ذكرى رحيل الصوت الأنيق.. محمود سلطان

محمد عبده بدوي

(1)
عند تمام الرابعة عصراً كل خميس، يدخل الأستاذ حاملاً أوراقه بكامل أناقته، غرفة الدوبلاج (التسجيل الصوتي) بالدور الثالث في ماسبيرو، ليسجل التعليق الصوتي لبرنامجه الشهير، كنت وقتها أتدرب كمساعد مخرج في هذا (المبنى- الحلم) لكل طالب يدرس الإعلام .

قبل أن تقترب الرابعة بدقائق، أسير في ممر طويل كعادة ممرات ماسبيرو المربكة التي أتوه فيها، و معي أحلامي الصغيرة، لأجدني واقفاً في نهايته على باب غرفة الدوبلاج، انتظر.. كأنني على موعد مع فاتنتي البعيدة، يدخل الأستاذ، يوزع ابتساماته الوديعة كالندى على من حوله، وبصوت عذب يخيل إليك أنه يربت به على الأشياء يحييني… أجلس عند زاوية بعيدة في الغرفة، وهو يجلس خلف اللوح الزجاجي يتهيأ لقراءة النص الذي أمامه كما يليق بشاعر أنيق، أرقب حركاته ولفتاته ونبرات صوته الوقوره…. لحظات بهجة عابرة كنت أقتنصها خلال مدة التسجيل، أسجلها في ذاكرتي ولا أنساها .

أصبحت بلغة أهل الدراما كالراكورالثابت -كل خميس يجدني في انتظاره مع مهندس الصوت- وفي إحدى المرات مال علي وقال: “عايزك بعد ما أخلص تسجيل”، تملكني شعور لحظتها بأني سأعتمد مذيعاً في ماسبيرو بعد قليل، أنهى تسجيل الحلقة وناداني، قام من كرسيه وأجلسني مكانه “سجل الحلقه بصوتك.. عايز أسمعك”، كانت هذه المرة الأولى التي أجلس فيها أمام ميكروفون في حياتي .

(2)

إنه محمود سلطان… لكل صوت شخصية، والأستاذ هو صاحب الصوت الشخصية، لكل صوت ملمس ورائحة، للأصوات أيضا أجساد ترتديها، صوت حاد كوخر الدبابيس، مجرد سماعه يشعرك أنك تسقط في غابة من الأشواك والمسامير، صوت قوي جهوري استعراضي، يعتقد صاحبه أنه الأفضل عند مستمعيه، يستعرض ولا يوحي، يقسو عليك ولا يحنو، صوت يجعلك تتأرجح كعربة طائشة في ملاهي.

تكمن القوة الحقيقية لصوت المذيع في هدوء الصوت وصفائه واتزانه وقدرته على مخاطبة العقل والقلب معاً، هكذا كان صوت الأستاذ، صوت متزن حكيم هاديء ليس قوياً واستعراضياً، صوت مختلف فريد -سينيه باللغة الفرنسية- لا يشبهه أحد، حين تسمعه تشعر أنك بداخل بيت أنيق تنبعث من أركانه الموسيقى.

بعد أن تتلمذت على يديه في عدد من الدورات التدريبية، ونلت شرف أن أكون زميلاً له ، كنت دائماً حينما أقابله في ماسبيرو أقول له “أستاذي … صاحب الصوت الأنيق”.

(3)
يقولون إن مذيع الأخبار في التليفزيون الحكومي هو صوت الدولة، هو صوت رسمي مختوم بختم النسر، وفي هذا الكلام الكثير من الوجاهة والمنطق، فعلى مر تاريخ ماسبيرو كانت الدولة هى التي تحتكر صناعة الأخبار فقط، هى التي تقرر ما الذي يمر وما الذي لايمر عبر الهواء.

وقد عمل سلطان -ابن القناطر الخيرية- في تليفزيون الدولة، بدأ حياته الإعلامية مذيعاً بالبرنامج العام وعمل كبيراً للمذيعين ثم نائباً لرئيس قطاع الأخبار، وفي أواخر حياته كان يقرأ النشرة في إذاعة راديو مصر مع أبنائه من الأجيال الجديدة، هذا إلى جانب برنامجه الذي اشتهر به “عالم الحيوان”، وحواراته مع الشيخ الشعراوي لإحدى شركات الإنتاج الخاصة، وبالرغم من هذه السيرة المهنية الحافلة، كان هناك من يرى أنه ظلم مهنياً، وكان من المفترض أن يحصل على أحد المناصب الرفيعة في ماسبيرو، لكنه اختار أن يكون هذا المنصب في قلوب مشاهديه وتلاميذه.

كان الأستاذ حريصاً على ضبط المسافة بينه وبين النظام، كان مذيعاً للأخبار والبرامج السياسية دون أن يغرق في أوحال السياسة أو يتم تصنيفه ضمن تيار معين، رغم أنه خاض الانتخابات البرلمانية وكان نائباً في مجلس الشعب (١٩٩٥-٢٠٠٠)، دون أن تلوثه السياسة.

يبقى إنجاز الأستاذ وإبداعه الأهم انسانياً، لم يتأخر للحظة عن زميل، كان سباقاً في تقديم يد العون والمساعدة للجميع، يفتح أبواب قلبه لشباب الإعلاميين، فليس مستغرباً أننا تلاميذه شعرنا بيُتم إعلامي برحيله عن دنيانا.

في الخامس من أبريل، مرت ذكراك الأولى دون أن ننتبه، لكن شجرة المحبة التي زرعتها بخلقك ونبلك وقيمك المهنية ما زالت أوراقها تتأمل الأفق، أوحشتنا…. أستاذي صاحب الصوت الأنيق.

اقرأ أيضًا:

مذيعة تتلقى عرض زواج من حبيبها على الهواء

تامر أمين عن هيفاء وهبي: متعودة دايماً !

مفاجأة.. الأزهر يشرف على قناة الناس

محمد عبد الرحمن يكتب: حزب أعداء ياسمينا العلواني

الظهور في قناة “الأهلي”.. جريمة في الزمالك

دينا تحذر من الزوج المتدين

ضبط شركة تقدم خدمات إخبارية لقنوات “العالم” و” العربي”

أبناء مبارك: تامر أمين كذاب

متحدث “عاصفة الحزم” يتكلم بالفرنسية على قناة العربية

تامر أمين يكشف مرض سوزان مبارك ومكان علاجها

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا