رائد عزاز يكتب: كرة القدم رياضة أم صناعة؟

الكاتب الأورجواني الشهير إدواردو جاليانو يقول في كتابه الرائع “كرة القدم بين الشمس والظل”: عندما تحولت اللعبة من رياضة إلى صناعة، جرى استبعاد الجمال الذي يتولد من متعة اللعب لمجرد اللعب، وصار الأمر عبارة عن مجرد استعراض تقليدي فيه أبطال قليلون ومشجعون كثيرون يدفعون الملايين لملء جيوب المنظمين؛ لكن من حسن الحظ، يطل علينا بين الحين والآخر، وقح مستهتر يقترف حماقة الإبداع رغما عن الفريق المنافس والحكم وجمهور المنصة.

هذه الكلمات المستنيرة توضح كيف تبدل حال الساحرة المستديرة، من هواية للفنانين إلى مهنة للمحترفين الذين غيروا طبيعتها واغتالوا روعتها، بعد أن أدخلوا عليها الخطط الدفاعية وطرق الأداء الميكانيكية، مما تسبب في اختفاء المواهب الفطرية وظهور العناصر المعدلة بوسائل تكنولوجية داخل المعامل التدريبية.

نجوم كرة القدم الحاليين ينقسمون إلى ثلاثة أنواع:

— الموهوب: لا يمتلك غالبا بنية متينة أو طولا فارعا لكن عمره داخل الملاعب يكون مديدا نظرا لاعتماده بالأساس على الذكاء التلقائي في المراوغة والتمرير دون الحاجة لبذل مجهود كبير. إمكانياته الفردية المتفردة تخطف أنظار الجميع وتمثل عامل الحسم لترجيح كفة فريقه خلال عديد من المواجهات المهمة، فيتحول إلى أسطورة خالدة تعيش في ذاكرة المتفرجين لعشرات السنين.. (ليو ميسي).

— المصنوع: يتمتع بجسم نموذجي مدعوم بطاقة هائلة تساعده على سرعة الاختراقات وقوة التسديدات مع التفوق في كافة الالتحامات؛ غير أنه يفقد توهجه سريعا عندما تهبط كفاءته البدنية ويقل مجهوده الوافر. يحظى بشعبية مؤقتة بين المراهقين والنساء الذين يُفتنون بوسامته وعضلاته أكثر من إعجابهم بمردوده الكروي؛ وبمجرد ابتعاده عن الساحة يتركونه وينشغلون بموديل جديد.. (جاريث بيل).

— المهجن: بداياته خلال مرحلة الناشئين تُظهر تفوقه النسبي على باقي زملائه، فتلتقطه إحدى الأندية الكبري وتتولى صقله من جميع النواحي حتى يصير نجما عالميا يجمع بين التميز الرياضي والشكل الجذاب الذي يسهم في جلب الإعلانات وزيادة مبيعات التيشيرتات. يقدر على الاحتفاظ بمستواه ومكانته زمنا طويلا بفضل احترافيته في التعامل مع الأمور داخل وخارج المستطيل الأخضر.. (كريستيانو رونالدو).

المنتخبات تنقسم أيضا إلى ثلاث فصائل:

— المهاري: يلعب بطريقة مفتوحة تقوم على الإبهار الفني دون مراعاة لقواعد الانضباط التكتيكي أو متطلبات الحرص الدفاعي؛ وهو ما يسفر في النهاية عن خسارة البطولات بشكل درامي. مدربو تلك النوعية بادروا لاحقا بتعديل إستراتيجيتهم من أجل إحداث التوازن المطلوب الذي يضمن تحقيق نتائج إيجابية.. (البرازيل).

— المبرمج: غير مسموح له بحرية التصرف أو الابتكار بل عليه فقط الالتزام الحرفي بالتعليمات التي تلزمه بحماية مرماه بكافة السبل المشروعة وغير الشرعية، وكذلك إرهاق الخصم بتعمد الدخول معه في سباقات سرعة وصراعات ثنائية، فضلا عن ضرورة استثمار الكُرات الثابتة والهوائية لإحراز الأهداف.. (إنجلترا وإيطاليا).

— الاستثنائي: يتكون من عناصر قادرة على القيام بكل الأدوار نظرا لامتلاكها الموهبة الفطرية المدعومة باللياقة البدنية والخبرة الميدانية. أسلوبه يعتمد على الاستحواذ المطلق والتحكم الكامل في إيقاع اللعب، وهو ما يصيب المنافس بالارتباك واليأس فتنهار تحصيناته وينفتح الطريق نحو شباكه.. (إسبانيا وألمانيا).

كل نوع من الأمثلة السابقة له أنصاره وعشاقه، رغم التباين الواضح بينهم في المذاق والنكهة.