حسين عثمان يكتب: تأملات مُشاهِد من زمن فات (2)

*أعود بذاكرتي إلى سنوات ما قبل ثورة يناير، فأجد أن القنوات الفضائية المصرية الخاصة تواجدت على استحياء، دريم والمحور على ما أذكر، أما الغلبة في ساحة الفضاء فكانت لشبكات التلفزيون العربية، ومعها شبكة تليفزيون النيل بماسبيرو، قامت ثورة يناير فقامت معها قيامة الفضائيات المصرية الخاصة، واهتمت الشبكات العربية ببث قناة خاصة بمصر ضمن باقة قنواتها، هوجة فضائية لم أجدها يوماً حسنة النية أو بريئة التوجه، فرضت منهج الكم حتى تملأ ساعات البث المتواصلة ليلاً ونهاراً، وخاضت معركة تجارية شرسة للاستحواذ على الوعي الجمعي المصري، فلم تفعل إلا فعل المسخ في الشخصية المصرية، ومعها لم يعد رمضان إلا موسماً لتكسير العظام.

*المؤلف مجدي صابر، والمخرج مصطفى الشال، ومعهم الكبار عبلة كامل ورياض الخولي وأحمد بدير ورانيا فريد شوقي، يقفون بالجزء الخامس والأخير من “سلسال الدم” في رمضان، موقف المدافع عن دراما لها تاريخ، فإذا تابعت نموذج المرأة المصرية الذي تقدمه عبلة كامل، “نَصرَة” في أحداث المسلسل، لأدركت أن العمل يستحق المشاهدة والإعجاب والتقدير، “نَصرَة” الحكيمة القوية العصية على الكسر، في مواجهة كل أشكال البطش والنفوذ والفساد، “نَصرَة” القابضة على جمر القيم في زمن عزت فيه القيم، “نَصرَة” المُعَبِرَة بحق عن المرأة المصرية في مواجهة ما تتعرض له من تشويه وابتذال على أيدي تجار الفن، ممن لا يرونها إلا سلعة عنوانها السقوط.

نرشح لك: حسين عثمان يكتب: تأملات مُشاهِد من زمن فات

*وسط زحمة نجوم رمضان، لما يخطفك وجه صاعد بدور من خلف النقاب، يبقى أكيد موهبة حقيقية تستحق التهنئة والدعم، ومساحة تأمل لا نبخل بها على عزة عبد الصبور في مسلسل “مليكة”، أو شيري مجدي التي أدت دورها ببراعة، خاصة وأن صوتها كان الوسيلة المُعَبِرَة عن ملامح الشخصية، فإذا تابعتها وهي تستقبل ردود الأفعال الرافضة للدور وتتفاعل معها في نقاشٍ واع، في مداخلة هاتفية مع وائل الإبراشي وضيوفه في إحدى حلقات “العاشرة مساءً”، وعدت بعدها بذاكرتك إلى رمضان الماضي، فتذكرت طلتها المُبهِجَة في إعلانها الشهير بجملة “يا ويتر هاتلي أي سامثينج أشربه”، لأدركت أننا بصدد ممثلة مجتهدة قادمة على طريق النجومية.

*وعلى ذكر الإبراشي، يظل حرصه على التواجد ببرنامج “العاشرة مساءً” على شاشة دريم في رمضان محل تقدير، وفي إصرار سنوي على مواجهة سطوة دراما رمضان المُستَفِزَة، اختار وائل الإبراشي أن يناقش كطرح رئيسي في الموسم الرمضاني، ردود أفعال المجتمع المصري تجاه مختلف شخصيات مسلسلات رمضان، الأقباط والصعايدة ورجال الشرطة والمحامون والمرأة والمنتقبات، ولا يحزنك في هذا كله إلا ما كشف عنه طرح الإبراشي من رؤية جماهيرية قاصرة ووعي منقوص، تجاه قراءة الفن والتفاعل معه والإيمان بأهمية دوره في الارتقاء بوعي ووجدان المجتمع، ولا يفوتني في هذا ملامة صناع دراما هذه الأيام، فهم عاجزون عن التواصل الفعال مع معظم شرائح المجتمع.

*احتاج رامز جلال لسنوات حتى يحمل برنامجه اسماً على مسمى، رامز تحت الصفر، عنوان يكشف بوضوح حال رامز مع برنامج تأبى قواعد الآداب العامة عن وصفهما معاً بما يليق، رامز يحاول بمقالبه السخيفة اللحاق بقطار نجومية صادفت معظم أبناء جيله، ولكنه لم يفك بعد شفرة تحقيقها، نسب المشاهدة العالية للبرنامج زائفة، ولا تعني النجاح بالضرورة، وهي تأتي في الأساس من قطاع كبير من أشقياء الصبية والمراهقين، ممن تستهويهم سلوكيات العنف والمقالب، وأفعال الاستخفاف والتحرش، ولا أعتب كما أعتب على النجوم ضيوف البرنامج، الذين يتحولون مع رامز وهم يعلمون، إلى مجرد كومبارس فاشل يبحث عن سبوبة في موسم كله أموال وأضواء.