنتخب في حفل عشاء خاص بعد مباراة روسيا، ما فتح بابًا للانتقادات الغربية لصلاح بسبب صوره مع قاديروف، وانتشرت أخبار متناثرة تشير إلى نية الدولي المصري اعتزال اللعب دوليًا.

باختصار، لم ينجح اتحاد الكرة المصري في التعامل مع حدث كبير ككأس العالم باحترافية، بالقدر نفسه الذي فشل في التعامل مع لاعب دولي محترف ونجم عالمي، بقدر محمد صلاح.

2- الجهاز الفني واللاعبين.. كوبر “العنيد” يبدد الآمال

يُحسب لكوبر أنه وصل بمنتخب مصر إلى نهائي كأس الأمم الإفريقية، وعاد بمصر إلى كأس العالم بعد غياب طويل، لكن رغم ذلك لا تستطيع أن تتجاهل أخطاءً كثيرة وقع فيها المدرب الأرجنتيني، تمسكه بطريقة لعب دفاعية، دون تطوير الشقّ الهجومي، بالنسبة لكوبر: “كل المباريات واحدة”، تغييرات محفوظة وطريقة ثابتة أمام كل الفرق، على اختلاف قدراتها وطريقة لعبها. كل ذلك، حرم المنتخب من تحقيق أية نتائج إيجابية في المونديال، وعاد إلى مصر دون تحقيق نقطة واحدة.

بالنسبة للاعبين، رغم أداء لافت لبعضهم، إلا أنهم لم يكونوا على قدر وأهمية الحدث الأهم في مسيرتهم الكروية، صحيح أن خبراتهم قليلة، لكن الأمال والطموحات التي عقدت عليهم كانت كبيرة، خاصة أن مجموعة مصر كانت في المتناول عكس باقي المنتخبات العربية، والمشاركة المصرية تأتي بعد غياب طويل مرير، استمر لما يقارب الثلاثين عامًا. لم يُطلب منهم أن يعودوا باللقب، لكن على الأقل لا يودعوا البطولة بهذا الشكل المُحبط، المخزي، منكسين الرؤوس، حتى المباراة الأخيرة التي كانت تحصيل حاصل أمام السعودية، لم يكن لدى اللاعبين الرغبة لتحقيق فوز تاريخي يسجل كأول فوز لمصر في المونديال.

3- الجمهور.. “كل شيء مُباح”

من مظهر لاعبي المنتخب إلى التعويل كليًا على صلاح وتحميله وحده المسؤولية وعبء تحقيق الفوز، فضلًا عن أزمات صلاح مع الاتحاد؛ لم يترك الجمهور المصري أمرًا إلا وعلّق عليه، وتفاعل معه، إما بالمدح المبالغ، أو الذم المفرط، ارتفع سقف الرهانات على نحو غير طبيعي، وانتظروا معجزة لم تحقق. فما إن وطأت أقدام لاعبي المنتخب القومي أرض روسيا، انهالت الانتقادات على مظهرهم والبدل التي ارتدوها، وظلت شبكات التواصل الاجتماعي ليوم كامل في واصل من “الرزع والهبد” حول مظهر اللاعبين، دون فائدة غير إثارة الضجيج والجدل والتشتيت. بالرغم من أن المشهد كان طبيعيًا، ولا يحتمل ما حدث، فنظرة واحدة على صور للاعبي المنتخبات الأوروبية، تغنيك عن كل هذا الضجيج.

“محمد صلاح أو لا أحد”

لا يخفى على أحد قدر ومكانة وأهمية محمد صلاح بالنسبة لمنتخب مصر، فهو القائد والملهم، هو حصن المنتخب المنيع، ما إن تلمس قدماه الكرة، تتحرك معها قلوب المصريين، فكل الآمال معلقة عليه، ووحده قادر على صنع الفارق. لكن ذلك كله لا ينفي أن الجمهور يحمّل “صلاح” أكثر مما يحتمل، حتى إن بعضهم يتعامل معه وكأنه يمثل وحده المنتخب المصري، بل هناك من زاد على ذلك وأصبح يشجع صلاح وحده فقط، بالرغم من أنه لاعب في فريق من أحد عشر لاعبًا، حملوا جميعهم أحلام المصريين إلى المونديال، ويحتاجون منّا المساندة والدعم، ولو بقدر يسير مما يحظى به صلاح.

ماذا بعد رحلتنا القصيرة إلى مونديال روسيا؟

انتهت مشاركتنا القصيرة إذن في مونديال روسيا، وعاد المنتخب إلى البلاد، لكن ما حدث يستدعي التوقف عنده، والبحث فيما يحمله لنا من رسائل، لا يجب أن يمر ما حدث مرور الكرام، محاسبة كل مقصر تسبب في “صفر المونديال” مطلوبة، ومعالجة أسباب “الصفر” ضرورية، دون تعمّد نسيان ما حدث، أو البحث عن “كبش فداء”، حتى لا تتكرر المأساة مرة أخرى، إن قُذّر لنا التواجد مجددًا في المونديال.