بنما .. كن سعيدًا ولو بهدفٍ وحيد!

محمد حسن الصيفي

الكرة أحد المؤشرات الهامة لتحضر الدول، وأحد أهم أوراق تواصل الشعوب، وتبادل الثقافات، والتعبير عن المشاعر الوطنية الجيّاشة، وازدياد الجانب المعرفي للإنسان.

ومع كل مناسبة جديدة في ملاعب كرة القدم يتأكد الأمر، فبينما تواجه بنما إنجلترا اليوم في كأس العالم حدث شيئًا لافتًا للإنتباه.

فبعدما أمطر المنتخب الإنجليزي نظيره البنمي بسداسية ثقيلة أحرز فيليبي بالوي قائد الفريق هدف فريقه الوحيد في شباك الحارس بيكفورد، لتنطلق بعدها الصيحات والاحتفالات المدوّية في المدرجات بشكل غريب يوحي بأن ثمة خطأً في الأمر.

لكن الاحتفالات الهيستيرية للجمهورر البنمي ليست محض هراء أو جنون، بل منطقيّة جدًا، فهذه هي مشاركتهم الأولى في كأس العالم، وهدف بالوي هدف تاريخي لأنه الأول للمنتخب البنمي في كأس العالم، حتى ولو جاء بعد تسعة أهداف استقبلها الفريق في شباكه، بواقع ثلاثة في مباراة بلجيكا وستة في مباراة إنجلترا.

بعدها بدقائق قليلة كان المشهد أكثر غرابة، الكاميرا تنقل احتفال جماهير انجلترا بالفوز العريض والتأهل للدور الثاني، ثم تنتقل لجماهير بنما التي تحتفل أيضًا وربما بصورة أكبر لأن الفريق تمكن من إحراز هدفه الأول في البطولة !

والفرحة ليست غريبة على دولة بنما بعيدًا حتى عن كرة القدم، فهي الدولة الأولى طبقًا لمؤشر السعادة الدولي لعاميين متتالين 2014/2015

وذلك بالرجوع لعدة عوامل حاسمة منها المتوسط المادي للفرد والصحة العامة ومجالات السعادة المتعددة، بخلاف موقعها الجغرافي الممتاز، بالإضافة للحالة الاقتصادية المنتعشة للبلاد بسبب ارتفاع معدل السياحة فهي بلد آمن وأهلها طيبيون ومحبون للحياة وعددهم قليل جدا فهم حتى 2016 لم يتجاوزوا الأربعة ملايين نسمة.

نرشح لك: تحذيرات “ميدو” من خسارة المنتخب أمام السعودية

وبنما التي لاقت هزيمة قاسية اليوم في أرض الملعب، دولة اجتمعت لها ظروف السعادة الحقيقية على أرض الواقع، فموقعها المتوسط في أمريكا الجنوبية جعلها قبلة السياح حيث تطل من الشمال على البحر الكاريبي، والمحيط الأطلنطي ومن الجنوب المحيط الهادي، وهي أكبر اقتصاد في أمريكا الوسطى بسبب موقعها الهام الذي يساعدها كثيرًا في التجارة والسياحة فسبقت عديد الدول في المنطقة على المستوى الاقتصادي مثل كوستاريكا والسلفادور.

ومن أشهر معالمها “قناة بنما” وهي من أعظم المشروعات الهندسية في العالم فهي تصل بين المحيط الأطلنطي والمحيط الهادي وقد تم حفرها عام 1914 لتقصير المسافة بين مدينة سان فرانسيسكو ونيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية لتوفر في المسافة حوالي بين 12530 كم بين المدينتين.

فكيف لا يحتفل الجمهور القادم من بلد جميل يجمع كل أسباب السعادة والحياة الطيبة ؟

حتى لو كان الاحتفال بهدف في مقابل ستة.

وجمال كرة القدم أنها تُبرز المشاعر الوطنيّة بمنتهى التكثيف، فهي في الأدب تشبه قصة قصيرة أمام رواية طويلة، وكبيت من أبيات الشعر أمام إحدى المعلقات، فالبطولة أظهرت كل اللحظات التي من الصعب أن تبرزها ساحات الحرب والقتال، وحتى الأفلام والموسيقى والأغاني الوطنية، ففي أثناء عزف النشيد الوطني لبنما في مباراة بلجيكا أجهش المدافع رامون تورس بالبكاء، وهو اللاعب نفسه صاحب الهدف الملهم الذي فازت به بنما على كوستاريكا قبل ثمانية أشهر لتصعد لأول مرة في تاريخها إلى كأس العالم.